الاتحاد الأوروبي وتدبير المعادن الحرجة «2 من 2»
رغم أن هذه الجهود تشكل خطوة في الاتجاه الصحيح، إلا أنها لن تكون كافية لضمان احترام قواعد الاستدامة. من خلال قانون المواد الخام الحرجة، يعتزم الاتحاد الأوروبي إنشاء شراكات تحقق المنفعة المتبادلة مع الدول الغنية بالموارد وتعزيز المشروعات الاستراتيجية لاستخراج المعادن الحرجة ومعالجتها وإعادة تدويرها. لكن الضغط من أجل التحرك السريع قد يؤدي إلى إحياء ممارسات قديمة. علاوة على ذلك، سيعهد إلى مقدمي الشهادات من القطاع الخاص بمراقبة الامتثال لمعايير الإنسانية والمعايير البيئية، على الأقل بالنسبة إلى المشروعات خارج الكتلة.
لقد ثبت أن أنظمة إصدار الشهادات لا توفر القدر الكافي من الحماية لحقوق الإنسان والبيئة في قطاعي التعدين والمواد الخام. على سبيل المثال، أكدت شركة إصدار الشهادات الألمانية TÜV SÜD سلامة سد يقع بالقرب من برومادينهو في البرازيل، قبل أشهر قليلة من انهياره، الذي أسفر عن مقتل مئات الأشخاص. وأخيرا، تبين أن منجما يديره مورد الكوبالت لشركة BMW في المغرب، الذي اعتمد من قبل مبادرة المعادن المسؤولة، يطلق كميات كبيرة من الزرنيخ إلى مسطحات مائية قريبة.
الواقع أن الاتحاد الأوروبي في احتياج إلى أدوات أكثر فاعلية. ويشكل التوجيه المقترح بشأن العناية الواجبة بسلاسل التوريد، الذي من شأنه أن يلزم الشركات بمنع الممارسات الضارة بالبيئة وحقوق الإنسان في سلاسل التوريد الخاصة بها، أهمية بالغة، وينبغي تطبيقه على الشركات المالية أيضا، نظرا إلى أهميته في قطاع المواد الخام. علاوة على ذلك، يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يضطلع بدور نشط في المفاوضات الرامية إلى إبرام معاهدة ملزمة من جانب الأمم المتحدة بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان، لمنع الشركات متعددة الجنسيات من إلحاق الضرر بالبيئة والمجتمعات المحلية، كما حدث في إسبينار.
لا يقل عن هذا أهمية إجراء تقييم نزيه للأسباب التي تدفع الطلب على مواد مثل النحاس والحديد وكيفية تقليل استهلاكها. على سبيل المثال، تستخدم صناعة السيارات كميات هائلة من المعادن الحرجة. كما يشكل قطاعا البناء والنقل في ألمانيا المحركين الرئيسين للطلب هناك، وليس جهود تحول الطاقة. يشير هذا إلى أن صناع السياسات الأوروبيين ينبغي لهم أن يعكفوا على بناء أنظمة للنقل العام أكثر كفاءة في استخدام الطاقة، وتشجيع المركبات والبطاريات الأصغر حجما، وتعزيز الاقتصاد الدائري.
رغم أن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ توصي بتقليل استهلاك المواد للتخفيف من حدة الانحباس الحراري الكوكبي، فقد ضاعت هذه الرسالة وسط الاندفاع نحو مصادر الطاقة المتجددة. لكن مثل هذا النهج سيكون فاعلا بلا شك، ذلك أن استخراج ومعالجة المعادن الحرجة يتطلب كميات هائلة من المياه ويسبب التلوث البيئي. الواقع أن سبعة معادن ـ الحديد، الألمنيوم، النحاس، الزنك، الرصاص، النيكل، والمنجنيز ـ مسؤولة وحدها عن 7 في المائة من الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري الكوكبي، وفقا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
من خلال التركيز على خفض الطلب، وفرض متطلبات أكثر صرامة وآليات فاعلة لضمان العناية الواجبة، يستطيع الاتحاد الأوروبي أن يمنع الأضرار البيئية وانتهاكات حقوق الإنسان في حين يحقق أيضا هدفه المتمثل في بناء كتلة أكثر استقلالية وقدرة على الصمود.
خاص بـ«الاقتصادية» بروجيكت سنديكيت، 2023.