رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


العولمة الاقتصادية.. «التنافسية» محورها

كلما تحدثت إلى مسؤول حكومي، أو مسؤول في مؤسسة تعليمية عامة أو عالية، أو إلى رجل أعمال، أو مواطن نخبوي، أصل إلى حقيقة محبطة وهي أننا ما زلنا لم نعِ مفهوم "العولمة الاقتصادية" وفكرة التنافسية والمؤسسات التي تقف وراءها وكيفية نفاذها لدول العالم كافة، وهذا ما يبرر استجابتنا الضعيفة جدا فلا أحد "من موقعه" يأخذ هذه القضايا على محمل الجد ليكون لدينا منظومة متكاملة متعاونة لتعزيز تنافسية بلادنا وقطاعاتها ومنشآتها الاقتصادية.
المنافسة الاقتصادية الدولية القادمة من خارج الحدود باتت حقيقة ولا بد من مواجهتها في إطار الاتفاقيات الدولية لاستثمار فرصها وتجنب أو الحد من تحدياتها، فالأسواق والحدود مفتوحة للسلع والخدمات والأموال والأفراد والمعلومات، وسياسات الدعم والحماية والتفضيل أصبحت مخالفات تستلزم المعاقبة، ولا شك أن الدولة أو القطاع أو المنشأة الأكثر قدرة على المنافسة ستنمو وتتفوق مقابل انحسار وضمور وربما خروج أيضا للأقل قدرة على المنافسة.
من الواضح أننا نعاني ضعفا فكريا في مجال التنافسية والعولمة الاقتصادية انعكس سلبا على مواقفنا وهياكلنا وبرامجنا التنفيذية وسياساتنا التي تعزز قدراتنا التنافسية في بعض الأجهزة الحكومية وفي القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني ما أدى إلى حالة عامة تتجلى في سيادة الفكر والسلوك الاستهلاكي على حساب الفكر والسلوك الإنتاجي الإبداعي.
الدول التي تستهدف النمو الاقتصادي المستدام والتفوق في معظم المجالات لمعيشة عالية ومستقرة لمواطنيها في رصد دائم لمؤشرات التنافسية وموقعها في مؤشرات المقارنة أو المؤشرات القياسية الرئيسة والفرعية، كما أن منشآتها الاقتصادية تتحرك ضمن مفهوم القدرة على المنافسة والنمو المستدام، ولذلك تجد أجهزة هذه الدول ومنشآتها الخاصة والمؤسسات التعليمية والبحثية ذات الصلة في نشاط مستمر للتعرف على عناصر المنافسة وتطوراتها وكيفية تعزيز قوتها وتنسيق جهودها لتكامل أمثل يصب في مصلحة الجميع، كما تجدها في سعي دؤوب للتعرف على مؤشرات المنافسة في الدول الأخرى ومنشآتها الاقتصادية وتجاربها ونماذجها الناجحة للاسترشاد بها والانطلاق من حيث انتهى الآخرون.
منظمة التجارة العالمية لتحرير التجارة تعمل على معالجة جميع عوائق التنافسية العادلة لتنطلق جميع الدول والقطاعات والمنشآت الاقتصادية في بيئة تنافسية لا تشوبها شوائب الدعم والحماية والتفضيل.
الدول التي تستجيب بسرعة ومرونة عالية لقواعد لعبة التنافسية ستنهض فكريا وستعيد هيكلة اقتصادها والمؤسسات ذات الصلة لتتمحور جميعا لتعزيز تنافسية الدولة وقطاعاتها ومنشآتها الاقتصادية، وستكون الدولة عبارة عن كتلة متجانسة من الخلايا الإبداعية الابتكارية المتطورة المتناسقة والمتكاملة القادرة على إنتاج سلع وخدمات منافسة دوليا بالتزامن مع تحقيق مستويات معيشة مطردة لمواطنيها في الأجل الطويل، كما توفر مستوى تشغيل عاليا لمواطنيها وتماسكا اجتماعيا أقوى.
أيضا ستكون قطاعاتها الاقتصادية قادرة على تحقيق نجاح مستمر في الأسواق الدولية، وكذلك ستكون منشآتها قادرة على تزويد المستهلك بمنتجات وخدمات بشكل أكثر كفاءة من المنافسين الآخرين في السوق الدولية في ظل غياب كامل للدعم والحماية والتفضيل.
