رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


غابة حقوق الإنسان

منذ أن وعينا أنفسنا وظهرنا على الدنيا، خاصة بقراءة الصحف، وسماع وسائل الإعلام، ونحن نسمع مصطلح حقوق الإنسان، كما نسمع أن هيئات، وجماعات تدافع عن حقوق الإنسان، منها ما هو بجهود شعبية لا تتبع جهات رسمية، ومنها ما يتبع هيئة الأمم المتحدة، كما اشتهرت الولايات المتحدة بإصدار تقرير سنوي بشأن حقوق الإنسان تدرج فيه قائمة بالدول مصنفة على حسب مراعاتها، و احترامها لحقوق الإنسان، أو خرقها، وعدم مراعاتها هذه الحقوق.
من متابعتي لتقارير أمريكا بشأن حقوق الإنسان طوال سنين لاحظت أنها في كثير من الأحيان تخضع للمزاج السياسي الأمريكي، وحسب مصالحها، فإن تحسنت العلاقة مع بلد، واقتضت المصلحة غض الطرف عن الممارسات الإنسانية لم تتطرق أمريكا لذلك البلد، وإن ساءت العلاقة مع بلد وضع في قائمة الدول المخالفة لحقوق الإنسان وتولى الإعلام الردح على هذه القضية، لإحراج النظام السياسي في ذلك البلد، وابتزازه، حتى يخضع للإملاءات الأمريكية، وينفذ متطلباتها السياسية والاقتصادية.
مع التقدم التقني الهائل في الوقت الراهن، أصبحت اختراقات حقوق الإنسان توثق بالصوت والصورة، وتبث على مستوى العالم، في الوقت نفسه، وكم رأينا من الممارسات في أنحاء العالم، كما يفعل البوذيون مع الروهينجيين، ونقلت الفضائيات ما يتعرض له المسلمون في إفريقيا الوسطى، على أيدي المسيحيين، مع وجود قوة فرنسية كان هدفها المعلن حفظ النظام في ذلك البلد والفصل بين المعتدين والمعتدى عليهم، لكن هذا لم يحدث، بل يتم قتل المسلمين على مرأى من القوات الفرنسية.
الأوطان العربية التي شهدت ثورات، وتحركات شعبية مارست الأنظمة في هذه الدول ما يفوق التصور بشأن مخالفة حقوق الإنسان من قتل على مرأى ومسمع من العالم، وبشكل موثق إلى خطف، وتعذيب، ليخرج المختطف معوقاً، لا يستطيع الحياة بشكل طبيعي، هذا إن لم يسلم لأهله جثة هامدة، ليتهم بقتل نفسه، أو أنه مات نتيجة أزمة قلبية. ولا يمكن لمراقب أن تغيب عنه الصور البشعة للتعذيب، وسلخ جلد من يعتقل من المتظاهرين في سورية، على أيدي جنود النظام، ولا يمكن نسيان حفلة الرقص والردح على أجساد المتظاهرين الذين يتم القبض عليهم من قبل النظام وتبث المشاهد، بمباهاة، وفخر من قبل ممارسيها. أمريكا التي ترفع شعار حماية، ورعاية حقوق الإنسان مارست أبشع صور مخالفات حقوق الإنسان في حق العراقيين من قتل بدم بارد، وتعذيب شرس، وما حدث في سجن أبو غريب لا يمثل إلا صورة مبسطة من اختراقات حقوق الإنسان.
هل من يرفع حقوق الإنسان يراعيها بشكل صحيح، أم أن الأمر تقرره أولاً وأخيراً المصالح دون اعتبار للمبادئ، والقيم الإنسانية؟ وقائع التاريخ تثبت أن المصالح هي الأساس، والمبادئ، والقيم تغيب عن صاحب المصلحة خاصة إذا كان يشعر بالقوة، ويمتلكها، وهذا ما ينطبق على ممتلكي القوة العسكرية، والسياسية، على مستوى العالم، التي تتكشف وتتعرى إذا تأملنا واقعها الداخلي، إذ توجد فيها فئات مهمشة سياسياً، واقتصادياً، كما هو حال الهنود الحمر، والسود في أمريكا، كما تمارس بشأنهم ممارسات لا إنسانية في مراكز الشرطة، وفي الميادين العامة، فهل يعي سياسيوها، وأجهزتها المعنية بحقوق الإنسان هذا الواقع ويتصدون لمعالجته، أم أن رفع الشعار سيف مسلط على الدول الأخرى لتحقيق المكاسب على شكل صفقات أسلحة ضخمة وغيرها من العقود الأخرى؟!
حقوق الإنسان، والمحافظة عليها تحتاج إلى مبادئ عامة تمثل إطاراً، وتشريعاً يحكم الحقوق، ويوجه السياسات، والممارسات بهذا الشأن، إضافة إلى سن الأنظمة، والقوانين التي تحدد متى يمكن اعتبار الممارسة لا إنسانية، وما الإجراءات الواجب اتخاذها وكيف بحق من لا يراعي حقوق الإنسان؟ إضافة إلى نوع ومستوى العقوبات الواجب فرضها على من تقع منه الممارسات الخاطئة. إن حقوق الإنسان في مفهومها، وإجراءاتها، ونظمها، هي ثقافة مجتمعية في المقام الأول، ولقد تجسد فينا منذ الصغر قوله تعالى (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات لعلهم يشكرون).

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي