هروب الفتيات .. حلول ومقترحات
تطرقت في مقال سابق عن ظاهرة هروب الفتيات وما تنشره الجهات المعنية في الصحف اليومية بين الوقت والآخر من قضايا هروب الشباب من الجنسين، وآخرها تقرير جمعية حقوق الإنسان حول هروب اليافعين. وقد سلطت الضوء على أهم أسباب هروب الفتيات ذكرت منها تسلط الابن الذكر على شقيقاته بتفويض من الأب أو من الأم أو منهما معا، وبدعم من الثقافة المجتمعية، وكذلك الازدواجية في التربية فبعض الأسر تبالغ في الشك وتفرض الرقابة الصارمة على تحركات الفتاة. ومن الأسباب كذلك التفكك الأسري وعدم وجود مرجعية مهابة في المنزل، بل قد لا يوجد اسم للعائلة يُخشى من تلطيخه، والحالة المالية للأسرة.
وفي هذا المقال أريد أن أتقدم إلى الأمام قليلا وأقدم عددا من المقترحات لعلها تسعفنا في التغلب على هذه الظاهرة وبقاء بناتنا آمنات يعشن في رغد، وحب، ووئام بين أهليهن وذويهن. لنترك آراء أهل التربية، وعلم النفس، وعلم الاجتماع قليلا ليس زهدا فيما يقولون فلديهم الكثير مما يستحق الذكر والتفكير ولكن هناك ما هو أهم وهو العودة إلى سلوكيات المصطفى - صلى الله عليه وسلم - لنرى كيف كان يتعامل مع بناته. تبين من سيرة المصطفى - عليه أفضل الصلاة والسلام - أنه كان يتعامل مع بناته برفق منذ ولادتهن حتى يوارين في الثرى. فقد كان يُسَّر ويفرح لمولد إحداهن. فقد سُرَّ واستبشر لمولد فاطمة - رضي الله عنها - وتوسم فيها البركة واليمن وسماها فاطمة ولقَّبها بالزهراء.
ومن قمة تعامله ولطفه أنه كان يفضي أحيانا لبناته بسره فيخصهن دون غيرهن - حتى لو كن زوجاته - ببعض أسراره. فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: أقبلت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشي - النبي صلى الله عليه وسلم -، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - "مرحبا بابنتي" ثم أجلسها عن يمينه، أو عن شماله، ثم أسر إليها حديثا فبكت، فقلت لها: لم تبكين؟ ثم أسر إليها حديثا فضحكت، فقلت: ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن، فسألتها عما قال: فقالت: ما كنت لأفشي سر - رسول الله صلى الله عليه وسلم- حتى قبض النبي - صلى الله عليه وسلم -. رواه البخاري ومسلم.
وقد كان يعتز ويفتخر ببناته، فقد ضرب صلى الله عليه وسلم المثال أمام الجميع بابنته فاطمة. ومن ذلك قوله عندما سرقت المخزومية وشُفِّع فيها من قبل أحد الصحابة فغضب - صلى الله عليه وسلم - لذلك وصعد المنبر وقال "وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها" فوضح أنه لن يتراجع في حد من حدود الله حتى لو كان المعني بذلك حبة القلب وقرة العين "فاطمة" فذكر اسمها أمام الناس محبة فيها وفخرا بها. وعندما أراد الخروج لبدر كانت رقية - رضي الله عنها - مريضة فأمر النبي زوجها -عثمان بن عفان- أن يبقى في المدينة ليمرضها وضرب له بسهمه في مغانم بدر. وعندما توفيت أم كلثوم في السنة التاسعة من الهجرة بكى - صلى الله عليه وسلم - على قبرها، وقد شاهد الصحابة النبي وهو جالس على قبرها وعيناه تدمعان وقال لعثمان بعد دفنها لو كان عندنا ثالثة لزوجناكها. هذا هو تعامل المصطفى - عليه أفضل الصلاة والسلام - مع البنات، لذا فالمقترح الأول لرد الثقة والتعامل مع الفتيات وعدم إرغامهن على الهروب من الحضن الآمن هو العودة إلى هذا الموروث والى مشكاة النبوة لنعرف أين نحن من كل هذا؟ أما الاقتراح الثاني فيتمثل في البعد عن نظرة الشك والتشكيك وعدم المبالغة في الرقابة، ولا يعني ذلك الإهمال بل الرقابة الوقائية التي تبين للفتاة أنها في محل العناية والذود وليس رقابة شك وتصيد أخطاء. ومن ذلك كف تسلط الأولاد الذكور على الإناث، ولا أدري لماذا يطلق الأب أو الأم العنان للابن (الذكر) بأن يقيد حركة البنات ويتدخل في حياتهن بسبب ودون سبب. الفتاة لها خصوصيتها في حياتها ولا يحق لأحد أن يقوم بتفتيش أدواتها حتى الأب والأم. يجب أن نبني الثقة بشيء من العقل في المنزل بتوقع الحسن من الفتاة ومن الفتى أيضا، وما احترام الخصوصية إلا جانب مهم من ترسيخ وبناء الثقة.
كما ينبغي تعهدهن بالحديث على انفراد من وقت لآخر. فالحديث المنفرد مع الفتاة قد يفتح قلبها في الشكوى مما يعكر حالها، ويشوه صفو نفسها، وبريق وجهها، ولنحافظ على أسرارها إن هي أبدتها لنا، فلو هُتك ستر أو كُشف سر فلن تثق بأحد من أفراد أسرتها، وستكتم معاناتها بين ضلوعها وقد تسر به إلى عدو يتربص بها أو ذئب يترقب عثرتها.
كما ينبغي للأب والأم إجراء الفحص الطبي بين فترة وأخرى على الفتاة عضويا ونفسيا فهناك بعض الأمراض العضوية التي انتشرت في السنوات الأخيرة بين الفتيات صغار السن والتي لم تكن في أسلافهن مثل السكر، وتضخم الغدة الدرقية، ونقص فايتامين "د" وكل هذه تؤدى إلى الأمراض النفسية أو قد يكون سببها الأمراض النفسية. إن تفشي مثل هذه الأمراض قد يكون سببا في انطواء الفتاة أو تفكيرها في الهروب أو الانتحار.
وأخيرا يجب أن نعلم أن نجاح الفتاة في الحياة يتمثل في نجاحها في الزواج والذرية. هذا هو المعيار الحقيقي لنجاح الأسرة في تربية الفتيات بالذات وليست الشهادة ولا الوظيفة وإن كانت هاتان الأخيرتان بالطبع مهمتين أيضا. فالتعليم للمرأة مهم للغاية، ولكن الأهم منه الوعي، والأهم من كل ذلك وظيفتها كزوجة وكأم وبهذا فهي تعد داخل الأسرة لهذه الوظيفة الطبيعية التي خلقها الله لها. لذا يجب عدم إعاقة الفتاة في هذا الجانب لأي سبب كان، بل السعي ومنذ فترة مبكرة في اختيار الزوج الكفء. ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل يجب تتبع مسيرتها من بُعد بعد زواجها ليس بهدف التجسس أو التدخل في حياتها بل للتأكد والاطمئنان على نجاح زواجها.