بورصة هونج كونج .. أصغر في عيون الصين مما تعتقد
لم تكن إدارة بورصة هونج كونج لتكون مهمة سهلة على الإطلاق بالنسبة لنيكولاس أجوزين، لكن بعض الذين عملوا مع النجم المصرفي السابق في بنك جيه بي مورجان يقولون: إن بعض أفكاره غير التقليدية لم تساعده على هذه المهمة.
بعد أشهر من انضمامه إلى بورصة هونج كونج والمقاصة كرئيس تنفيذي في مايو عام 2021، اقترح أجوزين أنه ينبغي عليها منح "رموز" للشركات المدرجة بناء على مدى تنوع مجالس إدارتها.
مصمم من ناحية على أساس العملات المشفرة وعلى أساس أرصدة الكربون، يجبر مشروع دايموند الشركات التي تتكون مجالس إدارتها من الذكور فقط إما على تعيين النساء أو شراء الرموز المميزة من الشركات التي تضم نساء في مجالسها.
وقد تراجع عديد من الأشخاص الذين سمعوا المقترح، قائلين بشكل سري إنه جلب معنى جديدا لعبارة "نساء الرموز". وردا على سؤال من قبل صحيفة "فاينانشيال تايمز" حول المخطط، قالت بورصة هونج كونج، التي أعلنت الأسبوع الماضي أن أجوزين سيتنحى في مايو، إنها "لم تكن لها الأولوية من أجل التطوير".
وبعد أكثر من عامين على تعيين أجوزين، ما زالت هونج كونج تكافح من أجل الحفاظ على مكانتها كمركز مالي مهم وسط التعافي المخيب للآمال للاقتصاد الصيني بعد الجائحة وتصاعد التوترات بين بكين وواشنطن.
ويقول منتقدو أجوزين: إن فكرة رموز التنوع، وقراره في عام 2021 بدعوة مؤسس شركة إف تي إكس سام بانكمان فريد، المذموم الآن، لمخاطبة قادة البورصة، كانا حدثين مبكرين صغيرين يشيران إلى أنه قد لا يكون الرجل المناسب لقيادة البورصة خلال واحدة من أصعب الفترات التي تمر بها.
وكان تعيين أجوزين في هذا المنصب في قلب المؤسسة المالية في هونج كونج بمنزلة رهان جريء على أن رجل المبيعات الماهر الذي ارتقى بسرعة في صفوف بنك الاستثمار الأمريكي يمكن أن يساعدها على جذب عمليات الإدراج ورؤوس الأموال من جميع أنحاء العالم.
وبعد أسابيع فقط من وصول أجوزين - وهو أرجنتيني يلقب بـ"جوتشو" ولا يتحدث الصينية وكان أول شخص من غير مواطني هونج كونج أو البر الرئيس يتولى هذا المنصب - شددت بكين سيطرتها على قطاعي التكنولوجيا والتعليم الخاص في الصين. وقضت تلك الحملة على أكثر من تريليون دولار من قيمة الشركات المدرجة دوليا وأضعفت الشهية تجاه أسهم البر الرئيس التي تهيمن على سوق هونج كونج.
وانخفض سعر سهم بورصة هونج كونج بنسبة 40 في المائة منذ انضمام أجوزين وهبطت من كونها أكثر بورصة مدرجة للعموم قيمة في العالم إلى بورصة تتخلف عن منافستيها بورصة شيكاغو التجارية وبورصة إنتركونتيننتال إكستشينج.
في هذه الأثناء، من المتوقع أن تتجاوز القيمة السوقية الإجمالية لجميع الشركات المدرجة في البورصة الهندية قيمة الشركات المدرجة في هونج كونج.
ويقول أنصار أجوزين: إنه بدأ إصلاحات مهمة ورفع مكانة بورصة هونج كونج في جميع أنحاء العالم، على الرغم من مواجهة صعوبات خارجة عن سيطرته. وقال أحد مستشاري بورصة هونج كونج: إن المستثمرين الدوليين "يهربون قدر استطاعتهم بعيدا من الصين، ولا بد أن تتأثر أسواق رأس المال في هونج كونج بشدة بهذا الأمر".
وأضاف "لا أعتقد أن أي شخص آخر في هذا المنصب كان سيقدم أداء أفضل".
وانخفضت الطروحات العامة الأولية للشركات الصينية في هونج كونج - التي ساعدت على دفع بورصة هونج كونج إلى أفضل أرباح فصلية لها على الإطلاق في الشهر الذي سبق انضمام أجوزين - منذ يوليو عام 2021، عندما أوقف المنظمون في بكين عمليات الإدراج الخارجية للشركات الناشئة التي تحتفظ بكميات كبيرة من بيانات المستخدمين.
وقد جمعت الاكتتابات العامة الأولية في هونج كونج 5.3 مليار دولار فقط هذا العام، وفقا لبيانات من شركة ديلوجيك، ما يضع السوق على المسار الصحيح لتحقيق أصغر عائد سنوي لها منذ 22 عاما.
وقالت حكومة هونج كونج، أكبر المساهمين في بورصة هونج كونج، في أغسطس إنها تقوم بتشكيل "فريق عمل" لتقديم "مقترحات لتحسين" سيولة السوق للرئيس التنفيذي للمدينة، جون لي.
وكان موقف أجوزين قد ضعف بالفعل بحلول ذلك الوقت. وغادر جون باكلي، الذي أحضره أجوزين من بنك جيه بي مورجان للإشراف على ما أسماه "التحول" في البورصة، في نوفمبر 2022 بعد أقل من عام. وكان واحدا من عديد من الشخصيات البارزة التي تم تعيينها في عهد أجوزين التي غادرت بعد فترة قصيرة.
وقد سعى باكلي، بدعم من أجوزين، إلى تحسين البنية التحتية القديمة لتكنولوجيا المعلومات والعمليات الداخلية في بورصة هونج كونج، وهي مهمة غير جذابة، لكنها تعد ضرورية للمساعدة على التنافس مع المنافسين حول العالم.
لكن بعض المطلعين استاءوا من مشاركة مستشاري شركة ماكينزي، الذين تم تعيينهم للمساعدة على هذه العملية، واعتقد آخرون أن باكلي كان يتحرك بسرعة كبيرة.
وقال أحد مستشاري بورصة هونج كونج: "لم يكن لدى المؤسسة قدرة على التغيير بهذه السرعة، وكانت شهية مجلس الإدارة صفرا تقريبا". وقال موظف سابق إنه بعد رحيل باكلي، "لم يكن التواصل الداخلي يتعلق كثيرا بالتحول... لقد توقفت هذه المبادرة برمتها بسرعة".
وفي يناير، حلت بوني تشان، التي تم تعيينها الآن كخليفة لأجوزين، محل باكلي كرئيسة مشاركة للعمليات.
وقال موظف سابق: إن أجوزين أمضى معظم وقته في العمل "كسفير للشركة" وليس مديرا عمليا. لقد كان "يسافر حول العالم ويؤكد أن هونج كونج مفتوحة للأعمال التجارية... إنه متحمس للغاية لهذه المهمة".
وقال أجوزين في بيان: "أنا فخور جدا بالمبادرات والإنجازات الاستراتيجية التي حققتها بورصة هونج كونج منذ انضمامي إليها".
وقال إن البورصة "استمرت في تحقيق أهدافها" على الرغم من "الرياح المعاكسة الكبيرة" و"نفذت تغييرات مهمة في البنية التحتية من شأنها أن تضع بورصة هونج كونج في وضع النجاح المستمر لعقود قادمة".
وقالت بورصة هونج كونج، التي تمتلك أيضا بورصة لندن للمعادن، إنها حققت "تقدما استراتيجيا كبيرا" في العامين ونصف الماضيين، وذلك يشمل برامج توسيع الروابط بين البر الرئيس للصين والأسواق الدولية.
وقالت: "لقد كانت الأسواق العالمية ضعيفة، لكن المجموعة سجلت بعض أفضل نتائجها على الإطلاق، مدفوعة بالتنويع الاستراتيجي للشركة وإدارتها المالية القوية".
وتشير بورصة هونج كونج إلى مكاتب جديدة في نيويورك ولندن، إضافة إلى اتفاقيات الإدراج المزدوج مع البورصات في المملكة العربية السعودية وإندونيسيا كدليل على مكانتها الدولية المتزايدة. لكن الإدراجات غير الصينية تمثل فقط 6.6 في المائة من الأموال التي تم جمعها في بورصة هونج كونج منذ بداية عام 2022، دون تغيير يذكر عن الأعوام السابقة، وفقا لبيانات من شركة ديلوجيك.
تتمتع تشان، وهي محامية حاصلة على درجة الماجستير من جامعة هارفارد، بمكانة دولية أقل من أغوزين. وبصفتها مديرة مشاركة للعمليات، فإن مسؤولياتها تشمل الاستراتيجية و"تنمية البر الرئيس". وقال أحد الأشخاص الذين عملوا معها: إنها "عاقلة وصارمة فكريا... وليست بالضرورة قائدة متسلطة للغاية".
وستتولى تشان رئاسة بورصة هونج كونج في وقت تزعزعت فيه مكانة هونج كونج كمركز مالي. وقال روبرت لي، وهو مشرع من هونج كونج يمثل قطاع الخدمات المالية: "من وجهة نظر صناعتنا ومن دور هونج كونج كمركز مالي دولي، فإن أمامنا عمل صعب". وقال إن تشان "مفيدة، وجيدة في التواصل، ومتقبلة ومنفتحة على الاستماع إلى الأفكار".
وقد حذر أحد المسؤولين التنفيذيين الذين غادروا البورصة أخيرا زملاءه من أن بورصة هونج كونج معرضة لخطر فقدان أهميتها أمام الصين القارية. وقال المسؤول التنفيذي في وثيقة تمت مشاركتها مع زملائه قبل وقت قصير من مغادرتهم، إن الإصلاحات المستمرة في البنية التحتية للسوق المالية في البر الرئيسي "يمكن أن تزيد من الميل في ميزان النفوذ" بعيدا عن الإقليم.
وقال: "أي مناقشة حول استراتيجية بورصة هونج كونج يجب أن تضع في الحسبان أنه عند النظر إليها من وجهة نظر البر الرئيس، قد تبدو [هونج كونج] أصغر وأصغر كل عام بغض النظر عن مدى الكبر الذي قد نشعر به".