فقد الأنظمة وضعف الرقابة وراء انتشار الفساد واختلال التنمية

فقد الأنظمة وضعف الرقابة وراء انتشار الفساد واختلال التنمية

عرف البنك الدولي الفساد بأنه (إساءة استعمال الوظيفة العامة لكسب خاص)، وأن العمل إذا بني على شكل مؤسسي تحكمه أنظمة وقوانين وضوابط إدارية ويخضع للرقابة والمساءلة كل مسؤول فيه سيقل الفساد إن لم يتلاش، ومجتمعنا كان خاليا إلا فيما ندر من أنواع الفساد التي نراها اليوم عندما اختلط بثقافات وشعوب تختلف عنا في اللغة والدين والعادات، فكان من المفترض إعادة صياغة القوانين اللازمة لقيام إدارات تحت الرقابة الدائمة التي تجعل من المعايير الإنتاجية السبب الحقيقي لبقاء الموظف في منصبه، والاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومحاربة الفساد هي تلمس ولي الأمر لحاجة الوطن لمثل هذه التنظيمات التي ترفع الأداء وتقلل السلبية وتجفف منابع الفساد وتحسن إدارة وعمل المنشآت في القطاعين العام والخاص وتحارب الفساد أيا كان مصدره، ومن أجل ذلك جمعت "الاقتصادية" نخبة من الأكادميين والاختصاصيين لوضع الحلول لمشكلة الفساد والحد منه وتوضيح منابعه.. وإلى الندوة.

ما تعريف الفساد وأسباب نشوئه في المجتمعات؟
الجوير: الفساد كلمة عامة تطلق على كثير من الأمور التي ضد الصلاح, وكما تعرفون في مفهوم السياسة الاقتصادية العالمية هناك بحث دائم عن المصلحة ولكن في المفهوم الإسلامي بحث دائم عن الصلاح, ولا بد أن تخضع السياسة الاقتصادية والمصلحة للصلاح والبحث عن العمل الصالح وليس عن المصالح ولهذا عندما يأتي الفساد فهو ضد الصلاح, وليس بالضرورة ضد المصلحة لأن المصلحة قد تتحقق بالفساد، وكان الحديث قبل بداية الندوة هل الفساد هو الأصل في المجتمع أو أن الصلاح والأمانة والاستقامة هي الأصل في المجتمع وهنا استحضر بيت المتنبي:
الظلم من شيم النفوس
فإن تجد ذا عفة فلعله لا يظلم
الإنسان طماع بطبعه وهو يميل إلى تحقيق المصلحة الخاصة له وقد تدفعه شهواته ورغباته ويصاب بحالات من الإحباط والكد والضنا وقد يجد من الأمثلة التي أمامه من النماذج التي يراها ما يدفعه إلى الفساد، لكن الأصل الحقيقي في الإنسان هو الصلاح والأمانة والاستقامة لكن هناك مجموعة عوامل تؤثر في هذا الأمر, وإذا تأملنا التاريخ بأحداثه وتغيراته نعرف أن من العوامل الرئيسة في سقوط الدول وانهيار المجتمعات انتشار الفساد "وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا" وأيضا قال الله سبحانه وتعالى "وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون".
