إعادة تشكيل ديناميكيات التجارة العالمية
السياسات المتعلقة بتغير المناخ تحدث تحولا في التجارة العالمية ويمكن أن تؤدي إلى تفاقم عدم المساواة. في مواجهة الطابع الملح للتحدي الذي يمثله التغير، تتبنى كثير من البلدان السياسات المناسبة للتصدي له، غير أن هذه السياسات لا تعيد تشكيل مشهد تدفقات التجارة العالمية فحسب، بل تخاطر أيضا بحدوث مزيد من التجزؤ وعدم المساواة. ويتعلق أحد التحديات بالعواقب على البلدان منخفضة الدخل التي تعتمد على النمو الذي تقوده الصادرات.
سيتطلب الأمر التوجيهي للاتحاد الأوروبي بشأن الإبلاغ عن استدامة الشركات أن تقوم نحو 50 ألف شركة كبيرة ومنشأة أعمال صغيرة ومتوسطة مسجلة لدى الاتحاد الأوروبي بالإبلاغ عن تأثير عملها في الناحية البيئية والاجتماعية، بما فيها سلاسل الإمداد الخاصة بها. وتستخدم عدة بلدان الدعم الأخضر على حساب المخاطرة بتشويه قدرة الشركات التي تنتج منتجات خضراء من البلدان الأخرى على النفاذ إلى أسواقها. وتمثل هذه السياسات نقطة تحول في مشهد التجارة العالمية.
من شأن التحول نحو تنظيم اجتماعي وبيئي أكثر إلزاما أن يعيد تشكيل سلاسل الإمداد العالمية، التي تعد بالغة الأهمية للعمل الإنمائي وإيجاد فرص العمل. وتظهر الأبحاث التي يجريها البنك الدولي أن سياسات التخفيف من آثار التغير يمكن أن تؤثر بشكل غير متناسب في البلدان منخفضة الدخل ومتوسطته، ما يؤدي إلى انخفاض حجم تجارتها مقارنة بالاقتصادات ذات الدخل المرتفع. وهذا الأمر يشكل تحديا كبيرا للأمان الوظيفي في القطاعات المتأثرة.
يظهر مؤشر البنك الدولي الجديد للتعرض لآلية الاتحاد الأوروبي لتعديل حدود الكربون على سبيل المثال أن زيمبابوي هي البلد الأكثر عرضة لخطر تطبيقها، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى صادراتها الضخمة من السبائك الحديدية كثيفة الانبعاثات إلى الاتحاد الأوروبي. وفي موزمبيق، يقع نحو 20 % من صادرات البلاد ضمن إطار آلية الاتحاد الأوروبي لتعديل حدود الكربون، ما يؤثر في اقتصادها، خاصة مع توجيه 97 % من صادراتها من الألمونيوم إلى بلدان الاتحاد الأوروبي.
تتعرض الشركات متعددة الجنسيات لضغوط متزايدة من المستهلكين والمستثمرين والأجهزة التنظيمية لتعزيز قدرتها على تلبية متطلبات الاستدامة لمنتجاتها، ورغم أن هذا الامتثال يعد تطورا إيجابيا، إلا أنه يأتي مصحوبا بتكلفة لها وزنها. ووجدت دراسة مسحية حديثة أن 78 % من الشركات متعددة الجنسيات ستقوم باستبعاد الموردين الذين يعرضون خططها للتحول إلى الإنتاج منخفض الكربون للخطر بحلول 2025.
وتتحمل منشآت الأعمال الصغيرة والمتوسطة، ولا سيما في البلدان النامية، عبئا أكبر للامتثال بسبب مواردها المحدودة. ويمكن أن يؤدي عدم الامتثال لهذه المتطلبات إلى استبعادها من سلاسل الإمداد العالمية والتجارة. فعلى سبيل المثال، قد تعوق اللائحة التنظيمية الجديدة للاتحاد الأوروبي بشأن المنتجات التي لا تقوم على إزالة الغابات قدرة صغار المزارعين من منتجي الكاكاو والبن وزيت النخيل من بعض البلدان مثل كوت ديفوار وإثيوبيا وهندوراس على النفاذ إلى أسواق الاتحاد.
لضمان التحول العادل والشامل للجميع إلى عالم أكثر اخضرارا، من الضروري تنفيذ سياسات منسقة بشكل أفضل مع متطلبات الامتثال التي يمكن الوفاء بها من أجل تحقيق التحول الأخضر لمؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة. ويمكن تحقيق ذلك من خلال الممارسات التجارية المراعية للبيئة، وإزالة الحواجز القائمة أمام التجارة في السلع والخدمات والتكنولوجيا التي تساعد على التكيف مع تغير المناخ والتخفيف من آثاره.