تعزيز مستقبل مستدام .. دور استصلاح الأراضي
مع احتفالنا باليوم العالمي للبيئة هذا العام، تزايدت الأخطار بشكل لم يسبق له مثيل فيما يتعلق بتسريع وتيرة استصلاح الأراضي، وتحقيق القدرة على مقاومة الجفاف، ومكافحة التصحر. والرسالة واضحة، وهي أننا بحاجة إلى زيادة الاهتمام بالطبيعة، والاستثمار في الأرض، حتى يظل كوكبنا صالحا للعيش فيه لمصلحة الأجيال الحالية والمستقبلية.
إن ما يقرب من خُمس كوكبنا مهدد بالتصحر الذي يؤدي إلى فقدان التربة الخصبة والتنوع البيولوجي الذي نحتاجه لزراعة المحاصيل التي توفر الغذاء للملايين من الناس والعلف للماشية. وقد أدى تغير المناخ إلى تفاقم الوضع، ولا سيما في البلدان التي شهدت موجات جفاف مثيرة للقلق، أو التي كافحت أنشطة إزالة الغابات واسعة النطاق، أو التي واصلت استخدام أساليب زراعية غير مستدامة. ومنذ عام 1961، أدى تغير المناخ إلى انخفاض الإنتاج الزراعي بنحو 21% على مستوى العالم، كما فَقَدَ العالم أكثر من 10% من الغطاء الشجري منذ عام 2000، حيث شهدت المناطق الاستوائية إزالة الغابات على مساحة 1.48 مليون كيلومتر مربع، وهي مساحة تزيد على مساحة فرنسا وإسبانيا وألمانيا مجتمعة.
و السعودية ليست غريبة على مثل هذه التحديات المناخية. ونظرا لأن 95% من تضاريسها مصنفة على أنها "صحراء3"، فإن ما تبقى من البيئات البرية والنظم الإيكولوجية المُنتجة المتبقية، تواجه تهديدات شديدة بسبب تدهور الأراضي. وتشير البيانات إلى أن السعودية، التي لا يوجد فيها سوى مساحة صغيرة من الغابات الكثيفة، فَقَدَتْ ما يقرب من 50% من غطائها الشجري على مدى الأعوام الـ20 الماضية. وتؤكد هذه الأرقام بوضوح المبررات الاقتصادية والإيكولوجية السليمة للاستثمار في استصلاح الأراضي.
ويعمل البنك الدولي بشكل وثيق مع وزارة البيئة والمياه والزراعة في السعودية، وذلك انطلاقا من كونه شريكا إستراتيجيا لتحقيق رؤيتها الطموحة لعام 2030. فطوال العقد الماضي، قدم البنك مساندة إستراتيجية للوزارة في قضايا مختلفة، منها تقييم تكلفة تدهور المراعي والتصحر، وكذلك تقييم الغابات الجبلية وأشجار المانجروف. وترتبط النتائج بشكل كبير برؤية السعودية 2030، كما أنها تساند المبادرات المقترحة لإعادة زراعة الغابات بالأشجار واستصلاح الأراضي.
ويتمتع البنك الدولي بخبرة كبيرة في مساندة البلدان في مختلف أنحاء العالم فيما يتعلق بمكافحة تدهور الأراضي، كما قام البنك باستثمارات ضخمة في الإدارة المستدامة للأراضي واستصلاح ما تدهور منها. وتوجد بعض الأمثلة على البرامج واسعة النطاق التي نفذها البنك بتنفيذها بنجاح في بعض المناطق ويتجلى التزام البنك بهذه الأجندة في مبادرة الجدار الأخضر العظيم التي نجحت في تطبيق أساليب الإدارة المستدامة على نحو 1.6 مليون هكتار من الأراضي، ما عاد بالنفع على أكثر من 19 مليون شخص.
لقد تبنت السعودية مفهوم الاستدامة البيئية، وأصبحت رائدة إقليمية في مواجهة التحديات العالمية واستكشاف الأفكار المبتكرة المتعلقة بالحفاظ على الموارد الطبيعية وإدارتها بشكل مستدام. وستساند مبادرة الشرق الأوسط الأخضر، التي انطلقت أخيرا وبموازنة لا تقل عن 2.5 مليار دولار، المشاريع التي تشجع الإدارة المستدامة للأراضي وإعادة تأهيل الأراضي المتدهورة، ولا سيما في البلدان ذات الأراضي الجافة.
وتكتمل مبادرة الشرق الأوسط الأخضر ببرنامج وطني آخر طموح، وهو مبادرة السعودية الخضراء، الذي يجمع برامج الاستدامة وحماية البيئة والتحول نحو استخدام الطاقة النظيفة مع الأهداف الشاملة المتمثلة في تعويض الانبعاثات الكربونية وتقليلها عن طريق زيادة أعمال التشجير واستصلاح الأراضي. وليس من المستغرب إذن أن استضافة السعودية فعاليات الاحتفال باليوم العالمي للبيئة لعام 2024 في الخامس من يونيو، والدورة الـ16 لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر والجفاف في ديسمبر 2024.
ومن المتوقع أن يصبح هذا المؤتمر حدثا بارزا لتسريع وتيرة الإجراءات المتعلقة باستصلاح الأراضي، والقدرة على مقاومة الجفاف، والتحول الأخضر. وستتيح مثل هذه الفعاليات فرصا للبلدان كي تتبادل المعارف فيما بينها بشأن الممارسات والإجراءات الناجحة وغير الناجحة فيما يتعلق باستصلاح الأراضي المتدهورة، ما يجعل السعودية مركزا للمعرفة بشأن هذه الممارسات والإجراءات.