منتجو الأغذية يلجأون إلى الأسمدة الخضراء لتقليل البصمة الكربونية
من خبز الباجيت إلى المشروبات، يسارع كبار صانعي المواد الغذائية والمشروبات في العالم إلى تقليل بصمتهم الكربونية عبر معالجة أحد الأسباب الخفية للانبعاثات في سلاسل القيمة الخاصة بهم: الأسمدة.
قبل قواعد الإفصاح عن انبعاثات غازات الدفيئة عبر سلاسل التوريد الخاصة بها والتي سيتم سنها العام المقبل، لجأت الشركات بما في ذلك بيبسيكو، ونستله إلى الشركات الناشئة في مجال الأسمدة الخضراء للمساعدة على معالجة مستويات الانبعاثات.
تدعم مغذيات المحاصيل إنتاج نصف الغذاء في العالم لكنها تسهم في انبعاث كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون في الوقت نفسه. حيث تمثل الأسمدة المستخدمة في المكونات الزراعية نحو 15 في المائة من إجمالي الانبعاثات الصادرة عن سلاسل توريد بعض المشروبات و35-40 في المائة للخبز، وفقا لخبراء الصناعة.
تشكل الأسمدة والسماد الزراعي القائم على النيتروجين 5 في المائة من انبعاثات غازات الدفيئة العالمية، وتنتج 2.6 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون سنويا، أي أكثر من الطيران والشحن العالميين مجتمعين، وفقا لبحث نشرته مجلة "نيتشر فود".
ويقول بيتر أوستبو، الرئيس التنفيذي لأطلس أجرو، شركة ناشئة للأسمدة الخضراء مقرها سويسرا: "الأسمدة النيتروجينية مصدر الانبعاثات الأعلى بالنسبة إلى معظم الأطعمة"، خاصة بالنسبة إلى الخبز والحبوب.
ويشير إلى أنه ينبغي أن يكون من السهل خفض الانبعاثات الناجمة عن مغذيات المحاصيل، مضيفا: "التكنولوجيا موجودة وقادرة على المنافسة... كل ما نحتاجه هو أن يصبح منتجو الأغذية على وعي وأن يقدموا الدعم".
ويؤكد مصنعو المواد الغذائية أنهم يدركون الحاجة إلى التغيير، إذ يقول مات رايان، الذي يقف وراء جهود شركة نستله في مجال الزراعة المتجددة في المملكة المتحدة: "إننا أكبر شركة للمواد الغذائية والمشروبات في العالم، لذا إذا لم نكن نحتل مكانة رائدة في هذا المجال، فما الأمل الذي سيشعر به الآخرون؟".
وبدءا من يناير، ستكون الشركات المسجلة في الاتحاد الأوروبي ملزمة بالإبلاغ عن البصمة الكربونية لسلاسل التوريد الخاصة بها بالكامل، والمعروفة باسم انبعاثات "النطاق 3". وتعمل الولايات المتحدة على وضع قواعد مشابهة للإفصاح، رغم تأخير هذه اللوائح.
بينما ينتج تصنيع الأسمدة ثاني أكسيد الكربون - ما يمثل نحو 1.5 في المائة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية - بمجرد تطبيقه على الأرض، تقوم الميكروبات الموجودة في التربة بتفكيك العناصر الغذائية للمحاصيل، ما يؤدي إلى إنتاج أكسيد النيتروز، الذي له تأثير احتراري أكبر من تأثير ثاني أكسيد الكربون بـ265 مرة.
وفي مواجهة التغييرات التنظيمية، كثفت الصناعة وشركاؤها الجهود لإنتاج أمونيا منخفضة الكربون - عنصر حاسم في الأسمدة القائمة على النيتروجين - والممارسات التي تعمل على تحسين ما يسمى كفاءة استخدام النيتروجين.
باول كيسيليوسكي، الرئيس التنفيذي لشركة سي سي إم تكنولوجيز، من بين مؤسسي الشركات الناشئة الذين يستفيدون من الاهتمام المتزايد بالأسمدة الخضراء.
تقوم الشركة بخلط ثاني أكسيد الكربون الذي يتم التقاطه من الأنشطة الصناعية مع المواد العضوية، بما في ذلك الحمأة الناتجة عن محطات الصرف الصحي والمنتجات الثانوية من مصانع الأغذية، لإنتاج مغذيات المحاصيل.