ولا بد أن يؤخذ من التاريخ الصبر كما يقول العلامة ابن خلدون إذا كان التاريخ ديوانا لا تحتل فيه العبرة حصتها الوضاءة ولا مهمتها .. المفيد فأي معنى يكون للمتغيرات أو التقلب بين الأطوار والفترات. أيضا من العوامل التي نجدها هي المحسوبية يقول العلامة ابن خلدون إن رأس الداء يكون في العصبية طبيعية أم مصطنعة من يصل إلى المسؤولية كيف يصل إليها إذا كان وصول هذا الشخص عبر طرق هي ليست بالكفاءة والمقدرة والإمكانات بطرق نظامية أو محسوبية أو أن طرق الوصول كانت عبر وسائل فساد فنحن لا نتوقع من هذا الشخص محاربة للفساد، ومن ضمن عوامل نشوء الفساد السلوك التفاخري الاستهلاكي الذي يضغط على الناس, هناك في المجتمع ثقافتان الأولى ملتزمة فيها مبادئ وقيم واعتبارات، وثقافة السلوك الاستهلاكي تضغط على هذا الشخص اجتماعيا فيكون نتيجة لهذا الضغط الاجتماعي صراع بين القيم الثقافية وبين الضغط الاجتماعي فيذهب لمسايرة الواقع الاجتماعي سواء عبر الرشوة أو ما يشابهها. نقطة تتعلق أيضا بهذا الموضوع, وهي أن المسألة في قضية الفساد ليست أن هذا الموظف الصغير يأخذ رشوة بسيطة بل هذه معضلة ومشكلة ويجب ألا تكون، لكن المشكلة أن هناك مشروعات واستثمارات وهمية والمشروعات التي تنفذ بطريقة في منتهى الرداءة فيتأثر التعليم والأمن والصحة وتتأثر الطرق والمواصفات كلها نتيجة لذلك ويختل مبدأ العدل والتنمية والمستقبل وكل شيء, وهناك قضية مهمة, حيث إذا أردنا أن نرجع إلى ما ذكره ابن خلدون في عبارة عجيبة حيث يقول "هل الأصل في المجتمع الفساد والظلم" في زمنه حيث يقول استخبر عما حولي وأرى الشواهد والقرائن فلا أستنتج إلا ازدياد النخر في جذور الأخلاق والآداب وأسلوب الحياة في المدن التي يكثر فيها الفسق والشر والتحليل في تحصيل المعاش من وجه ومن غير وجه فتنصرف النفس إلى التفكير في ذلك والغوص فيه واستجماع الحيلة له لكن هل يلام من هده الكد والتعب وبلغ منه اليأس وفساد الآمال كل مبلغ, فدبر حاله متلونا بألوان الشر مدفوعا كالدابة بغريزة البقاء والعيش. إني أستنتج ما هو .. من هذا الأمر لأنه مجمع العلل وأستنتج أن النكوص والوهن متفشيين في قوام الدول الحالية التي صارت لا باع لها إلا في تسخير الناس بغير حق وتصريف الآدميين طوعا للرغبات والشهوات وغير ذلك من آيات الظلم الذاهب بأسباب الرجاء والانفراج المؤذن بخراب العمران العائد بالوبال على دوائر السلطة.
كيف يمكن تحقيق المصلحة بالفساد وذكرتم ذلك أثناء حديثكم؟
الجوير: نعم, ذكرت أن المصلحة الشخصية لا تتحقق إلا عن طريق الفساد سواء شخصية أو أسرية أو مجموعة كدولة معينة لكنها مصلحة لا تنتهي بالصالح وإنما تنتهي بالمصلحة.
الهيجان: طبعا اليوم ربما يحتل الفساد أهم القصص في وسائل الإعلام العالمية والمحلية لا تكاد تقرأ جريدة أو مجلة أو تشاهد قنوات تلفزيونية جادة إلا وموضوع الفساد يكاد يكون من الموضوعات الرئيسة التي يتم الحديث فيها عن الفساد الإداري بل إن قصص الفساد الإداري صارت دخلا آخر للفاسدين حتى إنهم إذا خرجوا من السجون استطاعوا أن يكتبوا قصصهم وسيرهم الذاتية وتباع وتعود عليهم بالمال ولم ينته الأمر عند ارتكابهم المخالفة بل استثمار الفساد عندما يأتي التعريف للفساد ليس لدينا تعريفا موحدا لا من حيث التعريف القانوني أو الاجتماعي أو السياسي أو الديني, أين كانت المداخل للتعريف لأن كل يعرفه بطريقة لكن هناك اتفاق على أنه سلوك غير مقبول حتى الذي يمارس الفساد الإداري أثناء عمله يعرف أن هذا السلوك غير مقبول منه، بغض النظر عن أي تعريف من التعريفات الموجودة فيه وإن اختلفت درجة القبول, نحن نتكلم عن الفساد إما أن يكون خروجا عن قواعد ونمط وسلوكيات مجتمع ما بغرض النقص لجلب مصلحة ذاتية, أو بغرض أن تدفع مصلحة للمجتمع في كل الأحوال نتحدث عن الفساد من هذه الزاوية, وأثناء حديثنا عن الفساد ينصرف انتباهنا دائما إلى الحكومات والفساد الحكومي متناسين تماما أن القطاع الخاص ولي من أولياء الفساد إذا لم يكن المحرك الأساسي في كثير من الأحيان للفساد في الحكومات, ولذلك على مستوى العالم الآن هناك منظمات الشفافية العالمية تتحدث عن أنه يجب أن ننسى فقط فساد الحكومات وهناك فساد في القطاع الخاص, وكما تعلمون لدينا شركات كبرى في العالم تفوق إمكاناتها وميزانياتها كثير من دول العالم الثالث وينشأ الفساد في المجتمعات لعدة أسباب منها على سبيل المثال عدم وجود المصداقية في سلوك الناس الذين ينظرون إلى الأخلاق ويدعون إليها يلبسون عشر طاقيات وليست واحدة, يدعو إلى الصلاح هنا ويمارس سلوكيات أخرى هناك, سلوكه في بيته غيره في أعماله وفي الشارع والناس ترى تناقضا بين تلك السلوكيات.
