في عقد فوضوي .. آسيا النجم الساطع

في عقد فوضوي .. آسيا النجم الساطع

أثبتت عشرينيات القرن الحالي أنها عقد فوضوي بالنسبة إلى المستثمرين. تعمل الصدمات المتكررة على تقصير آفاق مديري الصناديق. لكن الأزمات تؤدي أيضا إلى ظهور اتجاهات جديدة طويلة الأمد. لذلك، من المرجح أن يكون التخصيص الناجح للأصول، بما فيه تنويع المحافظ لتشمل آسيا، مختلف بشكل ملحوظ عما كان عليه في العقدين الأول والثاني من القرن الـ21.
أمضى المستثمرون الأعوام القليلة الماضية في التعامل مع الجائحة، والحرب الروسية الأوكرانية، ومحاولة عنيفة لقلب الانتخابات الأمريكية، والآن الحرب في الشرق الأوسط. في المقابل، كان العقدان الأولان من القرن صاعقين أيضا، لكن الأحداث الأكثر أهمية -هجمات 11 سبتمبر 2001، وحرب العراق، والأزمة المالية العالمية، وأزمة ديون منطقة اليورو، وانخفاض قيمة العملة الصينية في 2015- كانت صادمة أكثر.
وهكذا كان مديرو المحافظ يكافحون الصدمات الواحدة تلو الأخرى. لكن الجائحة والحرب والشعبوية من المتوقع أن تقود بعض الاتجاهات الواضحة لبقية العقد.
أولا، من المرجح أن يظل التضخم وأسعار الفائدة مرتفعين بشكل ملحوظ خلال عشرينيات القرن الحالي. يتزايد الإنفاق المالي بشكل حاد على الرعاية الصحية والدفاع وأمن الطاقة وتغير المناخ ومكافحة عدم المساواة. وفي الوقت نفسه، تعمل الشركات على إعادة تشكيل سلاسل التوريد العالمية، ما يزيد من الضغوط التضخمية. ثانيا، تجبر صدمات الأعوام القليلة الماضية المنافسين الجيوسياسيين على البحث عن الأمن في قطاعات متنوعة كالتكنولوجيا والرعاية الصحية والغذاء والطاقة والمعادن.
ومن ثم، من المرجح أن يختلف تخصيص الأصول طويلة الأجل في عشرينيات هذا القرن بشكل كبير عما كان عليه في العقدين الماضيين، إذ ستصب أسعار الفائدة المرتفعة في مصلحة أسهم وسندات الشركات ذات الميزانيات العمومية المتفوقة. والمخاوف بشأن الأمن والتضخم ستفيد السلع وكذلك شركات التكنولوجيا. وستتطلب زيادة عدم اليقين وجود محافظ استثمارية متنوعة على المستوى العالمي.
في هذه البيئة الناشئة الجديدة، سيكون لآسيا دورا بارزا بالنسبة إلى المستثمرين. من المرجح أن تؤدي الشركات القوية والموارد الاستراتيجية والاقتصادات الأقل ترابطا إلى تحفيز المعاكسين لاتجاه المستثمرين الآخرين على زيادة الانكشاف بدلا من التراجع بسبب العلاقات المتوترة بين واشنطن وبكين.
في بداية القرن، نظر مديرو الصناديق إلى المنطقة من خلال عدسة "آسيا باستثناء اليابان"، حيث كان ثاني أكبر اقتصاد في العالم يستسلم للانكماش. وبعد عقدين من الزمن، هناك مخاوف مشابهة وتوترات جيوسياسية تجعل مديري الصناديق يفكرون في استراتيجيات "آسيا باستثناء الصين". ولكن في غياب صراع عسكري صريح، فإن أسواق الصين ستظل مهمة بالنسبة إلى المستثمرين العالميين غير المقيدين.
من المتوقع أن ينخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي للصين من المستويات الحالية البالغة 5 في المائة سنويا إلى ما يقارب 4 في المائة بحلول نهاية عشرينيات القرن الحالي، حيث تؤدي الديون والتركيبة السكانية والنزاعات مع الولايات المتحدة إلى تباطؤ معدلات الاتجاه. ولكن عقدا من النمو السنوي الذي يتجاوز 4 في المائة من شأنه أن يؤدي إلى زيادة حجم الاقتصاد الصيني بمقدار النصف. يتم تداول الرنمينبي عند أدنى مستوياته مقابل الدولار منذ الأزمة المالية في 2008، كما أن تقييمات الأصول المحلية متواضعة. ويعني ذلك أن مديري الصناديق الذين يبحثون عن شركات عالية الجودة، والانكشاف على القطاعات التي تعد أساسية للأمن طويل الأجل، والتنويع الدولي، سيظلون يتطلعون إلى الحفاظ على مخصصات كبيرة للصين.
في المقابل، فإن المستثمرين القلقين بشأن الأخطار الجيوسياسية قد يقللون من حيازاتهم أو يتخلصون منها حتى في أكبر اقتصاد في آسيا. لكن مديري الصناديق الحذرين سيظلون قادرين على بناء محافظ استثمارية متنوعة عبر زيادة مخصصاتهم للاقتصادات الإقليمية المرتبطة بشكل وثيق بالصين، بما في ذلك اليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة وإندونيسيا وأستراليا.
في هذا العام، وصلت الأسهم اليابانية إلى أعلى مستوياتها منذ ثلاثة عقود مع عودة التضخم أخيرا، وبقاء بنك اليابان حذرا، وتحسن حوكمة الشركات. كما أن الروابط التجارية القوية مع الصين، والعلاقات السياسية الوثيقة مع الولايات المتحدة، وضعف الين، اجتذبت أيضا المستثمرين العالميين. لكن مديري الصناديق الذين يبحثون عن بدائل للصين سيأخذون في الحسبان اقتصادات آسيوية أخرى أيضا. تمتلك كوريا الجنوبية شركات تكنولوجيا عالمية المستوى، وفي سنغافورة صناديق استثمار عقارية عالية الجودة، وفي إندونيسيا وأستراليا طاقة ومعادن بما في ذلك النيكل والنحاس والليثيوم.
وأخيرا، فإن المستثمرين الذين يسعون إلى الحد من الانكشاف على الصين وتحقيق ارتباطات أقل مع الأسواق العالمية سيرفعون مخصصاتهم للهند خلال عشرينيات هذا القرن. ويتوسع الاقتصاد الكبير الأسرع نموا في العالم بنحو 6 في المائة إلى 7 في المائة سنويا بسبب التركيبة السكانية المواتية والإصلاحات المجتمعة. وأسواق الهند المغلقة نسبيا أقل عرضة للصدمات الخارجية.
لذلك، من المرجح أن تحتل آسيا مكانة بارزة رغم المخاوف الجيوسياسية. ومن شأن الشركات القوية والقطاعات الاستراتيجية والاقتصادات المتنوعة في المنطقة أن تمكن المستثمرين من استغلال الاتجاهات طويلة المدى الناشئة عن الصدمات في بداية العقد.

*كبير الاقتصاديين في بنك سنغافورة

الأكثر قراءة