الأموال الساخنة تبحث عن بدائل للأسواق الأوروبية بعد خفض الفائدة
شهدت الأشهر الأخيرة موجة من التحركات الدولية لخفض أسعار الفائدة، كما حدث في السويد وسويسرا والبرازيل والمكسيك وكندا أخيرا، لكنها لم تجذب أنظار المجتمع الدولي أو تمثل مؤشرا إلى مسار عالمي في كيفية التعامل مع أسعار الفائدة في الأيام المقبلة، إلى أن جاءت المفاجأة الكبرى بإعلان "المركزي الأوروبي" أول خفض لأسعار الفائدة منذ خمس سنوات، وتراجع سعر الإقراض من أعلى مستوى له عند 4 % إلى 3.75 %.
الاهتمام الدولي بالخطوة الأوروبية منبعه ثقل الاقتصاد والنظام المالي الأوروبي على المستوى الدولي، فاليورو يحظى بالمرتبة الثانية عالميا بعد الدولار الأمريكي.
قرار المركزي الأوروبي أجج شعورا إيجابيا في الأسواق الدولية، وساد التفاؤل أن الاقتصاد العالمي يستعيد عافيته، وأن الجهود العالمية لتطويق وكبح جماح التضخم آتت أكلها، وباتت البنوك المركزية الأخرى تراقب التأثيرات الناجمة عن السياسة النقدية الأوروبية، وتأثيرها في الأسواق المالية وديناميكيات التجارة والاستقرار الاقتصادي عالميا.
من جانبه، قال لـ"الاقتصادية" إل. سي موينستر الاستشاري السابق لبنك إنجلترا، إنه في الأشهر الأخيرة تباطأ التضخم الأوروبي إلى 2.4 %، ما يبرر القرار، وأوروبيا ستنتعش سوق العقارات، لانخفاض أسعار القروض العقارية، وسيرتفع إنفاق الأسر وسيزيد الاستثمار العام والخاص، ما يعني رفع معدل النمو أوروبيا.
وأضاف "لكن اليورو سيفقد جاذبيته في أسواق العملات، وستخرج الأموال الساخنة من الأسواق الأوروبية بحثا عن أسواق أخرى تتميز بارتفاع أسعار الفائدة، وبينما سيستفيد المصدرون الأوروبيون من انخفاض اليورو لكون صادراتهم أرخص في الأسواق العالمية، لن يحقق المستوردون الأرباح السابقة".
وحول التأثير العالمي، أشار إلى أن القرار الأوروبي سيكون محسوسا خارج حدود القارة، لترابط الأسواق العالمية ولمركزية الاقتصاد الأوروبي في الاقتصاد الدولي، فخفض أسعار الفائدة أوروبيا سيزيد من الطلب على السندات في مناطق أخرى سواء في الولايات المتحدة أو الأسواق الناشئة، وسيؤدي تدفق رأس المال إلى مناطق أخرى من العالم إلى خفض أسعار الفائدة فيها، وقد تشهد أسواق الأسهم تقلبات نتيجة تعديل المستثمرين محافظهم الاستثمارية استجابة لتغير أسعار الفائدة.
بدورها، لا تستبعد الدكتورة هيلي تشارلز أستاذة الاقتصاد الدولي في مدرسة لندن للتجارة، التأثير العالمي للقرار الأوروبي، لكنها ترى أنه من السابق لأوانه الجزم بذلك.
وذكرت لـ"الاقتصادية" أن الأمر مرتبط بحث القرار الأوروبي البنوك المركزية في الاقتصادات الكبرى الأخرى لإعادة تقييم سياساتهم النقدية، فإذا أدت التخفيضات الأوروبية لتدفقات كبيرة لرأس المال خارج منطقة اليورو، فقد تفكر البنوك المركزية الأخرى في إجراء تعديلات للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي وأسعار فائدة تنافسية.
وأضافت "كما يمكن أن تتدفق الأموال أيضا إلى الاقتصادات الناشئة، وأن لم تكن مؤسساتها المالية مستعدة لاستقبال التدفق النقدي، فإننا قد نشهد عدم استقرار مالي في بعض تلك الاقتصادات".
مع هذا يرى الخبير في مجال تحليلات الاستثمار اس. أرون، أن الخطوة الأوروبية لن يكون لها تأثير قوي إذا أحجم الفيدرالي الأمريكي وبنك إنجلترا عن خفض أسعار الفائدة التي تقف عند أعلى معدلاتها منذ سنوات.
وذكر لـ"الاقتصادية" أن "الخطوة الأوروبية مهمة لأنها تشير لتراجع التضخم حتى وإن لم يتراجع في خط مستقيم، وعلينا تذكر أن اقتصاد منطقة اليورو في مكان مختلف عن اقتصاد الولايات المتحدة، ومن ثم تأثير الخطوة الأوروبية لن يكتمل دون إجراءات مماثلة في واشنطن ولندن، وهذا لن يحدث قبل الربع الأخير من هذا العام مع مزيد من التخفيضات العام المقبل".