ماثيو إيغليسياس: بايدن أفضل رئيس يمكن للشركات أن تحلم به

العلاقة الباردة بين بايدن وقطاع الأعمال لافتة نظرا إلى أداء الأسواق المالية الممتاز في عهده وكذلك مقارنة بطبيعة بديله.

لم يكن أي رئيس ديمقراطي محبوبا لدى الشركات الأمريكية أقله منذ زمن الرئيس غروفر كليفلاند في أواخر القرن التاسع عشر. إلا أن هذه العلاقة الباردة بين الرئيس جو بايدن وقطاع الأعمال غريبة نظرا إلى أداء الأسواق الممتاز في عهده ولطبيعة البديل.
صحيح أن ما يطرحه دونالد ترامب يجذب الشركات نحو الجمهوريين، مثل خفض الضرائب على الشركات وتخفيف القيود الناظمة. لكن على عكس الجمهوريين من قبله، فهو يطرح كثيرا من الأفكار المنفرة لقطاع الأعمال. مثلا، يسعى ترامب إلى فرض رسوم جمركية بنسبة 60 % على جميع السلع المستوردة من الصين، و10 % على الواردات من دول أخرى.
إلى جانب أثر ذلك في أسعار المستهلك، يمكن أن تؤدي هذه الخطوة لسحق المصدرين الأمريكيين الذي يعتمدون على سلع وسيطة مصنوعة في الخارج، ويتنافسون مع شركات في أوروبا وآسيا. كذلك، يتعهد ترامب بكبح الهجرة الشرعية وبزيادة كبيرة في ترحيل العمال غير القانونيين في أمريكا.

معركة خاسرة بكل الأحوال

قد يساعد مثل هذا الخطاب على كسب أصوات الناخبين، ولكن تطبيقه على أرض الواقع يلحق دمارا بمصالح آلاف الشركات الأمريكية التي تعتمد على جميع أنواع العمالة المهاجرة، سواء كانت ماهرة أو غير ماهرة أو كان وجودها قانونيا أو لا.
زد على ذلك أن نسبة البطالة منخفضة جدا أصلا في الولايات المتحدة، بالتالي سيتعذر تعويض النقص عبر استقطاب مزيد من الأمريكيين إلى سوق العمل. ستتقلص إذا السعة الإنتاجية للاقتصاد، ما قد يتسبب بزيادة التضخم أو ارتفاع أسعار الفائدة، وهذا من شأنه أن يصعب الاستثمار على جميع الشركات.
بالحديث عن أسعار الفائدة، لطالما أيدت الشركات النهج الجمهوري المتعلق بالضرائب. ولكن ظروف الاقتصاد الكلي في 2025 تختلف عن تلك التي كانت سائدة في 2017 أو 2023. إذ تهدد التخفيضات الضريبية الكبرى التي تفاقم العجز في زيادة ضغوط التضخم الصعودية، ما يؤدي إلى ارتفاع أكبر في معدلات الفائدة. لمعالجة ذلك، اقترح ترامب تقليص استقلالية الاحتياطي الفيدرالي بهدف خفض معدلات الفائدة قسرا، وهي فكرة كارثية قد تؤدي إلى شلل الاقتصاد الأمريكي لأعوام مقبلة.
ما هذا إلا غيض من فيض السياسات التي يسوق لها ترامب والتي يمكن وصفها بالعادية نسبيا مقارنة بالتهديدات الفظيعة على المدى الطويل التي يلوح بها كقصف المكسيك مثلا أو إلغاء حلف شمال الأطلسي المترافق مع قطع المساعدات عن أوكرانيا. مع ذلك، لا تزال الشركات الأمريكية تنظر إلى انتخابات 2024 على أنها معركة خاسرة على كل الأحوال، ما يطرح السؤال: لماذا لا تحب الشركات الأمريكية بايدن أكثر؟

