كيف يهمل عالم متحيز للرجل النساء بصورة منهجية؟ «2 من 2»
تستقى البيانات المتعلقة بالصحة أساسا من الرجال، ما يشكل أخطارا جسيمة نظرا لاستخدام الذكاء الاصطناعي المبرمج على أساس هذه البيانات في الرعاية الصحية. فعلى سبيل المثال، إذا أبلغ رجل عن ألم على مستوى ذراعه اليسرى وظهره، فإن أحد التطبيقات الطبية المستندة إلى البيانات التي مفادها أن المصابين بأمراض القلب والأوعية الدموية هم من الذكور عادة، سيوصيه بطلب المساعدة لاحتمال تعرضه لنوبة قلبية. وقد يخبر هذا التطبيق نفسه المرأة بأنها تعاني الاكتئاب لذا فهي لا تحتاج إلى رعاية عاجلة، مع أن النساء ليست لديهن مناعة من النوبات القلبية.
ويمكن للذكاء الاصطناعي أن يؤذي النساء بطرق أخرى أيضا. إذ في 2015، ألغت "أمازون" أداة التوظيف المعتمدة على الذكاء الاصطناعي لإظهارها التحيز إزاء المرأة. فبعد أن برمجت على تقييم الطلبات استنادا إلى نماذج من السير الذاتية توصلت بها الشركة على مدى العقد الماضي، - أغلب مرسلي هذه السير من الرجال - أعطى نموذج الكمبيوتر المرشحين الذكور تقييما أعلى من النساء. ولا غرابة في ذلك، نظرا لأن النساء يمثلن 12 في المئة فقط من الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي و6 في المئة من مطوري البرمجيات. والعديد من الشركات الأخرى التي تواصل استخدام برامج الذكاء الاصطناعي للتوظيف لا تتحقق مما إذا كانت متحيزة.
ورغم وجود أدلة كثيرة تثبت أن التقدم نحو المساواة بين الجنسين له دور مهم في الدفع قدما بالتقدم الاقتصادي، فإن التحليل الذي يركز فقط على الجوانب الكلية للنمو يتجاهل المساواة بين الجنسين. إن تجاهل كون الإنفاق الحكومي والضرائب والسياسة النقدية تؤثر في الرجال والنساء بطرق مختلفة، يمكن أن يؤدي إلى تقييمات اقتصادية ناقصة، ما يقوض فعالية السياسات ودقة التوقعات.
فعلى سبيل المثال، لا تأخذ سياسة الاقتصاد الكلي في الاعتبار عمل المرأة غير المدفوع الأجر في مجال الرعاية الأولية. إن تقديم مهام مثل الطهي، والتنظيف، وجلب المياه، ورعاية الأطفال والمسنين، عامل له قيمة اقتصادية كبيرة. فهي تمثل ما بين 10 و60 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. ونتيجة للتحليل الجنساني، فإن المرأة تعمل فوق طاقتها وتتقاضى أجورا زهيدة. إن زيادة حصة المرأة في القوى العاملة يجب أن تكون مقرونة بسياسات تقلص هذا العمل غير مدفوع الأجر وتعيد توزيعه.
لنأخذ على سبيل المثال النقاش الذي يتناول موضوع الآفاق الاقتصادية في الهند. نظرا لتفوق الهند على الصين من حيث عدد السكان في الآونة الأخيرة، يتوقع بعض المحللين أنها ستتفوق أيضا في النمو الاقتصادي. ولكن توضح أشويني ديشباندي، وأكشي تشاولا، أن هذا لن يتحقق إلا إذا كانت الزيادة السكانية تنعكس في القوى العاملة، وفي الهند، يؤدي انخفاض مشاركة الإناث في القوى العاملة إلى الحد من فعالية هذا التفوق.
ويضطلع النوع الاجتماعي بدور حاسم في عدد لا يحصى من مجالات السياسية الأخرى، بما في ذلك التحدي الأكبر الذي يتسم به عصرنا والمتمثل في تغير المناخ. فعلى غرار معظم القضايا الأخرى التي تتناولها أهداف التنمية المستدامة، فإن تأثيرات الانحباس الحراري العالمي، بما في ذلك الكوارث المرتبطة بالمناخ، تؤثر في النساء أكثر من غيرهن. عندما ينظر إلى عنصر يشكل نصف سكان العالم على أنه ثانوي، تصبح الأبحاث أقل دقة، والسياسات أقل فعالية، وتتراجع رفاهية الإنسان. ولن يتغير هذا حتى يصبح الاعتبار الصريح للنساء القاعدة المعتمدة في كل مجال من مجالات البحث، وتصميم المنتجات، والتكنولوجيا، والسياسات.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2023.