وعدم العدالة الاقتصادية والاجتماعية وعدم العدالة في فرص التوظيف والتعليم.
من أين أتى الشعور والإحساس بعدم العدالة؟
الهيجان: لدى الناس حقائق وهم الذين يقررون وهناك نقطة خطيرة للدراسة، الفساد الشخصي ليس محتاجا إلى أحد يفسر له هذا فساد وغيره لا طالما أدركها بطريقة فمن هنا ينشأ تعامله معه. هو لا يحتاج أن يقرر له شخص معين أن هذا فساد أو غير فساد قوانينه ومصدره ومرجعيته هو ذاته في سلوكه. والشخص المتضرر هو أكثر من ينادي بأن هناك فساد حتى لو مارسه هذا لا يمنع، لكن إن مورس عليه فهو أكثر الناس صراخا في هذا. ومن أسباب الفساد ضعف أجهزة الرقابة والقضاء والعدل، بالتالي من الممكن أن يرتكب الخطأ تلو الآخر دون رادع، وسبب آخر هو استمراء حديث الفساد عند تكراره في وسائل الإعلام والمدارس وأن هذا الشخص عمل ذلك الخطأ واستفاد منه. بعد هذا يبدأ المجتمع بعد فترة يتقبل كثيرا من السلوكيات غير الجيدة، بل ويعدها نوع من البطولات، بدل إن تعد من العيب وهذا حقق ذلك لقدرة وطموحه وذكائه وليس تحايله، كما يقول ابن خلدون.
الكثيري: البنك الدولي يعرف الفساد على أنه إساءة استعمال الوظيفة العامة للكسب الخاص، الفساد يحدث عادة عندما يقوم موظف بعمل طلب أو ابتزاز أو رشوة لتسهيل عقد أو إجراء أو طرح لمناقصة عامة، كما يتم الفساد عندما يعرض وكلاء أو وسطاء لشركات أو أعمال خاصة تقديم رشوات للاستفادة من سياسات أو إجراءات عامة للتغلب على منافسيه وتحقيق أرباح خارج إطار القوانين الفرعية، كما يمكن للفساد أن يحصل عن طريق استغلال الوظيفة العامة دون اللجوء إلى الرشوة وذلك بتعيين الأقارب أو سرقة أموال الدولة مباشرة. أنا أعتقد أن الفساد هو استغلال الوظيفة العامة لكسب خاص من خلال اللجوء إلى أساليب غير مقبولة وأسباب الفساد أستطيع أن أصنفها في أربعة عناصر، أعتقد أن هناك أسباب اجتماعية، والمقصود بالأسباب الاجتماعية أن الفساد ينشأ في المجتمعات التي يكون ولاء لأمور لا يكون فيها الولاء للوظيفة، ولا للمؤسسة التي يعمل فيها الشخص، حينما يكون الولاء للقبيلة وللمنطقة و"للشلة" هنا ينشأ الفساد، وأعتقد أن هذا النوع من الفساد موجود عندنا في المملكة.
إذا طبق هذا النهج ستكون الأعلى فسادا في العالم، لأن مجتمعنا ينتمي للمنطقة أو القبيلة؟
الكثيري: إذا هذه الإشكالية حينما يكون الولاء داخل الجهاز وحينما يكون من يعمل داخل الجهاز مدفوعا اجتماعيا بتعزيز هذه الولاءات وتعزيز ما أسميه أنا ثقافة الذئب، حيث المثل الشعبي دائما يقول لك "فلان ذيب" إذا توظف رجل معين في مكان معين ولا يستطيع أن ينفع من خلال من يرتبط به إقليميا أو قبليا أو حتى عائليا معنى هذا لديهم أن الرجل ليس فيه خير بالنسبة لهم، والمجتمعات التي تنشأ فيها القبيلة ودفع الانتماء لمعايير ليست من معايير الأداء والإنتاجية، إنما فلان ما هو موقعه في انتماءاته خارج الوظيفة، حيث يكتسب قيمة ورفعة حينما يحقق من خلال هذه الوظيفة مكاسب فردية واجتماعية وإن كانت هذه الأمور مخالفة لما هو صحيح.