ارتياب من سياسات بايدن المستقبلية

يعود ذلك بجزء منه إلى أسباب تافهة. مفهوم أن تتذمر الشركات من وجود لينا خان على رأس لجنة التجارة الاتحادية وغاري غينسلر قيما على لجنة الأوراق المالية والبورصات، أو أن تعترض على بعض الخطاب السياسي حول رفع الأسعار، ولكن بشكل عام فإن أداء الشركات الأمريكية جيد في عهد بايدن. لا بد من الإشارة أيضا إلى خلل في تقييم الأخطار عند الاختيار بين بايدن وترامب. فالشركات قادرة على التعايش مع ما فعله بايدن حتى الآن، لكنها مرتابة حيال ما قد يقوم به في المستقبل، مثل فرض ضرائب على الأرباح الرأسمالية غير المحققة، في حين تبدو جد واثقة أن ترامب لن ينفذ تعهداته الأكثر جنونا.
لا أدري ما سر هذه الثقة. صحيح أن ترامب تولى سدة الرئاسة حتى نهاية عهده من دون أن تحل بنا الكارثة، إلا أنه قاد حركة تمرد حاولت الإطاحة بالحكومة. ولم يكن عهد بايدن كارثيا هو الآخر. وفي حين أحكم ترامب سيطرته أكثر على حزبه في الكونغرس، من شبه المؤكد أن يواجه بايدن معارضة أغلبية جمهورية في مجلس النواب أو مجلس الشيوخ أو الاثنين معا.
لا أرى مبررا لهذا البرود الذي تبديه الشركات حيال بايدن إلا أنها ناجمة عن شعور بالاستياء، وهذا ما يعيدنا إلى سؤالي السابق معكوسا: لماذا لا يحب بايدن الشركات أكثر؟

قلب التوقعات

لا تضم حكومة بايدن أي رواد أعمال، فوزيرة الخزانة جانيت يلين هي وجه أكاديمي لا يحظى بشعبية تيم غيتنر أو روبرت روبن في وول ستريت. كما أن الرئيس لا يثني كثيرا على روح ريادة الأعمال الأمريكية، ولا يخطب كثيرا ود القطاع الخاص. إذا هو مدعو إلى إعادة حساباته وأن يقدم شيئا من حين إلى آخر للقطاع.
يركز الديمقراطيون حاليا على فكرة أن الأمريكيين ليسوا ممتنين بما يكفي للوضع الاقتصادي الذي ينعمون به، وربما ليسوا مخطئين في ذلك، إلا أن قولهم إن المواطنين لا يدركون مدى حسن وضعهم، لا يوجه رسالة جيدة على الصعيد السياسي. في المقابل، من شأن استقطاب أشخاص من خارج الإدارة ينتمون إلى قطاع الأعمال للحديث عن مدى صحة النمو المحقق ومدى خطر الرهان على ترامب أن يساعد على تحسين الهالة المحيطة ببايدن.
كان كبير موظفي بايدن السابق رون كلاين قال أمام جمهور من المفكرين اليساريين الشهر الماضي، إن الرئيس يمضي وقتا طويلا في مراسم افتتاح المشاريع بدل الحديث عن رؤيته للبلاد. ربما هذا صحيح، ولكن ربما أيضا على بايدن أن يخصص مزيدا من الوقت لتملق قادة الأعمال وطمأنتهم إلى أنه ليس شيوعيا، ولا يوافق جميع آراء إليزابيث وارن.
في غضون ذاك، يبدو البيت الأبيض مصمما على الحفاظ على صورة بايدن الشعبوية كوسيلة للتصدي لترامب. ولكن كثيرا ما يفوز السياسيون بالانتخابات من خلال التصرف عكس ما يتوقع منهم. فجزء من خصوصية ترامب أنه أكثر شعبوية وأقرب إلى التوقعات الأساسية للناخبين مقارنة بمعظم الساسة الجمهوريين الآخرين. ويمكن لبايدن أن يستقطب الناخبين إذا ما أظهر لهم أنه، نسبة إلى توقعاتهم الأساسية، أكثر ودا تجاه الشركات من معظم الساسة الديمقراطيين.

خاص بـ " الاقتصادية"

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي