لا بديل للاستراتيجية الصناعية الخضراء «2 من 2»
يقودنا النهج الموجه نحو المهمة إلى أكثر من مجرد إنجاز المهمة. فمن الممكن أن تؤدي الإبداعات التي يحفزها إلى تأثير مضاعف ـ مع عمل الاستثمارات الأولية على حشد الاستثمار الخاص وتوليد تأثيرات غير مباشرة تعمل على تضخيم التأثير في الناتج المحلي الإجمالي. من خلال عملية حل المشكلات الأصغر في الطريق إلى القمر، أنشأنا التكنولوجيات اللازمة لكل ما نستخدمه اليوم من الهواتف المزودة بكاميرات، والبطانيات المعدنية، وحليب الأطفال، ومجموعة واسعة من التطبيقات البرمجية.
يتعين على القوى الفاعلة العامة والخاصة أن تعمل معا بكفاءة. وتتطلب إعادة توجيه الهيئات العامة حول مهام طموحة الاستعانة بمقاييس تقييم تعبر عن التأثيرات الديناميكية غير المباشرة على مستوى الاقتصاد بالكامل. لن يكون من المفيد الاستمرار في الهوس بحسابات التكلفة والعائد الدقيقة على نحو زائف في الأغلب (التي كانت لتمنع مهمة القمر من الانطلاق).
على القدر ذاته من الأهمية، ينبغي للشراكات بين القطاعين العام والخاص أن تكون تكافلية، ويجب أن يأتي التمويل العام مصحوبا بشروط لتعظيم القيمة العامة من خلال توجيه الاستثمارات في اتجاه شامل ومستدام. على سبيل المثال، من الممكن أن تـلـزم الشروط المتلقين بتقليل المحتوى من المواد في منتجاتهم وإنشاء سلاسل توريد أكثر مراعاة للبيئة.
نحن نعلم أن مثل هذه التدابير كفيلة بتحقيق الغرض منها. الواقع أن التقدم الذي أحرزته صناعة الصلب الألمانية في تبني نموذج الاقتصاد الدائري الرؤوف بالمناخ يرجع في جزء كبير منه إلى الاستراتيجية الصناعية التي تنتهجها ألمانيا. فقد شجعت السياسات العامة العمليات منخفضة الكربون بين شركات تصنيع الصلب وأنشأت أسواقا لصناعات الصلب والمواد والهيدروجين الأخضر التي تتسم بالكفاءة في استخدام الكربون. وتحتاج جميع الدول إلى خطط واسعة ومتماسكة لمواءمة الاستثمارات العامة مع التعهدات بإزالة الكربون من وسائل النقل وسلاسل التوريد عبر مختلف قطاعات الاقتصاد.
لا يقل عن ذلك أهمية أن ندرك أن التحول الأخضر لن ينجح إلا إذا كان أيضا "انتقالا عادلا". لدعم تحول العمال الضروري من الوظائف البنية إلى الوظائف الخضراء، تستطيع الحكومات أن تطلب من الشركات التي تتلقى منافع عامة مواءمة عملياتها مع الأهداف المناخية، واعتماد سياسات عمل عادلة، وإعادة استثمار الأرباح في تدريب العمال والبحث والتطوير. علاوة على ذلك، يجب أن يعمل صناع السياسات على تحفيز القطاعات البنية لحملها على الحد من بصمتها البيئية، والتخفيف من مخاطر الأصول العالقة.
لا تنتمي الاستراتيجيات الصناعية الخضراء الشاملة إلى اليسار ولا إلى اليمين. فهي تدور حول إنشاء اقتصاد يخدم الناس ويحافظ على العالم الطبيعي الذي نعتمد عليه جميعا. السؤال ليس ما إذا كنا قادرين على تنفيذ مثل هذه السياسات، بل ما إذا كان بوسعنا أن نتحمل العواقب المترتبة على التقاعس عن القيام بذلك. يتعين على الزعماء السياسيين البريطانيين -المحافظين والعمال على حد سواء- أن يدركوا الإمكانات العميقة التي تحملها مثل هذه الاستراتيجيات.
خاص بـ" الاقتصادية"
بروجيكت سنديكيت، 2023.