هل هذا المديح مأخوذ من طباع الذئب المعروفة؟
الكثيري: بغض النظر هذه الثقافة السائدة لدينا إنه فلان يُمدح إذا نفع غيره، بينما الرجل الذي يعمل في القطاع الخاص والعام حينما يكون منضبطاً ومؤدياً عمله بالطريقة الصحيحة هنا ينظر له على أنه رجل غير جيد، هذه الأسباب الاجتماعية. وهناك أسباب ترتبط بالجهاز الحكومي نفسه، حينما يوجد مؤسسات حكومية لا يتوافر فيها النظام المؤسساتي والمنضبط والنظام القائم والبعيد عن الشخصية للأسف إن أجهزتنا الحكومية ما زال العمل فيها قائماً على الشخصنة بدءا من وجود الوزير وانتهاء بأصغر موظف في الجهاز الحكومي، حينما يتغير الوزير يتغير كل العمل داخل الجهاز. العمل المؤسسي داخل أجهزتنا لم يرتق بعد لأن يكون منضبطا وتنطبق عليه المواصفات والمعايير الإدارية بحيث تكون رادعة للفساد، حيث يقوم على اجتهاد فردي وشخصي، وبالتالي يخلق بيئة مناسبة للفساد حينما يرتقي العمل داخل هذه الأجهزة وتكون عملاً مؤسسياً مبنياً على أنظمة إدارية وقوانين وضوابط ومعايير إدارية يخضع فيها إلى اللرقابة والمساءلة، أضف إلى ذلك أيضا ليس هناك مؤسسات مجتمع مدني لديها سلطة قوية تستطيع أن تراقب هذا الأداء، وهناك معايير اقتصادية حين انتشار البطالة ويقل مستوى الدخل ولا تتوافر العدالة فهذه ستكون بواعث لنشوء الفساد. السبب الآخر طول الإجراءات القيود طول فترة بقاء المسؤول في الجهاز الحكومي، حيث يمكث كثيرا في هذا الجهاز وتتركز لديه الصلاحيات فيصبح الآمر الناهي في هذا الجهاز، وبالتالي تخلق بيئة للفساد.
والفساد الإداري هو الركيزة الأساسية لوجود الفساد المالي لو لم يكن هناك فساد إداري لم يكن هناك فساد مالي، ووجود الأشخاص غير المؤهلين وغير الأكفاء، وغياب المعايير الإدارية وهذه الأمور تخلق البيئة الإدارية الضعيفة التي تساعد على الفساد المالي.
حسب تعبيركم ما الرابط بين نظام الشخصنة ومؤسسة والقبيلة؟
الكثيري: دعنا نتحدث بشكل صريح، لدينا المسؤول الحكومي عندما يتعين أول مرة يغير الطاقم الذي يحيط به ويأتي بأبناء قبيلته أو منطقته.
هل هذا في مجتمعنا أو في غيره؟
الكثيري: لست معنيا بالغير، بل هذا في مجتمعنا وحتى في القطاع الخاص، حين يعين الشخص وحتى الشركات المساهمة تجد أن من يدير هذه الشركات تجد الذين حوله أغلبهم يرتبطون بالشخص بمعرفة شخصية أو قرابة أو مناطقية ولن تجد شخصا يقول هذا المسؤول أنت أخطأت، حيث أتى بهم هذا المسؤول، إذن بقاؤهم برضا هذا الشخص في ظل غياب النظام الإداري الرادع، والدول الغربية هناك نظام تعيين مفتوح خاضع للمهارات والقدرات، وجود هذه الروابط التي لا تقوم على كفاءة الأداء سواء في الجهاز العام أو الخاص هو الأساس والركيزة التي ينشأ من خلالها الفساد.
