الكثير من النفط يغزو الأسواق
في مطلع الربع الثاني من العام 2020 حدث ما لم يكن أكثر المتشائمين في أسواق النفط يتوقعه، تصدعت العلاقة الروسية السعودية التي كانت الرباط الذي يجمع دول أوبك بلس وازدادت حدة الخلاف بين أكبر منتجي النفط في المجموعة والعالم لتقرر السعودية الذهاب بالطاقة الإنتاجية القصوى وصولا إلى 12.4 مليون برميل يوميا في مواجهة الإصرار والتعنت الروسي على عدم تجديد الاتفاق وهي التي كانت تخشى أن النفط الأمريكي الغريم الاستراتيجي سيشاركها جني الثمار من مثل هذا الاتفاق.
أصبح الصراع على الحصص السوقية أمرا واقعا ومريرا وتركت أسواق النفط لتواجه أسوأ وأخطر أزمة تمر بها على مدى تاريخها منذ عرف الإنسان النفط كسلعة تجارية استراتيجية ليدب الهلع والرعب في الأسواق وتهبط الأسعار كالسقوط الحر إلى مستويات السالب (37 تحت الصفر) لخام غرب تكساس ولمستويات الثلاثين دولار لخام برنت.
غرقت الأسواق حينها بمخزونات النفط على اليابسة كما ملئت بواخر الناقلات عباب البحر وتطلب الأمر ما يقارب العامين لتجفيف هذه الكميات من النفط التي استغلتها الصين والهند أيما استغلال وهما المتعطشتان للنفط وقامت بملئ مخزوناتها الاستراتيجية كما دول مستهلكة أخرى في العالم.
وبعد النجاح في إعادة ضبط الأسواق على خلفية عودة موسكو إلى الاتفاق وإدراك المنفعة الكبرى منه كانت أوبك بلس تجفف هذه الزيادة وترخي القيود على الإنتاج بحذر شديد إلى أن استعادت أسواق النفط عافيتها وتوازنها واستقرارها بالتوازي مع استعادة الاقتصاد العالمي عافيته بعد جائحة كورونا.
إلا أننا في نهاية الربع الثالث من العام الماضي بدأنا نشهد ارتفاعات كبيرة من الإنتاج آتية من الحقول الأمريكية التي وصل Yنتاجها إلى مستويات تاريخية لامست حدود 13.5 مليون برميل يوميا إضافة إلى ليبيا التي عادت بكميات إنتاج بعد عدة تحديات أمنية وتقنية وطبيعية التي قللت من مستويات إنتاجها في السابق وأيضا وصل النفط الإيراني إلى مستوى 3.8 مليون برميل يوميا تهربا من العقوبات التي يغض الطرف الأمريكي النظر عن تجاوزه لها، فنزويلا أيضا وغيانا التي استثمرت فيها كبريات الشركات العالمية صعدت بإنتاجها إلى حدود 800 ألف برميل وأدخلت نفطها إلى الأسواق.
كل هذا النفط يدخل الأسواق مذكرا بأن غزو الأسواق بكميات هائلة من النفط على غرار ما حدث في تجربة 2020 وإن لم يكن بنفس الحدة والخطورة والخلفيات سيجعل من جهود تجفيفه وإعادة التوازن للأسواق في وقت لاحق أمرا تعيه أوبك بلس وتدرك أن مثل هذه الزيادات التي تقتحم الأسواق ستكون عبء على الأسواق، ولذا أعلنت بالأمس تجديد التخفيضات الطوعية لكميات إنتاج أعضائها لثلاثة أشهر مقبلة هي التي قد تتم مراجعتها لتعميقها بتخفيضات أكبر إن تطلب الأمر ذلك وسط مراقبة لصيقة لهذه الكميات التي لا زالت تتدفق إلى أسواق بالكاد تعافت من تجربة عصفت بها ولازالت آثارها حاضرة في الأذهان حتى الآن.