كما دخلت في شراكة مع شركتي نستله وكارجيل، وذلك باستخدام قشور الكاكاو من موقع للحلويات في يورك، إنجلترا، حيث يقوم تاجر المنتجات الزراعية بمعالجة الكاكاو لمنتجات نستله مثل كيت كات. ويتم بعد ذلك استخدام الأسمدة منخفضة الكربون المنتجة في 120 مزرعة صالحة للزراعة في سلسلة توريد شركة نستله في سوفولك ونورثامبتونشاير.
ويقول رايان إنه بالنسبة إلى محاصيل مثل القمح، تمثل الأسمدة نصف إجمالي الانبعاثات المنتجة، مضيفا: "هناك فرصة مزدوجة هنا لتقليل النفايات وخفض انبعاثات النطاق 3".
ويوضح كيسيليفسكي أن عملية تصنيع الأسمدة الخاصة بشركة سي سي إم، التي تم اعتمادها من قبل كاربون ترست، ستساعد على تقليل الانبعاثات بنسبة 70 في المائة على الأقل، مشيرا إلى أن الشركة تخطط لمضاعفة إنتاجها ثلاث مرات خلال الأعوام القليلة المقبلة والتوسع في أوروبا.
كما تعمل تيسكو، أكبر شركة لبيع المواد الغذائية بالتجزئة في المملكة المتحدة، مع شركات تصنيع الأسمدة منخفضة الكربون، بما في ذلك كثير من الشركات الناشئة مثل شركة سي سي إم. وقالت شركة البيع بالتجزئة إنه بعد التجارب الميدانية الأولية التي أنتجت الخضراوات بما في ذلك الخس، والجزر والبطاطس مع انخفاض بنسبة 50 في المائة في مستويات الانبعاثات، بدءا من 2024، ستزيد مساحة التجربة عشرة أضعاف إلى 13 ألف هكتار.
ووجدت شركة تي إتش كليمينتس، إحدى منتجي الخضراوات المشاركين، أنه في نهاية العام الأول، كانت جودة المنتج "تقريبا متماثلة" وكانت الإنتاجية أقل لكنها ليست بعيدة عن الإنتاج الطبيعي. ويقول مدير الزراعة في المجموعة، بيتر تايلور، إن هناك "انفجارا محتملا" في الطلب على الأسمدة منخفضة الكربون، حيث تشهد الزراعة تغييرا هائلا للغاية.
ومع أن الاستثمارات في شركات الأسمدة المنخفضة الكربون تلقت دفعة قوية من الارتفاع في أسعار مغذيات المحاصيل التقليدية في أعقاب كوفيد- 19 والحرب في أوكرانيا، إلا أن المنتجات البديلة تظل باهظة الثمن جزئيا بسبب الكميات الصغيرة المنتجة.
ورغم أنها تحمل كثيرا من الوعود، كما هي الحال مع كثير من الابتكارات الزراعية، إلا أن مستويات الإنتاج تظل محدودة ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار. وقالت ألزبيتا كلاين، رئيسة الرابطة الدولية للأسمدة، إنه "لم يتم توسيع نطاق أي من هذه التكنولوجيات الجديدة بعد". وأضافت: "الباب مفتوح أمام كل حل".
ويعتقد بعض المسؤولين التنفيذيين أن التحول إلى مغذيات المحاصيل منخفضة الكربون يتطلب دعما من الدولة. وقال إدوارد بينز من شركة إنفيفو إن اللوائح التنظيمية المتعلقة بانبعاثات النطاق 3 كانت ضرورية لكنها ليست كافية وأن هناك حاجة إلى إعانات حكومية لسد الفجوة السعرية بين الأسمدة التقليدية والبدائل منخفضة الكربون - حاليا نحو 200 دولار للطن.
ويقول خوسيه أنطونيو دي لاس هيراس، الرئيس التنفيذي لشركة فيرتياي، إن سوق المنتجات منخفضة الكربون صغيرة للغاية اليوم لدرجة أنها بالكاد كانت موجودة، مضيفا: "مكلفة للغاية ومحدودة للغاية فهي سوق تجريبية أكثر منها حقيقية. والتغيير عبر الصناعة ككل يحدث ببطء شديد".
ستنخفض الأسعار مع زيادة الكميات، لكن لكي يحدث هذا يجب أن تعمل المجموعات الغذائية معا، كما اعترف ريان من شركة نستله.
ويضيف ريان: "لسنا أبدا المشتري الوحيد لمنتجات المزارعين، وشركة نستله ستكون مهتمة بإنشاء مركز لإنتاج الأسمدة منخفضة الكربون في المملكة المتحدة مع شركة بيبسيكو إذا تمكنا من العثور على موقع مناسب".