مذكرات مصرفي ألماني تضاف إلى متاعب أولاف شولتز السياسية

مذكرات مصرفي ألماني تضاف إلى متاعب أولاف شولتز السياسية

عندما قام أحد المالكين المشاركين لأحد أقدم البنوك الخاصة في ألمانيا بالضغط سرا على أولاف شولتز بشأن قضية ضريبية عام 2016، كان يدرك تماما المخاطر المترتبة على السياسي الألماني.
"لا أريد أن ألحق العار به بأي شكل من الأشكال"، كما أشار كريستيان أوليريوس، رئيس شركة إم إم واربورج، في مذكراته في أكتوبر 2016.
في ذلك الوقت، كان شولتز عمدة مدينة هامبورج، وقد التقى به أوليريوس للمطالبة بإعفاء ضريبي، وفقا للائحة الاتهام ضد المصرفي التي اطلعت عليها صحيفة "فاينانشال تايمز".
لكن رغم كل جهوده لحماية شولتز، فإن مذكرات المصرفي تثبت أنها متفجرة سياسيا بالنسبة إلى المستشار الألماني. بعد مصادرتها من قبل المدعين العامين والاستشهاد بها على نطاق واسع في القضية المرفوعة ضد أوليريوس بسبب مخالفات ضريبية، فهي سجل مكتوب للاجتماعات التي يصر شولتز على أنه لا يستطيع تذكرها.
من الممكن أن تكشف المحاكمة، التي بدأت في سبتمبر في بون ومن المقرر أن تستمر في العام المقبل، عن مزيد من التفاصيل بينما يواجه المستشار الاقتتال الداخلي في الائتلاف وتراجع الدعم الشعبي له وتدهور الاقتصاد في أوروبا.
تذكر لائحة الاتهام المؤلفة من 371 صفحة ضد أوليريوس المستشار 28 مرة. كما يشير المدعون إلى أن المصرفي البالغ من العمر 81 عاما قدم تبرعا بقيمة 13 ألف يورو لحزب شولتز خلال حملة الضغط التي قام بها. بعد أسابيع من اجتماعين بين أوليريوس وشولتز أواخر 2016، غيرت هيئة الضرائب في هامبورج وجهة نظرها فجأة وأسقطت مطالبة بقيمة 47 مليون يورو كان من المفترض أن تدفعها شركة واربورج.
قال شولتز مرارا وتكرارا إنه لا يمكنه أن يتذكر ما ناقشه مع أوليريوس. ويصر على أنه لم يتدخل على الإطلاق في قرار هيئة الضرائب في المدينة لمصلحة البنك.
رفض متحدث باسم مكتب المستشار الألماني التعليق.
قال المدعون في كولونيا، الذين داهموا هيئة الضرائب في هامبورج مرتين، إنه لا توجد أدلة كافية لتسمية شولتز كمشتبه به في تحقيقاتهم في هذه المسألة. وهم يستهدفون بدلا من ذلك أحد كبار مسؤولي الضرائب الذي كان مسؤولا عن التعامل مع شركة واربورج والمسؤول عن القرارات المتساهلة.
لكن عددا من علامات التحذير، التي تشمل تسلسل الأحداث، والوثائق المفقودة والبيان العام غير الدقيق لسلطات هامبورج، ألقت بظلال من الشك حول ما حدث بالفعل وراء الكواليس.
عندما عرض أوليريوس قضيته على شولتز شخصيا، "استمع السياسي باهتمام وطرح أسئلة ذكية"، كما كتب المصرفي في مذكراته. وأشار أيضا إلى أن شولتز "لم يعد بأي شيء" و"لم يوضح ما إذا كان سيتصرف وكيف". ومع ذلك، أخبره شولتز أنه "يتوقع" أن يظل المصرفي على اتصال بشأن مسألة الضرائب، مؤكدا له أن بابه مفتوح دائما.
خلال الاجتماع الثاني، سلم أوليريوس شولتز مسودة وثيقة توجز حجج البنك، وفقا للمذكرات. وبعد بضعة أيام، اتصل به شولتز واقترح إرسال الوثيقة إلى السيناتور المالي في هامبورج، دون إضافة أي تعليقات شخصية إضافية.
