الاستثنائية الأمريكية .. هل يستحق رهن عقاري لأجل 30 عاما العناء؟
هناك مقاييس عديدة توضح مدى التشوه الذي أصاب سوق الإسكان في الولايات المتحدة. مع أن تكاليف الاقتراض بلغت أعلى مستوياتها منذ 20 عاما، إلا أن الأسعار تحوم بالقرب من مستويات قياسية مع وصول مؤشرات القدرة على تحمل تكاليف ملكية المنازل إلى أدنى مستوياتها منذ أكثر من 30 عاما. كما تراجع نشاط المبيعات إلى مستويات لم نشهدها في غير الأزمات المالية الكبرى.
فهل من الممكن أن تكون في سوق الإسكان في الولايات المتحدة سمة غير عادية، لكنها محل تقدير كثيرين، قد أسهمت في هذا الوضع؟
تهيمن القروض العقارية ذات الفائدة الثابتة لأجل 30 عاما في الولايات المتحدة، ويختارها نحو 90 في المائة من جميع مشتري المساكن. فهي، بالنسبة لمعجبيها، بمنزلة حجر زاوية للحلم الأمريكي. في كل مكان آخر تقريبا في العالم، لا يمكن لمشتري المنازل إلا أن يحلموا بمثلها لأنهم يدفعون في الأغلب أسعار فائدة متغيرة أو يواجهون فترات سداد أقصر. في الولايات المتحدة، لا تتاح هذه القروض إلا بتدخل حكومي في الأغلب، حيث تضمن وكالتا فاني ماي وفريدي ماك الحكوميتان قروضا عديدة.
لكنها أصبحت موضوعا ساخنا في الولايات المتحدة بسبب الانخفاض الحاد في المنازل المعروضة للبيع. وبما أن نحو ثلاثة أرباع أصحاب المساكن يدفعون 4 في المائة أو أقل على قروضهم العقارية، فإنهم "عالقون" في منازلهم الحالية لأن رهنا عقاريا جديدا يعني أن يدفعوا أكثر من 7 في المائة. وقد أدى ذلك إلى انخفاض عدد المنازل المعروضة للبيع، ودعم ارتفاع الأسعار.
بعد أيام من نشره، أثار عمود نقدي نشر حديثا في صحيفة نيويورك تايمز حول الرهن العقاري لأجل 30 عاما رد فعل قوي كتبه الخبير الاقتصادي جيمس جالبريث في صحيفة ذا نيشن. يؤكد مؤيدو الرهن العقاري لأجل 30 عاما ذي الفائدة الثابتة، مثل جالبريث، أن أصحاب المنازل يستحقون الحماية وأن لدى المقرضين طرائق أكثر لتجنب مخاطر القروض.
يقول: "هذا فقط يقلل من عدم اليقين الذي يكتنف امتلاك منزل ما، وهو ما كان الهدف بالطبع. ما تحصل عليه عندما تقترض هو ضمان أنك لن تتعرض لمخاطر التطورات السلبية (...) لأي فترة غير محددة تختارها".
يحذر منتقدو الرهن العقاري لأجل 30 عاما من أنه بصرف النظر عن أنه يحد من معروض العقارات في السوق عندما ترتفع أسعار الفائدة، فإن الرهن العقاري لأجل 30 عاما يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع أسعار المنازل لأن توزيع الأقساط على مدى أطول، مقارنة بـ20 عاما الشائعة في الدول الأخرى، يرفع المبلغ الإجمالي الذي يستطيع المقترض تحمل اقتراضه، وبذلك يمكن إعطاء سعر أعلى.
إن هذه العوامل تصعب الأمور على المقترضين من ذوي الدخل المنخفض، بمن فيهم المشترين لأول مرة، الذين يواجهون سوقا فيها عدد أقل من المنازل المناسبة وقدرتهم المنهكة على تحمل التكاليف.
منذ 2012، شهدت المنازل منخفضة الأسعار، التي يتتبعها معهد المؤسسات الأمريكية، ارتفاع 150 في المائة في الأسعار، أي نحو نصف ارتفاع الأسعار الذي حققته المنازل ذات الأسعار المتوسطة والمرتفعة. يعد العرض عاملا مهما، فشريحة السوق ذات السعر المنخفض لا تعود بربح كبير للمطورين.
ضغط ارتفاع الأسعار على مستويات الدين نسبة إلى الدخل، ما أدى إلى ارتفاع عدد حالات التخلف عن السداد. احتمال الحجز على المنازل المرهونة كبير في الأعوام الأولى، حين تكون مواصلة سداد الأقساط مهمة شاقة. وهي أيضا الفترة التي يكون فيها هيكل دفعات القروض لأجل 30 عاما هو الأقسى، وذلك لأن الفائدة مفروضة على مبلغ القرض القائم، ولأن جزءا كبيرا من كل دفعة يغطي الفائدة، وليس حصة المالك من المنزل، في تلك الأعوام الأولى، وبذلك يترك المقترض المطرود مستحقا لحصة قليلة من المنزل مقارنة بما بذله.
إن خمسة أعوام من سداد قرض بأجل 30 عاما بقيمة 326 ألف دولار -وهي القيمة الأعلى من فئة الأسعار المنخفضة حسب معهد المؤسسات الأمريكية- بمتوسط سعر الرهن العقاري الجديد الحالي البالغ 7.17 في المائة سيعطي المقترض نحو 19 ألف دولار من حقه في ملكية المنزل حينها، دون حساب ارتفاع قيمة المنزل أو دفعة أولى. لو كان أجل القرض 20 عاما، لكان المقترض قد سدد مبلغ 44 ألف دولار لأن فاتورة الفائدة الإجمالية أقل بكثير.
يقول إدوارد بينتو، رئيس مركز الإسكان التابع لمعهد المؤسسات الأمريكية الذي طالما انتقد الرهون العقارية لأجل 30 عاما: "إن فئة المساكن الدنيا تشبه الأفعوانية، في حين أن الفئة العليا تشبه الانزلاق السلس عبرها لأنهم يتمتعون بالقدرة على البقاء - بالقدرة الائتمانية الأفضل. عادة ما يكون المقترضون من ذوي الدخل المنخفض هم آخر من يدخل دورة صعود السوق وتشهد المنازل ذات الأسعار المنخفضة تقلبات أكثر في الأسعار عادة".
مع ذلك، لا يبدو أن القروض لأجل 30 عاما ذات الفائدة الثابتة كان لها تأثير كبير على مستويات ملكية المنازل الفعلية. نحو ثلثي الأمريكيين يحملون رهنا عقاريا أو يمتلكون مسكنهم بالكامل، وفقا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وهذا يتناسب مع كندا والمملكة المتحدة - وهما دولتان حريصتان بالمثل على ملكية المنازل، لكنهما تقدمان عادة "معدلات تشويقية" بأسعار فائدة ثابتة قصيرة الأجل في البداية ثم تفرضان أسعار فائدة معومة.
على الرغم من كل هذا الجدل المحتدم، فإن إجراء تغييرات على هذه السمة الخاصة من الاستثنائية الأمريكية غير مرجح عما قريب كما يبدو، خاصة مع دخول الولايات المتحدة عام الانتخابات. كما أن الأمريكيين مولعون جدا بيقين معدلات الفائدة الثابتة. قال أحد الأمريكيين، وهو زميل كاتب في "فاينانشيال تايمز"، عن قرض منزله: "إنه جيد للغاية". ربما لا تمتلك السمة أقوى الأسس المالية، لكن هذا الشعور تجاهها ربما يكون العائق الأكبر أمام إدخال أي تعديل عليها.