حائل .. رالي السيارات وامرؤ القيس في متحف الصحراء المفتوح
يمكن تصور الحياة اليومية للإنسان ما قبل التاريخ، من بيوت وقصور تقليدية تميزت بطرازها العمراني والزخرفي الفريد، حيث تشرح الرسوم الصخرية من كتابات ونقوش ورسومات ثمودية تفاصيل معيشة البشر من صيد وعبادة ومعارك وتفاعل بيئي في العصور الحجرية قبل الميلاد بنحو 7000 عام، الأمر الذي أثار دهشة علماء الآثار والمنقبين حينما وطئت أقدامهم منطقة حائل السعودية.
وظلت حائل لقرون طويلة متحفا فنيا مفتوحا في قلب الجزيرة العربية، بفضل آثارها النادرة في مدينة جبة داخل صحراء لاحقا بينما تحولت أم سنمان وغوطة وقطار وشويحط بجانب راط والمنجور في قرية الشويمس، النفود محاطة بجبال إلى وجهة سياحة تراثية صحراوية تمكن زائرها من رؤية أعماق التاريخ، وهو مفتاح سر عروس الشمال الذي ما تزال تحتفظ به، ولا سيما وهي تتأهب لانطلاق رالي حائل تويوتا الدولي، بتوقيت الخامسة والنصف صباح الجمعة 9 فبراير.
قبل دوران محركات المركبات الصحراوية، وضعت اللجنة العليا للمسابقة اللمسات الأخيرة من حيث تعزيز الخدمات الطبية والأطقم الصحية بواقع 62 مسعفا، 19 آلية مساندة في ستة مواقع، كل ذلك في سبيل استقبال المتسابقين القادمين من مختلف أنحاء العالم، إضافة إلى مشاركة البطلتين السعوديتين دانية عقيل ومها الحملي في "مهد الراليات" الذي انطلق لأول مرة في 9 فبراير 2006، آنذاك كانت مساحته حينها 450 كيلومترا قبل أن تتسع إلى 1200 كيلومترا عام 2013، ومن لحظتها توج بجوائزه كثيرون بداية من السعودي فرحان الغالب في أول نسخة، وانتهاء بالمتسابق القطري ناصر العطية في 2023.
واستمد السباق شهرته 20 عاما من حائل، لمكانتها السياحية والتراثية، وأسهم في ذلك عوامل كثيرة، أبرزها جغرافي مميز جعل الوصول إليها من كل المناطق سهلا، إضافة إلى تنوع التضاريس أبرزها صحراء النفود الكبير بكثبانه الرملية ذهبية اللون ما يجعل مشاهدتها منظرا آسرا للعين، أو سلاسل جبال أجا وسلمى التي عرفت قديما بجبال طيء، وفيهما أنشد الشعراء العرب مثل امرؤ القيس بقوله:
"أبت أجأ أن تسلم العام جارها" في دلالة على العِزة، وقال أبو النجم العجلي:
فشق أنهارا إلى أنهار **** وحط من سلمى إلى القرار
في دلالة على الحياة الهانئة.
تلك الحضارة أضاف إليها أهالي حائل بطباعهم وشهامتهم ورحابة صدورهم، صفة الكرم الذي توارثوه من الرمز العربي المعروف حاتم الطائي، رفقة دلال القهوة التي لا تبرد، كذلك أبدعوا في الحرف الشعبية مثل صناعات السدو والنسيج، وجلسات "الشبة" التي يلتفون حولها في حلقة سمر دائرية ويتبادلون بينهم القصص والشعر، ولا ينسى مقشوش حائل اللذيذ الغني بدقيق البر والتمر السكري. كل ذلك أضفى على سباق رالي حائل نكهة حائلية مختلفة وسط مشاركة 22 جنسية مختلفة في النسخة الماضية، وزيارة نصف مليون شخص للحدث عام 2015.
ليست مجرد رياضة تطعيس" في البر، وإنما منافسة تنمو كل عام. يؤكد رئيس الغرفة التجارية بحائل، هاني الخليفي، في تصريحات إعلامية أخيرا أن رالي حائل أحدث انعكاسات اقتصادية إيجابية. فالفرص الاقتصادية في حائل مغرية للمستثمرين، كون دور الإيواء قد تضاعفت حتى وصلت إلى نسب إشغال عالية في العقدين الماضيين، أما تجار سوق زمان الشعبي فيعدون المسابقة موسم رزق، لأن بضاعتهم تنفد بسبب إقبال الزوار على بضائعهم المتنوعة بين الأزياء والحلي.
وفي مقارنة سريعة نجد أن رسوم تسجيل سيارة واحدة في رالي داكار مثلا يبلغ 120 ألف ريال، ولا تقل رسوم رالي حائل عن ذلك كثيرا باعتبار الحدثين من أهم سباقات المركبات الصحراوية في الشرق الأوسط والعالم، فضلا عن المكسب على المدى الطويل المتمثل في تأكيد الدور الريادي الذي تلعبه السعودية في رياضة المحركات.
والآن، داخل منتزه المغواة الذي يعد أحد رموز جبال أجا بهويته المعمارية الحائلية، وتبلغ مساحته خمسة ملايين مربع ويحتضن السباق منذ انطلاقته وفيه يتوج الفائزون، تتكرر المغامرة السنوية ويترقب الجميع البطل الجديد في نسخة 2024 .