فعل أوليريوس ذلك، وقام السيناتور المالي بعد ذلك بإرسال الوثيقة إلى المسؤولين العاملين على القضية. وفي مذكرة مكتوبة بخط اليد، كشف عنها المدعون، طلب السيناتور المالي تحديثا حول "الوضع".
وبعد أيام، غير مكتب الضرائب وجهة نظره لمصلحة شركة واربورج، وأسقط مطالبته بمبلغ 47 مليون يورو فيما وصفه في السابق بمبالغ مستردة من الضرائب غير المشروعة التي يتلقاها البنك. وجرى إطلاع السيناتور المالي الذي اقترح شولتز أن يتم الاتصال به على القرار، وفقا للائحة الاتهام.
قال جيرهارد شيك، النائب السابق عن حزب الخضر ورئيس مجموعة الضغط المالية فينانزويند، مجموعة ضغط للإصلاح المالي: "من الواضح جدا أن مصرفيا ثريا نجح في التأثير على عملية صنع القرار العام لمصلحته"، مضيفا أن صناع السياسات حاولوا لاحقا أيضا عرقلة التحقيقات في هذه المسألة.
"ما هو على المحك هنا هو مبدأ أساسي للغاية: سيادة القانون في مجتمع ديمقراطي". وأضاف أن الثغرات الهائلة في ذاكرة شولتز "لا يمكن تصديقها".
ما يجعل الفضيحة سامة بشكل خاص هو حقيقة أن المبالغ المستردة من الضرائب التي غيرت هامبورج رأيها بشأنها كانت مرتبطة بصفقات تبادل أسهم مثيرة للجدل يطلق عليها اسم كم-إكس. سميت هذه المعاملات على اسم المصطلح اللاتيني الذي يعني "مع" و"بدون"، واستغلت هذه المعاملات خللا في التصميم في قانون الضرائب الألماني. وقد خدع المشاركون، بما في ذلك شركة واربورج، السلطات الضريبية لاسترداد ضريبة الأرباح التي لم يتم دفعها في المقام الأول.
يزعم أوليريوس أنه يعتقد أن المعاملات كانت قانونية. وينفي ارتكاب أي مخالفات ولم يتناول حتى الآن تعاملاته مع شولتز في المحكمة.
لم تؤت حملة الضغط الواضحة التي قام بها ثمارها في النهاية. حيث خسر إلى جانب شركة واربورج سلسلة من الدعاوى القضائية، بما في ذلك أمام محكمة العدل الفيدرالية، التي قضت بأن صفقة كم-إكس كانت مخططا للاحتيال الضريبي. منذ أوائل 2020، قامت شركة واربورج بسداد ما مجموعه 250 مليون يورو لسلطات الضرائب. وفي بيان على موقعه على الإنترنت، أقر البنك بأن "التقييمات الضريبية للمعاملات في صفقة كم-إكس التي أجرتها مجموعة واربورج تبين أنها خاطئة".
أصبحت صفقة كم-إكس فضيحة سياسية مكتملة الأركان منذ 2021، عندما تبين أن سلطات هامبورج قد فشلت في الكشف عن الاجتماعات بين شولتز وأوليريوس. وعندما سئل حزب دي لينك اليساري المتشدد في برلمان ولاية المدينة عام 2019 عما إذا كانت هناك أي مناقشات بين مجلس الشيوخ والبنك حول قضية الضرائب، وما إذا كان شولتز متورطا، ردت الحكومة المحلية: "لا".
بحلول ذلك الوقت، كان شولتز قد انتقل للعمل كوزير للمالية في الحكومة السابقة بقيادة أنجيلا ميركل. وتم انتخابه مستشارا عام 2021.
عند سؤاله عن الإجابة المضللة، أخبر مجلس شيوخ هامبورج صحيفة "فاينانشال تايمز" أنه "لم يدل ببيانات غير دقيقة"، بحجة أن الأسئلة كانت ذات تركيز ضيق.
قال فابيو دي ماسي، النائب السابق عن حزب دي لينك والناشط في مكافحة الفساد: "لم تقدم حكومة هامبورج قط تفسيرا مقنعا للإجابة الخاطئة".
