المساواة بين الجنسين قوة اقتصادية
من الصعب أن نجد كلمة أكثر صلة بأعظم التحديات والأولويات السياسية التي يواجهها العالم من كلمة "الإدماج" (الشمول أحيانا)، وهذا موضوع اليوم العالمي للمرأة هذا العام. يشكل النمو الاقتصادي الأخضر الشامل الذي يعود بالنفع على المجتمع كله، عنصرا أساسا في الرخاء المستدام، والتماسك الاجتماعي، والقدرة التنافسية، والاستقرار الجيوسياسي. ومن المؤكد أن دعم "الانتقال العادل" الذي يشمل جميع أعضاء مجتمعاتنا أمر بالغ الأهمية لضمان أن يؤدي العمل المناخي والتحول الرقمي إلى عالم أكثر استدامة وأمانا.
المساواة بين الجنسين والحقوق المتساوية ليست مجرد مسألة عدالة، بل إنها تنطوي أيضا على أهمية اقتصادية عظمى. تشير أبحاث أجراها صندوق النقد الدولي إلى أن تضييق الفجوة بين الجنسين في أسواق العمل من الممكن أن يُفـضي إلى زيادة الناتج المحلي الإجمالي في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية بنحو 8 %. وستكون المكاسب المترتبة على سد الفجوة بين الجنسين بشكل كامل أعظم، لأن هذا كفيل برفع الناتج المحلي الإجمالي في تلك البلدان بنسبة 23 % في المتوسط.
الأمر ببساطة أن التنوع وحصول النساء على دور متساو في الاقتصاد، وفي صنع القرار، وفي المناقشات السياسية يجلب نتائج أفضل. ويؤدي حشد كل المواهب المتاحة إلى تعظيم الإنتاجية والقدرة التنافسية.
والأدلة التي تشير إلى التقدم واضحة، فاليوم بدأت أعداد متزايدة من النساء في تأسيس مشاريع تجارية، على الرغم من قلة فرصهن في الحصول على التمويل. وتُظهِر بيانات البنك الدولي حول 71 دولة أن النساء في 45 دولة منها يمثلن حصة متزايدة من "المالكين المنفردين" للشركات.
ولأن النساء يتخذن أو يؤثرن في 80 % من قرارات شراء المنتجات الاستهلاكية، فيتعين على الشركات أن تضع آراء النساء وخبراتهن في الحسبان إذا كانت راغبة في زيادة المبيعات من سلعها. تميل النساء أيضا إلى كونهن أكثر وعيا بالبيئة، وهذا يساعد على تفسير الطلب المتزايد من جانب العملاء على الخدمات المالية الخضراء. على المستوى العالمي، تذكر واحدة من كل ثلاث مستهلكات أنها لا تمانع في دفع علاوة تصل إلى 25 % مقابل الخدمات المالية المستدامة.
يشير هذا إلى سبب آخر يجعل الإدماج مفيدا للشركات، حيث تظهر الأبحاث أن وجود عدد أكبر من النساء في مجالس إدارة الشركات يرتبط إيجابيا بالإفصاح عن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. تسيطر النساء الآن على 40 % من الثروة العالمية، وهن راغبات في الاستثمار في مستقبل مستدام. يفيد نحو 74 % من النساء بأنهن مهتمات بزيادة حصة الاستثمارات البيئية والاجتماعية والحوكمة في محافظهن الاستثمارية الحالية، مقارنة بـ53 % من الرجال. الواقع أن الشركات التي تتقاعس عن إفساح المجال للنساء تفوّت على نفسها الفرصة للتفوق في الأداء على منافسيها.
على مدى قرون عديدة، طورت النساء استراتيجيات للتعامل مع المواقف غير المتكافئة، وهذا ما يجعلنا نحمل قيمة خاصة للمنظمات التي ترغب في تغيير العالم. ونظرا لتجربتنا التاريخية في الإقصاء والتفاوت، فإننا أكثر ميلا إلى إدراك الحاجة إلى التغيير ووضع التأثير الذي تخلفه عمليات الشركات أو قراراتها السياسية في الآخرين في الحسبان، على ذات المنوال.
لا شك أن موهبة المرأة قوة دافعة وراء التقدم الاقتصادي وجزء أساس من حل مشكلة تغير المناخ. تقود النساء بالفعل بعض الهيئات المالية الأكثر نفوذا في العالم، كما يضطلعن بدور متزايد على الساحة السياسية. والآن يجب أن تقود المرأة عملية التحول إلى نموذج نمو أكثر شمولا واستدامة. نحن الآن نحظى بفرصة فريدة لتعزيز الإدماج، واستلهام التزامات مماثلة من آخرين، وتشكيل المستقبل نحو الأفضل.
خاص بـ "الاقتصادية"
بروجيكيت سنديكيت