(من فقه القول)

(من فقه القول)

ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: (مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت). وعند قراءة هذه الوصية النبوية نرى فيها قصدا إلى دفع النفس في طريق الخير ابتداء، وتوجيها لها إلى أن الأصل الفاضل هو النطق بالخير، وإلا فمقام الإمساك خير من النطق بالشر، وهذا كما يكون في المقامات العملية الاجتماعية بين الناس يكون أيضا في مقام المسائل العلمية والنطق بالأحكام الشرعية، فعندما يكون المحرك للنطق بالأحكام هوى نفسيا، أو تعصبا بعيدا عن النظر في النصوص الشرعية على وجه من التجرد وطلب الحق حينئذ تكون الخيرية منوطة بمقام الإمساك عن القول ولا شك.
إن النطق بالخير في الأحكام الشرعية يبنى على علم راسخ، وعقل راجح، وديانة ونسك، فمن الافتئات على جناب الشريعة أن يستبيح حماها من ليس من أهلها، فالنطق بالأحكام قول عن الشريعة لا يباح لكل أحد، فمن لم يجمع هذه الخصال فالصمت في حقه هو تمام الديانة، قال الشعبي: كان يطلب هذا العلم من جمع النسك والعقل، فإن كان عاقلا بلا نسك قال: هذا لا يناله إلا العقلاء، وإن كان ناسكا ولم يكن عاقلا قال: هذا أمر لا يناله إلا العقلاء، ثم قال: فلقد رأيت اليوم يطلبه من لا عقل له ولا نسك.
ففي هذه الأحرف السالفة إبانة لما كان عليه السالفون من اعتبار القول في الشريعة بمقام من فقه النظر، فإن الشريعة عند أهل التحقيق لا تخالف العقل الصحيح، وتحت هذا المدرك ينبغي لأهل العلم أن يعتبروا هذا المقام في مجالس التعليم، وأن يؤخذ الطلبة بمقام من حسن التدبير والحكمة، والفقه لقواعد الشريعة ومقاصدها، فإن الشريعة باب واحد من حيث أدلتها المنصوصة بالتفصيل، وقواعدها المعقودة على أصول مقاصدها، ولهذا تفاضل الفقهاء والناظرون، وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم تعظيم مقام الفقه في الدين، في قوله: (مَن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين). خرجه الشيخان، والله الهادي.

الأكثر قراءة