أخبر دي ماسي صحيفة "فاينانشال تايمز": "لقد تم انتهاك جميع الحدود في هذه القضية"، مضيفا أنه "لا يحق لأي مواطن المساومة بشأن فاتورته الضريبية مع السياسيين، فضلا عن المساومة بشأن الكسب من الاحتيال الضريبي".
وتوضح مذكرات المصرفي أنه حتى مسؤول الضرائب الذي كان مسؤولا عن هذه المسألة أوصى البنك "بالسعي للحصول على الدعم السياسي" صيف 2016. ويصف أوليريوس أيضا كيف أن سياسيا كبيرا سابقا من هامبورج وديمقراطيا اشتراكيا، الذي أصبح مستشارا مدفوع الأجر لشركة واربورج، تواصل مع شولتز قبل اجتماعات المصرفي مع العمدة.
وبحسب المذكرات، فقد أخبر المستشار أوليريوس أن "شولتز يبحث في الأمر". بعد القرار الضريبي عام 2016، أخبر المستشار أوليريوس أنه مسؤول جزئيا عن التحول الإيجابي.
وفي 2017، أشارت هامبورج إلى أنها على استعداد للتنازل عن مطالبة ضريبية أخرى بقيمة 57 مليون يورو ضد شركة واربورج. وقد تم منع ذلك، في اللحظة الأخيرة، بتدخل نادر من قبل وزارة المالية في برلين. كما أسقطت الحكومة الفيدرالية في وقت لاحق صفقة بين هيئة الضرائب في هامبورج وواربورج، كان من شأنها أن تخفض إجمالي فاتورة الضرائب بمقدار 124 مليون يورو.
على مدى عدة أعوام، كانت هيئة الضرائب في هامبورج "مستعدة بشكل مثير للريبة لأخذ مصالح شركة إم إم واربورج في الحسبان عند اتخاذ القرار"، حسبما زعم المدعون الجنائيون في كولونيا في وثائق منفصلة اطلعت عليها صحيفة "فاينانشال تايمز". ويشيرون أيضا إلى أن أوليريوس أدرج كثيرا من الأفراد في ملاحظات مكتوبة بخط اليد والذين ينبغي توجيه الشكر لهم بعد القرار. وتضمنت تلك القائمة شولتز، إضافة إلى علامة اختيار خلف اسمه.
بعد مداهمة هيئة الضرائب في هامبورج، فوجئ المدعون باكتشاف نقص مثير للريبة في الاتصالات عبر البريد الإلكتروني حول قضية شركة واربورج بين المسؤولين. وأشاروا إلى أنه "بالنسبة إلى مسألة ضريبية بهذا النطاق والقوة التفجيرية، من المتوقع وجود عدد أكبر بكثير من الوثائق والمراسلات".
كما لاحظوا تناقضات واضحة أخرى: رغم وجود عدد قليل من رسائل البريد الإلكتروني حول صفقة كم-إكس وشركة واربورج، فقد عقد عدد من الاجتماعات حول هذا الموضوع، كما أظهرت المذكرات. ويقول المدعون إن كل هذا، وغيره من الأدلة الظرفية، يمكن أن تشير إلى "الحذف الانتقائي" للبيانات قبل المداهمة.
ويريد حزب الديمقراطيين المعارض التحقيق في الأحداث التي وقعت في هامبورج كجزء من تحقيق برلماني. لكن حكومة شولتز رفضت اقتراحا بتشكيل لجنة مخصصة لأسباب إجرائية، وقد تقدمت المعارضة الآن باستئناف أمام المحكمة الدستورية.
وقال ماتياس هاور، النائب المحافظ الذي يستعد لرئاسة التحقيق البرلماني المحتمل: "أحد الأسئلة الرئيسة هو ما إذا كان هناك تدخل سياسي في عملية صنع القرار لدى سلطات الضرائب في هامبورج، والسؤال الآخر هو مصداقية المستشار. من المحتمل أن يكون شولتس قد قدم روايات غير دقيقة للجمهور والبرلمان".

الأكثر قراءة