غزو العراق .. والتبعات المستمرة
ظهر توني بلير أخيرا في برنامج تليفزيوني يقول: "أعتذر لحقيقة أن الاستخبارات التي وصلتنا حول وجود أسلحة دمار شامل في العراق كانت مغلوطة. وأعتذر أيضا عن بعض أخطاء التخطيط، وبالطبع أخطاؤنا في فهم ما سيحدث بعد إزالة النظام، لكن من الصعوبة أن أعتذر عن إزالة صدام حسين. وفكرة أن غزو العراق من أسباب ظهور «داعش» فيها من الصحة، ولا يمكن أن نقول إن من أزال صدام عام 2003 لا يتحمل مسؤولية الوضع في 2005".
كان كما يبدو أن اعتذار بلير جاء بسبب ضغط اللجنة التي يرأسها السير جون تشيلكوت منذ بداية التحقيق عام 2009. وهي اللجنة التي تعرضت لضغوط من أسر الجنود الذين قضوا في حرب العراق. وقد أثار التأجيل والتأخير المتكرر غضب البرلمان، كما أُسر الجنود الـ 179، خشية تبرئة المسؤولين وباعتبار ذلك "خيانة وإهانة للضحايا". إلا أن تأخير إعلان التقرير سيكون له تبعات أيضا وعواقب وخيمة، تقع على توني بلير. وتنشط الصحف البريطانية باستمرار متهمة رئيس اللجنة بالتغطية على الارتكابات السياسية التي اقترفها بلير، حيث أكدت وثائق رسمية اتفاق بلير وبوش على خوض الحرب قبل سنة من بدئها وقبل أي دلائل.
دفعت أمريكا وبريطانيا، والأهم العراق والمنطقة ثمنا باهظا بسبب هذه الحرب. كل جانب يرى ويقيم خسائره بشكل مختلف. ولا شك أن غزو العراق بعثر التركيبة العرقية والدينية والمذهبية المعقدة. وبعثرتها هي بمثابة تحريك عش دبابير ليس في العراق وحدها بل في المنطقة. كما أن ما حدث ويحدث في العراق ليس على المنطقة أقل مما يحدث في سورية. كلاهما رديف لما يحدث في الأخرى، حيث الصراعات والحرب. ويبدو أن العراق الآن بين مأزقين، أسير بين سيطرتين: بين سيطرة «داعش» وسيطرة إيران.
يرى بعض المحللين أن العراق دولة فاشلة أو قيد الفشل. صحيح أن الوضع مستقر نسبيا، كما ويختار العراقيون رئيس الوزراء وحكومته وفقا للدستور. لكن العراق يواجه أزمات سياسية وميليشيات سياسية أيضا متطرفة ترفض فكرة المصالحة الوطنية. والعراقيون يدركون أن إيران ترى في إمكانية فشل مواجهة «داعش» فرصة للسيطرة. وهذه السيطرة على العراق تعني غياب المصالحة الوطنية بطبيعة الحال. ذلك من شأنه لاحقا أن يدفع المنطقة لمزيد من التطرف والوحشية والحروب الطائفية المريرة. لابد من الحفاظ على عراق موحد قدر الإمكان، وعامل الوقت في المنطقة عامل مهم وحيوي وخطير.