اتفاقيات المياه أداة للسلام وقاطرة للنمو والرخاء

في احتفال اليوم العالمي للمياه تحت شعار "المياه من أجل السلام" ينتاب الجميع مشاعر مختلطة بين الأمل والرجاء من ناحية والقلق من ناحية أخرى. ومصدر القلق هو الضغوط الحالية على موارد المياه العذبة في العالم بسبب تغير المناخ وأوضاع الهشاشة وتدهور النظم الإيكولوجية. أما الأمل فيتراءى لنا بسبب تكاتف المجتمع الدولي دعما للبلدان والهيئات العاملة في بلدان أحواض المياه من أجل الإدارة التعاونية للمياه من خلال شراكات مثل المرفق العالمي للتعاون في مجال المياه العابرة للحدود وتحالف التعاون في مجال المياه العابرة للحدود. وغني عن القول إن المياه مورد أساس للحياة على الأرض، وإدارتها غاية في الأهمية لرفاهية المجتمعات البشرية. لكنها قد تكون مصدرا للتوتر والصراع، لا سيما في المناطق التي تعاني شح المياه أو الصراع على توزيعها. ومع زيادة معدلات النمو السكاني وتأثير تغير المناخ في توافرها، من المرجح أن تزداد إمكانية نشوب نزاعات حول المياه. وحتى الآن، هناك 24 بلدا فقط لديها ترتيبات نافذة بشأن التعاون في مجال المياه على مستوى جميع أحواضها المشتركة مع البلدان المجاورة، وذلك على النحو الواضح من خلال الدورة الثانية من التقارير الخاصة بمؤشر قياس الهدف 6.5.2 من أهداف التنمية المستدامة بشأن التعاون في مجال المياه العابرة للحدود، التي قدمتها لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأوروبا واليونيسكو. ونظرا لعدم الاتفاق على الآليات التي تنظم المياه العابرة للحدود وحجم التحديات التي تواجه المجتمعات المحلية في أحواض الأنهار وغيرها، هناك حاجة إلى مزيد من الدعم من المجتمع الدولي لإدارة المياه العابرة للحدود. وأكثر من ذلك من الممكن أن تكون عنصر تحفيز فريد من نوعه للتعاون وتضافر الجهود والحوار. عندما يجتمع أصحاب المصلحة والأطراف المعنية لإدارة البحيرات ومكامن المياه الجوفية والأنهار المشتركة، فإنهم يعربون عن الثقة ويضعون الأطر التعاونية ويحددون المنافع المشتركة على نحو يتجاوز العناصر التي تستهدف تحقيق السلام والاستقرار. ويرجع ذلك جزئيا إلى أن الإدارة المشتركة للموارد تتضمن جمع البيانات وتبادلها، واتخاذ القرارات المشتركة، والتوزيع العادل للمياه. ويمكن لهذه الإجراءات التعاونية أن تساعد الأطراف على معالجة الأسباب الجذرية للصرعات المتعلقة بالمياه، وطرح حلول مقبولة للجميع. كما أنها تحقق منافع اجتماعية واقتصادية من المياه أكثر مما قد يتاح لو أدارت البلدان هذا المورد الثمين بشكل منفرد. ويمتد التعاون بشأن المياه ليشمل التنمية الأوسع نطاقا، مع وجود أطر ومؤسسات مشتركة تهيئ بيئة داعمة وقوية. وتعد منظمات أحواض الأنهار أفضل مثال للمؤسسات المشتركة المعنية بإدارة الموارد المائية المشتركة، وهذا يساعد البلدان على تحديد الرؤى المشتركة وتنفيذ الاستثمارات المشتركة. وبناء على اتفاقية المياه، نجد أن 100 اتفاقية أو أكثر بشأن المياه أدت إلى زيادة إمكانية التنبؤ بتوافر المياه، أو تقليل الخسائر الناجمة عن الفيضانات وموجات الجفاف، أو مساندة قطاعي الزراعة والطاقة. وهذا يعزز سبل كسب العيش ويؤدي إلى خفض معدلات الفقر في المجتمعات المحلية الواقعة على ضفاف أحواض الأنهار وحولها. ويمكن لهذه النتائج الإيجابية أن تخفف بعض الضغوط الاجتماعية والاقتصادية التي تسهم في أوضاع الهشاشة والصراع. يمثل اليوم العالمي للمياه لحظة مهمة بالنسبة لنا، وفرصة لإعادة التفكير في الطرق التي ندعم بها التعاون في مجال المياه العابرة للحدود. وتظهر خبراتنا وتجاربنا الجماعية أنه عندما نتحد لتقديم الدعم الاستراتيجي للبلدان ومنظمات أحواض الأنهار، تزيد المنافع بأكثر مما نتوقع. وفي وقت يشهد أزمات عالمية معقدة، يحتاج العالم إلى مزيد من العمل المنسق وزيادة تمويل المنافع العامة. وتعد جهود التعاون السلمي والفعال لتنمية موارد المياه المشتركة من سلع النفع العام المهمة، وبالتالي ينبغي تمويل هذه الجهود. وإقرارا بأن المياه أداة للسلام وقاطرة للنمو والرخاء، سنتمكن من توفير الاستقرار الذي نحتاج إليه بشدة في عالم يموج بالاضطرابات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي