السعودية لماذا الغاز .. ولماذا الآن؟
قامت السعودية بأولى محاولاتها لاستكشاف وتطوير حقول الغاز في منتصف التسعينيات من القرن الماضي طمعاً في إضافة خزائن هذا المصدر الاقتصادي المهم إلى مخزونات النفط الهائلة التي تتربع السعودية على قمة مالكيها ومنتجيها العالميين، إلا أن الدافع الأكبر والملِّح تطور حينها مع تطور ونمو الاقتصاد السعودي الذي ازدادت وتيرة نموه مع بزوغ فجر القرن الحالي، التي دفع الاقتصاد السعودي لطلب مزيد من مصادر الطاقة بل لمصدر اقتصادي ذي كفاءة، مثل الغاز بحيث يسمح للسعودية الاستفادة القصوى من صادرات براميل النفط التي تذهب عبر البحار شرقاً وغرباً لتعود بمداخيل النفط الخام إلى خزينة الدولة بدلاً من حرقها لإنتاج الكهرباء.
ومع نهاية العقد الأول من هذا القرن، دخل الغاز كما النفط مرحلة جديدة، تمثلت في دخول وليد صناعة الطاقة الجديد، وهو النفط والغاز الصخري إلى المعادلة مفجّراً ثورة غيّرت قواعد اللعبة في العالم، ولا سيما في أمريكا الشمالية.
تنبهت السعودية -التي كان زخم عملياتها لاستكشاف وتطوير الغاز التقليدي غير الصخري مستمراً- إلى هذا المتغير الجديد، ورغم أن التجربة في أمريكا الشمالية لم تكتمل نضوجاً، إلا أن السعودية اقتنصت هذه الفرصة الجديدة وبدأت أولى عملياتها في استكشاف وتطوير مكامن الغاز الصخري في السعودية رغم التحديات الهائلة، وعلى رأسها شح المياه في صحاري السعودية في وقت يتطلب تطوير الآبار الصخرية إلى كميات هائلة من المياه، كما يتطلب بنية تحتية تدعم العمليات اللوجستية والمنتجات الصناعية لم تكن متوافرة حينها كان الغاز يشكل للسعوديين هدفاً استراتيجياً وشرياناً مهماً يغذي الاقتصاد ويمنع حرق النفط لإنتاج الكهرباء ويضمن تلبية الطلب المتنامي على اللقيم في الصناعات البتروكيمياوية.
تطور آخر مفصلي غيّر مسار الحياة في السعودية، ومنها: استراتيجية الطاقة التي أتت بها رؤية السعودية 2030، التي حددت مستهدفاتها في أن يكون الغاز مسؤولاً عن إنتاج 50 % من الكهرباء بحلول 2030، ليحرر بذلك مليون برميل من النفط الخام الذي يُحرق لهذا الغرض فيستفاد منه إما كتصدير تُصنع منه عوائد ومداخيل بسبب بيع النفط بأسعار النفط العالمية أو تحويله إلى مسارات الصناعات البتروكيماوية ليعظّم العائد من برميل النفط الذي تم توفيره بسبب الغاز.
لقد رأت السعودية في الغاز مصدراً مهماً أيضاً لتنفيذ استراتيجيتها في أن تكون مصدر الثقل في مصادر الطاقة كلها كما هي الحال في النفط، فهي لا تريد أن تخسر مكانتها التي رسختها في اسواق النفط وهي تعلم أن الغاز هو المصدر والجسر الذي ستعتمد عليه السعودية والعالم في الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة بما فيها الهيدروجين الذي يتطلب بعض أنواعه (الأزرق) الغاز لإنتاجه، وهو المصدر الذي أولته أهمية بالغة للاستثمار فيه وتطويره.
ومع التركيز على تنفيذ هذه الاستراتيجية نافست السعودية للوصول إلى أكبر عدد من مكامن الغاز فتوالت الاكتشافات تلو الاكتشافات، وكان آخرها ما أُعلن عنه أمس من اكتشاف كميات كبيرة للاحتياطيات المؤكدة من الغاز والمكثفات في حقل الجافورة غير التقليدي، لتصل إمكانيات هذا الحقل إلى 229 تريليون قدم مكعب و75 مليار برميل من المكثفات.