ونحن مجتمع عاطفي ومجامل عندما تعين وأنت قريب لي أو صديق لن نعارضك أو أخالفك وكل شيء ممتاز وهذا ما أقوله لك وتستطيع من خلالي تمرير ما تشاء تمريره، لكن إذا عرفت أن العلاقة التي بيننا هي معيار كفاءة وإنتاجية وبقائي في هذا المنصب ليس مرتبطا برضاك أنت كشخص وإنما بأدائي آخر العام، حينها لن أهتم بك.
العتيبي: ندوة محاربة الفساد هذه تأتي انسجاما مع أهداف ومبادئ الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومحاربة الفساد، التي من ضمن فقراتها أن يلعب الإعلام دورا بارزا في نقاش هذه القضية والمساهمة في مكافحتها. الإخوة الأفاضل تحدثوا عن مفهوم الفساد وكما أشاروا لا يوجد تعريف مانع جامع للفساد لكن بالإمكان باختصار أن نقول الفساد كل تصرف عن قصد يقوم به الموظف وهو مخالف للأنظمة والقواعد والتعليمات بهدف الكسب لشخص أو لمجموعة وبالتالي إعطاء شخص شيئاً لا يستحقه أو منع صاحب حق من الحصول عليه أو ابتزازه، أما فيما يتعلق بأسباب نشوء الفساد فهي كثيرة وأبدأ بسوء التربية والتنشئة للشخص، فالذي يتربى على قيم النزاهة والعدالة واحترام النظام مؤكد أنه عندما يكون مسؤولا سيهتم بالمسؤولية ويحترم الأنظمة ويحترم حقوق الآخرين ويحرص عليها ويحرص على المساواة والعدالة وسيكون لديه شعور بالمسؤولية، العامل الآخر أيضا هو ضعف الوازع الديني وكلنا نعرف أن ديننا إذا تمعنت آيات القرآن الكريم وأحادث الرسول صلى الله عليه وسلم كلها تدعو إلى مكارم الأخلاق والنزاهة وكلها تدعو إلى المسؤولية والمجال لا يتسع إلى ذكرها حقيقة وضعف الوازع الديني لدى عناصر الفساد سواء كانوا مفوضين حكوميين أو أشخاصا من القطاع الأهلي هذه من مسببات انتشار الفساد وضعف إجراءات الرقابة وتركيزها على الجوانب الإجرائية بل لا بد من تركيزها على الجوانب الموضوعية: هذا أيضا من أسباب انتشار الفساد، عدم الجدية في تطبيق الأنظمة على المخالفين، عندما يكتشف الناس أن أشخاصا معينين يرتكبون أخطاء ويخالفون ويعملون سلوكيات تعتبر في نطاق الفساد الإداري والمالي ثم لا يعاقبون عليها فهذا من دواعي أن الآخرين لا يرتدعون، الطبيعة السرية للكثير من مظاهر الفساد مما يجعل من الصعوبة كشفها، والفساد بطبيعته هو ينشأ في ظروف وتعاملات سرية وبالتالي ليس من السهولة أحيانا اكتشاف بعض جوانب الفساد. الموظف الحكومي أيضا يمتلك معلومات وخبرة ليست ببسيطة وهذه الخبرة التي يمتلكها تمكنه من معرفة الثغرات في الأنظمة والإجراءات وكيف يتحايل عليها ويستطيع أن يعمل أعمالا فاسدة ويرتكب فسادا إداريا ماليا وتكون كما يقال أيديه نظيفة لماذا؟ لأنه عالم بخفايا الأنظمة والإجراءات وما الثغرات التي يمكن أن يخرج منها أو كما يقال يجعل لها مخرجاً نظامياً، والسبب الآخر انفتاح المملكة على ثقافات كثيرة كما تعلمون في العقود الثلاثة الماضية أو أكثر أصبحت محطا لمئات الجنسيات أو عشرات منها المتعلم والمهني والعامل والبسيط.
هذه الثقافات وهذه العمالة التي أتت من ثقافات مختلفة أصلا جاءت بهدف الكسب المادي وأتت من قناعات وثقافات مختلفة وربما من ثقافات متفش فيها الفساد فانتقلت هذه الثقافة إلى أجهزتنا الحكومية والخاصة. وملاحظتي الشخصية هناك بعض السلبيات لم تكن موجودة عندما كان مجتمعنا بسيطاً وأغلب العاملين سعوديون لم تكن الرشوة والاختلاس لم يكن متفشيا بشكل كبير. وهذا لا يعني أن المملكة ومواطنيها ملائكة لكن عندما جاءت عمالة وافدة وشركات أجنبية انتشر لدينا الفساد والشركات المتعددة الجنسيات كثير منها له باع طويل ليس فقط في الفساد بل في الإفساد ويعرفون كيف يفسدون في قمة الهرم في المسؤولين، مسؤولون كثيرون في دول معينة استطاعت هذه الشركات المتعددة الجنسيات أن تحصل على تنازلات معينة ومشاريع، وأيضا من الأسباب غلبة القيم المادية.