القدرات التنافسية مؤشر للقوة الاقتصادية لأي بلد، والقوة الاقتصادية أساس لازم لكل قوة، ولذلك فالاهتمام بالتنافسية والفكر التنافسي والأنظمة الدولية التي تحث على التنافسية العادلة ونشرها والتوعية بها وتطوير الفكر والهياكل الاقتصادية بما يعزز من التنافسية أمر مهم وحيوي ويجب أن نضعه في أعلى سلم أولوياتنا.
لا شك أن العنصر البشري الوطني المنافس عنصر أساس في تنافسية الدولة والقطاعات والمنشآت الخاصة، وهذا العنصر منتج في مرحلة، ومنتج في مرحلة أخرى، وفي كلتا المرحلتين يتطلب بيئة حاضنة تجعله منتجا تعليميا وتربويا مميزا ومنتجا بشريا مميزا أيضا يحقق تنافسية المؤسسات والقطاعات والدولة.
وهذا يتطلب بيئة تعليمية وثقافية منتجة للكفاءات البشرية من الجنسين خصوصا في مرحلتي التعليم فوق المتوسط والعالي الذي يضخ الموارد البشرية لسوق العمل والإنتاج، كما يتطلب بيئة عمل متطورة تعتمد أسس وقواعد الجودة الشاملة التي تشمل البحوث والدراسات والتخطيط الاستراتيجي والتنظيم الفعال والتدريب والتعليم المستمر وأجواء وأنظمة عمل محفزة ومشجعة كما هو الحال في الدول المتقدمة الأكثر تنافسية.
أحد مفاهيم التنافسية يعتمد في إنتاجيته على القيمة المضافة العالية والمعدل الأعلى لهامش الربح. تطبيق هذا المفهوم يؤدي لزيادة تنافسية الدول وارتفاع دخل أفرادها وقدرتها على توفير متطلبات العيش الكريم. هذا المفهوم يتطلب درجة عالية من القدرة على الإبداع والمهارة في الابتكار التي أصبحت مؤشرا رئيسا لقوة الدولة الاقتصادية ومطلبا أساسا لخروجها من محدودية السوق المحلية إلى رحابة السوق العالمية لكون أساليب الإبداع والابتكار على اختلاف مواردها وتقنياتها هي القوة الحقيقية للمتنافسين بعد إلغاء الاعتماد على الدعم والحماية الحكومية.
ولذلك نجد الدول، إضافة لاهتمامها بمؤشر بيئة الأعمال على مستوى الاقتصاد الكلي ومؤشر المؤسسات العامة، تهتم بشكل كبير بمؤشر التكنولوجيا الذي يعكس مدى تطور التكنولوجيا للدولة والذي يقاس بمؤشر الابتكار الذي يقاس بمدى تعاون الشركات مع الجامعات في مجالات البحث والتطوير ومعدل براءات الاختراع المسجلة لكل مليون نسمة من السكان ومدى توافر العلماء والمهندسين ومعدل الالتحاق بالدراسات العليا ومدى قابلية الشركات لاستيعاب تكنولوجيا جديدة ونوعية مؤسسات البحث العلمي.
لدينا جامعات عريقة وناشئة ومعاهد تقنية ومهنية ومدينة للعلوم والتقنية منتشرة في جميع أنحاء البلاد، ولدينا قطاع خاص قوي في القطاعات الصناعية والخدمية والعقارية وغيرها، ولدينا القدرات المالية لاستقطاب وتوطين التكنولوجيا وتأهيل شبابنا محليا ودوليا، وقد حان الوقت لتتكامل الجهود من خلال استراتيجية لتعزيز تنافسية مواردنا البشرية ومؤسساتنا وقطاعاتنا الاقتصادية وبلادنا بالمحصلة.
ختاما، كلي ثقة بأننا قادرون على تجاوز حواجز التقنية لقدرات تنافسية أكبر بكوادر وطنية مؤهلة وماهرة، وأجهزة حكومية متعاونة مع قطاعات اقتصادية بمؤسسات تنطلق من المنافسة كأساس لفكرها وهيكلتها واستثماراتها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي