ثمار 37 عاما من الصحافة المالية

ثمار 37 عاما من الصحافة المالية

عندما بدأت مسيرتي المهنية صحافيا ماليا في عام 1987، كان عدد قليل من رجال الحي المالي لا يزالون يرتدون قبعات البرنيطة. وفيما أستعد للتقاعد في نهاية العام، فإن ربطات العنق هي الملابس الرجالية المهددة بالانقراض.
تألفت الخدمات المالية آنذاك من وسطاء يربطون رؤساء الشركات بالمستثمرين لتكوين رأس المال عبر الأسواق العامة. لقد تقلص هذا المجال مع نمو المؤشرات والأتمتة ورأس المال الخاص. لكن بعض الثوابت العالمية ستنطبق دائما. كنت أجهل هذه الأمور بكل سرور حين كنت مراسلا غرا. لقد أصبحت تلك الأمور موضع تركيز شديد منذئذ.

أولا: الحوافز الفردية تصب في مصلحة عدم الاستقرار الجماعي. لقد رأيت ست تصحيحات خطيرة في السوق، بدءا من الإثنين الأسود في انهيار 1987 وانتهاء بالاضطراب الذي شهدته الولايات المتحدة العام الماضي.
وفي مثل هذه الأوقات، يتساءل الخبراء: "ألم يتعلم أحد من دروس الماضي؟"
لماذا قد يفعلون ذلك؟ الحوافز الشخصية لا تشجع على تغيير السلوك. الانهيار محتمل إذا حولت أعواما عدة من تضخم أسعار الأصول إلى مكافآت نقدية. لا تسهم حقيقة ضرر الانهيارات على المجتمع في أبطال تأثير مثل هذه الحوافز إلا إسهاما ضعيفا وذلك باللجوء إلى التنظيم. يقلل هذا عادة عوائد المالكين بدلا من الوكلاء. رأى الحكيمان الاقتصاديان هايمان مينسكي وجيه كيه جالبريث أن الأسواق غير مستقرة بالفطرة. كانا على حق.

ثانيا: إنك لا تسمع صوت الرصاصة التي تصيبك. أحرجت الملكة اليزابيث الثانية خبراء الاقتصاد خلال الأزمة المالية في الفترة 2007 - 2008 كما يعتقد عندما سألت "لم لم يتوقع أحد حدوث هذا؟"
لقد تصور محللون حدوث أزمات عديدة. لكن لم يتصور أحد أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة. بدلا من ذلك، كانت هناك مخاوف مزعجة من تداع في تجارة مبادلة فائدة العملات الآسيوية، وهي مراجحة بين أسعار الفائدة في مختلف الاقتصادات. لم يحدث ذلك. ولم يكن من المرجح أن تؤدي متاجرة مراجحة الأساس إلى انهيار النظام المالي. هذه المراجحة واسعة النطاق بين سندات الخزانة وعقودها الآجلة تثير قلق عدد كبير من الناس. إن الاضطرابات غير المتوقعة – مثل اضطرابات مصارف الولايات المتحدة الإقليمية - أكثر خطورة لأن مجال الذعر أكبر.

ثالثا: البنوك الكبرى ليست شركات تقليدية. فالشركة النموذجية تبيع منتجات أو خدمات للعملاء على أساس تجاري. إذا أبلت حسنا، فإنها تتلقى ثناء. وإذا أفلست، فلا يهم ذلك كثيرا.
معظم البنوك الكبرى ليست هكذا. فهي خاضعة للتنظيم على نطاق واسع، وتضمنها الدولة، ولها امتيازات شبه حكومية، وممولة برأسمال خاص. تتمثل مهمتها في توليد الأموال وتوزيعها على الوكلاء والحكومات والبنوك المركزية. تتأثر العوائد بشكل لا يمكن التنبؤ به بالسياسة. ومن حيث المفهوم، درجة التشابه بين البنوك ومحال السوبر ماركت مثل درجة التشابه بين الحيتان الزرقاء والأميبا.

رابعا: الرؤساء التنفيذيون مهمون أحيانا. وهذا أمر يحزن الرؤساء التنفيذيين، الذين يفضلون أن يكونوا مهمين دائما. لكن الشركات الكبيرة والناضجة تستمر في العمل بثبات وهدوء خلال فترات شغور هذا المنصب.
تتمثل الفائدة الرئيسة للرؤساء التنفيذيين في الحماية أو إبراز قيمة المؤسسات أثناء الاضطرابات التي تشهدها. ومن الأمثلة الأخيرة على ذلك لاري كولب من شركة الهندسة جنرال إلكتريك، وأماندا بلانك في شركة أفيفا للتأمين، وأندريا أورسيل في بنك يوني كريديت. في الأوقات الهادئة، يدمر الرؤساء التنفيذيون السيئون قيمة المؤسسة بعمليات استحواذ ضخمة. الجيدون هم من يحددون التوقعات ويقدمونها للإدارة الوسطى بهدوء، كما فعل ريتشارد كوزينز في شركة كومباس للتغذية.

خامسا: محللو الأسهم قنافذ وليسوا ثعالب. معظم المحللين أذكى مني. لكنهم يتوافقون أيضا مع تعريف إشعيا برلين للمخلوقات ذات الإطار المفاهيمي الواحد (القنافذ) بدلا من الكائنات متعددة المفاهيم (الثعالب). تعويذتهم هي النموذج المالي الذي ينشئونه لكل شركة يتبعونها. وعادة ما يفسرون الأرقام الناتجة بشكل إيجابي لأسباب تتعلق باستمرارهم الوظيفي. والنتيجة هي ضيق الإدراك. يقلل المحللون مرارا وتكرارا من تكلفة فضائح الشركات، لأن هذا يعرقل نماذجهم – ومسيراتهم المهنية – على أقل تقدير. ولهذا من السهل على نشرة ليكس في "فاينانشيال تايمز" أن تخبر المستثمرين أن يستعدوا لتكاليف أعلى بكثير خلال مثل هذه الخلافات، مثل تورط بنك دانسكي في غسل الأموال ومشكلات "فيليبس" مع أجهزة انقطاع التنفس أثناء النوم.

سادسا: لسوء الحظ، الديون أهم من الأسهم. لقد أثبت فرانكو موديلياني وميرتون ميلر أن قيمة المشروع تعتمد على أرباحه المستقبلية. المزيج الدقيق بين الديون والأسهم ليس مؤثرا.
لكنه مزيج بالغ الأهمية لعوائد المستثمرين. تعتمد استراتيجيات الأسهم الخاصة وكثير من صناديق التحوط على أسهم شركات الاستدانة العالية بعد خضوعها لإعادة هيكلة. وفي الولايات القضائية المهمة، بما فيها المملكة المتحدة، فإن مدفوعات الفائدة تخصم من الضرائب لكن أرباح الأسهم ليست كذلك. وحتى مع ارتفاع أسواق الأسهم الأمريكية، فإن ديون العالم تتجاوز قيمة أسهمها المدرجة بنسبة ثلاثة إلى واحد.
كانت سوق الأسهم في المملكة المتحدة نابضة بالحياة عندما بدأت مسيرتي المهنية. والآن تمر بإحدى نوباتها المتشتتة. وتهيمن عليها الشركات الناضجة التي قد تكون أسهمها ذات العائد المرتفع بمنزلة سندات. لقد ولت قبعات البرنيطة. المخاطرة المبتكرة في الأسهم هي عادة يجب على سوق الأسهم في المملكة المتحدة أن تعيد اكتشافها، وإلا فإنها ستسير على الطريق نفسها.

الأكثر قراءة