ذكرتم أن مناطق الأخلاط هي الأكثر فسادا والمنطقة الغربية هل تكون الأكثر فسادا لكثرة الحجاج والزوار؟
العتيبي: أنا لا أستطيع أن أصل إلى هذا الاستنتاج لأنه بودي عند حديثي آتي بأرقام وليس أمامي الآن أي أرقام وحقائق معينة تقول إن منطقة معينة الفساد فيها أكثر أيضا من المنطقة الشرقية فهي شركات النفط و"سابك" وفيها عمالة متعددة ومتنوعة والمملكة كل مناطقها فيها عمالة حتى في أصغر المراكز والمحافظات تجد فيها خليطا من جنسيات عديدة، وغلبة القيم المادية في المجتمعات المعاصرة على القيم المعنوية إذا غلبت على الناس القيم المادية وعملية الحصول على المال والحصول على مظاهر الحياة المرهفة السيارات والمباني والقصور والمزارع وما إلى ذلك عندما تتفشى القيم المادية على القيم المعنوية النزاهة والتصرفات الأخلاقية تضعف النفس البشرية وتصبح إن كان موظفا حكوميا من السهل إغراؤه بالمادة وبالتالي يتنازل ويخون أمانته ومسؤوليته وإن كان أيضا موظفا آخر، رجل أعمال أو صاحب عمل حر أيضا تحت إغراءات المادة يبدأ في إفساد الآخرين أو يفسد الموظف الحكومي حتى وإن كان هذا الموظف غير فاسد ويبدأ هو في إفساده من خلال رشوته. النقطة الأخرى التي هي ضعف القيادات الإدارية في الأجهزة الحكومية، ومعروف في أدبيات الإدارة التنظيم أنه القائد الإداري، كما يقال روحه تسري في الجهاز فإذا هذا القائد الإداري شخص نزيه أصبح قدوة لكل العاملين في الجهاز وأصبح هو مؤثرا في زرع الثقافة النزيهة، ثقافة العدالة والنزاهة والمساواة ويستطيع أن يلعب دوره أولا كقدوة وثانيا كمشرف ومراقب ومتابع أما إذا كان ضعيفا أو غير نزيه فكل المحاولات للقضاء على مظاهر الفساد لن تنجح. قائد الجهاز هو في واقع الأمر مفتاح النجاح وهو القدوة للعاملين معه، تبقى بعض الأسباب مثل بطء وتعقيد الإجراءات الإدارية هذه ممكن أن تقود إلى الفساد، إذا كان الجهاز مترهلا وبيروقراطيا ومعقدا، والناس سواء مواطن أو رجل أعمال يريد أن ينجز عمله بشكل سريع إذا وجد أن هذا الجهاز فيه العمل الذي يحتاج إلى ساعتين لا يتم إنجازه عشرة أيام، أحيانا يضطر إلى أن يرشي سواء بمال أو بجاه أو بأي نوع من أنواع الرشوة، إضفاء طابع السرية والمبالغ فيها في الأعمال الحكومية حيث إذا كان كل شيء فيه سريا معنى هذا لم تفتح النور والنوافذ والأبواب على الجهاز بحيث ترى كل الإجراءات تحت الضوء وتعرف فلانا كيف معاملته سارت وفلانا لماذا معاملته جلست خمسة أيام بينما شخص آخر أنجزت معاملته في نصف ساعة، وضعف رواتب الموظفين الحكوميين مما يدفع بضعاف النفوس منهم في الممارسات الفاسدة وهذه أبرز أسباب الفساد في نظري.
بن سهو: إثارة مثل هذا الموضوع لا شك أنها ستثير ردود أفعال متباينة مما لا يعجبه مثل هذا الموضوع أو إثارته ولكن الحق أحق أن يتبع وبداية تعريف الفساد وكل شيء له تعريف في اللغة وله تعريف في الاصطلاح، الإدارة اصطلاح الإداريين والفقه، اصطلاح الفقهاء وغيرها من أصحاب التخصص، الفساد في اللغة ضد الصلاح والإفساد عكس الإصلاح وبالتالي إذا قلنا هذا فاسد يقابله مباشرة صالح وإذا قلنا إفساد يقابله إصلاح ومن حيث الاصطلاح الإداري يمكن أن أقول إن الفساد هو الخروج عن السلوك الصحيح ولك أن تختار ذلك الخروج سواء كان قليلا أو كثيرا أو بعيدا، صغيرا أو كبيرا يدخل في الصغائر أو يدخل في أكبر منها، وبالتالي الفساد الإداري والخروج عن السلوك الإداري الصحيح أنا لدي سلوك إداري صحيح مفترض أن تسير فيه كل الأمور في مسار صحيح فمتى ما خرجت يعد ذلك الخروج فسادا ولك أن تختار في ذلك الفساد والأسباب للفساد ممكن أن تنشأ إلى قاعدة عامة وهو تخلف أو الخروج عن الصفات الحميدة فالخروج عنها يقود إلى الفساد لأن هناك ثلاث صفات أساسية عرجوا لكثير من أسباب الفساد لكن يمكن أن أرجعها إلى ثلاث قضايا وهي قضية الصدق والإخلاص والعدل والصدق يعاكسها الكذب وما الحكم الذي يقود إلى هذا والإخلاص يترتب عليه إخلاص للمؤسسة والإخلاص للإدارة والجهاز والإخلاص لله ويقودك الإخلاص أن تكون محقا في التعامل مع الآخرين فإذا قل الإخلاص وبقدر النقص في الإخلاص ما ينقص ذلك الإخلاص ينشأ من ذلك الفساد. والعدل أن تنصف الناس من نفسك وبالعدل تقوم السموات والأرض ولذلك كان الفساد مثل المجتمعات ووجدت البيئات ولكن الأصل في الأشياء هو الصلاح والفساد خروج عنها، ولذلك لما كان الفساد أمرا طارئا كان يحتاج إلى علاج، الفساد كثر إذا فقدت القيم مثل الصدق والعدل ويرجع أحيانا إلى أمور اجتماعية وثقافية وتعود إلى الشخص ذاته بتكوينه الاجتماعي فحين إذن تترتب عليها نسب معينة من الصلاح والفساد، والضغوط الاجتماعية سواء كانت قبلية أو أسرية أو شللية هي ضغوط اجتماعية والإنسان بقدر ما تتخلف عنده الصفات الثلاث. الإنسان ابتداء في مراحله التعليمية يتربى الإنسان عليها، مثل الصدق والأخلاق وتحريم الغش والكذب والرشوة إذا زرعت هذه القيم الصحيحة فأنت حين إذن تنشئ رجلا صالحا لكن إذا تخلفت في زرع هذه القيم في مراحل التكوين الفكري للإنسان تعمل له حصانة ضد الفساد وإذا لم يحدث تعليم القيم في مراحل التكوين سيقع الفساد سواء وقوع عفويا أو بقصد كله نوع من الفساد وسبب الفساد الرئيس عندنا في مجتمعاتنا هو قضية الإدارة الفردية وغياب الإدارة الجماعية وهذه أزمة يجب أن نقمعها، المسؤول إذا جاء في مؤسسته سواء كانت المؤسسة حكومية أو خاصة يظن أنه الآمر الناهي، وبالتالي يأمن الرقيب والمتابعة فيدير المؤسسة إدارة فردية وتغيب الإدارة الجماعية التي تقوم على مجالس وعلى دراسات وأبحاث تترتب عليه أمور كثيرة جدا في اتخاذ القرار الذي يتضرر منه، يتضرر سواء الفرد أو المجتمع، وبالتالي وجود الإدارة الفردية، الآن قادت لكثير من أسباب الفساد، لأن الإداري مهما كان إداريا محنكا وهو يدير المؤسسة بعقلية فردية لن يكون شمسا مشرقة على كل الجوانب،ولن يدرك كل الجوانب التي من الممكن أن يتسرب من خلالها الفساد، لكن إذا كانت المنشأة تقاد بإدارة جماعية عن طريق المجالس، لا شك أن الآراء تتعدد وإذا تعددت تقود إلى أن يكون القرار أكثر صوابا وجدية للوصول إلى الحق والمصلحة العامة.
ما أسباب الجنوح إلى الإدارة الفردية في الكثير من مؤسساتنا؟
بن سهو: بسبب عدم توظيف الكفاءات الحقيقية، لأنه إذا كان الإداري على مستوى من الكفاءة ستكون عنده ثقة بالنفس ويتعامل مع الآخرين بإدارة جماعية، فإذا ضعفت الكفاءة عنده بدأت الإدارة الفردية ويتصور أن الإداري الفردي الذي يمسك جميع الصلاحيات بيده ولا يعطي الآخرين أي صلاحيات ليعملوا من خلالها وأن يراقبوا هذه الصلاحيات ومتابعتها، وحين ضعف الكفاءة والقدرة ستدخل الواسطة في تعيين الأشخاص، تعريف الأشخاص من خلال دفتر الهاتف ولا يقوم على استقراء معرفة الأشخاص، وأيضا أنا لا أحمل الأشخاص في قضية غيابا لكفاءات، نحن لدينا كفاءات على مستوى عال جدا وننافس كثيرا من الدول بها، ولكن لا نملك القدرة في الوصول إلى الكفاءات، لغياب قواعد المعلومات، وغياب معرفة الأشخاص الذين هم على مستوى من القدر والعلمية والإدارية والكفاءات، بالتالي غياب هذه الأمور تعمل المعرفة الشخصية وما يترتب عليها من وجود من ليس كفؤا سواء مؤسسات خاصة أو عامة.
الصالح: البعض منا يأخذ من الدين ما يعجبه ويتماشى مع مصالحه ويترك ما لا يعجبه، مناهجنا الدراسية لن تجد فيها شيئاً ينهاك عن الفساد إلا بعبارات دينية محدودة لا تفي بالحاجة في النهي عن الفساد، وكيف يصل المنهج للطالب من خلال المعلم، ومشكلته هذا أن المعلم ليس قدوة، وإذا أصبح قدوة، والإشكالية لو أحضرت قائدا وفيه كل الصفات الجيدة وجدت أن خلفه صفا إداريا ينتظر منه أي خلل أو خطأ كي يحاسب ويمسك به، والعمالة الوافدة وتأثيرها المجتمع لدينا، العمالة سواء كانت نسائية أو عمالية أو خبرات، والثقافة الوافدة غيرت مفهوما كبيرا في قضية إدارية في المنشآت الحكومية وأثرت في الفكر سلبيا، والبعض من الناس الذين عايشوا هذا الأمر يقول لم أكن أعرف الفساد إلا عندما عمل معنا خريج كان مبتعثا للدراسة في أمريكا، ولم نكن نعرف التزوير والاختلاس والسرقة قبله، والصدق والمثالية مهمة، والتربية مهمة منذ البداية، حيث مثلا عند اتصال شخص يقول لك الابن إن أبي غير موجود وهو موجود، هذا درس في الكذب من خلاله يتعلم أول خيوط الفساد، وأول وسائل القضاء على الفساد أن يتربى الطفل على الصدق والوضوح والشفافية، القطاع الحكومي هو الأب الروحي للفساد، والقطاع الخاص مستحيل أن يتجرأ لا مقاول أو رجل أعمال أو الاستشاري أو الخبير مع موظف حكومي إلا أن يرى شيئا يدل على استعداده للفساد، والقطاع الخاص متدرب على الفرص من الجهاز الحكومي من خلال بعض الموظفين يدعوه فيأتي القطاع الخاص بالفساد ثم يأتي المسؤول الدفاع فيما بعد عن هذا الموظف الفاسد، وهذه وعند الفضيحة إذا حدثت وهي نادرة يحاسب القطاع الخاص ولا يحاسب الشخص في القطاع العام أو المسؤول فيه سؤال: هل حدث يوما أن سمعنا قطعت يد موظف حكومي؟ وهل الجميع منزهون؟ هذا مستحيل، دائما تقطع يد السارق الذي يسرق من محل أو بقالة أو من بنك. سؤالي: هل الموظف الحكومي تعدى مرحلة العدالة أو هو فوقها أو أنه فوق النظام أو أنهم يعتقدون أن الموظف سرق، لن تقطع يده، والذي أعرفه أن السارق الذي سرق من حرز عدة مرات تقطع يده.

الأكثر قراءة