النرجسية .. وباء الثقافة الحديثة
هل لاحظت هذه الأيام كم من شركاء سابقين أو رؤساء حاليين لبعض الأشخاص هم نرجسيون، وربما بالنسبة إليك أيضا؟ ليس الأمر أن علاقة صديقك تأخذ مجارها المعتاد أو أن هناك أي نوع من مشكلات التوافق، إنما علاقة صديقك السابقة كانت تتخللها النرجسية. ولا يعني ذلك أنك لا تؤدي عملك بشكل جيد، أو أنك أنت ورئيسك في العمل لا تنسجمان مع بعضكما بعضا، نعم، رئيسك في العمل نرجسي أيضا.
يبدو أننا نعيش في عصر النرجسية. لم أفتح يوما تطبيق أبل بودكاست الخاص بي إلا وظهرت لي حلقة أخرى حول الموضوع: "فهم النرجسيين في حياتك وما يجب فعله حيالهم"، "كيف تترك النرجسي (الجزء الثاني)"، "13 علامة على أنك تعيش مع شخص نرجسي". هناك قنوات كاملة على اليوتيوب مخصصة لـ"النجاة من النرجسية".
إذن ماذا يحدث؟ لماذا يبدو أننا جميعا محاطون بكثير من النرجسيين هذه الأيام؟ هل هناك شيء نرجسي بطبيعته في الثقافة الحديثة، أم أننا جميعا نستخدم هذا المصطلح أكثر لسبب ما؟
الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية - وهو كتاب تصدره جمعية الطب النفسي الأمريكية - يعرف اضطراب الشخصية النرجسية بأنه "يشتمل على نمط سائد من العظمة (في الخيال أو السلوك)، والحاجة المستمرة إلى الإعجاب، مع انعدام التعاطف". وتشير الأبحاث إلى أن ما بين 0.5 في المائة إلى 5 في المائة من سكان الولايات المتحدة يعانون هذا "الاضطراب"، "ويحدث ما بين 50 في المائة إلى 75 في المائة من هذه الحالات بين الذكور". لذا، إذا كنا نتحدث عن ذلك بالمعنى الإكلينيكي الدقيق، فهذا ليس شائعا إلى حد كبير.
لكن هناك أيضا التعريف غير الإكلينيكي للنرجسية، الذي وصفه قاموس أكسفورد بأنه "حب الذات المفرط أو الغرور، الإعجاب بالنفس، والتمركز حول الذات"، هذا النوع من النرجسية، في رأيي، الذي قد يطلق عليه مستخدمو تيك توك "متلازمة الشخصية الرئيسة".
هذا هو نوع النرجسية التي كتب عنها جان توينج ود. كيث كامبل عالما النفس في كتابهما الصادر في 2009 تحت عنوان "وباء النرجسية: العيش في عصر الاستحقاق". لقد جادلا بأن التحول في التركيز إلى الفردية منذ السبعينيات أدى إلى انفجار النرجسية في العقود التالية. وباستخدام الأبحاث، أظهرا أن سمات الشخصية النرجسية بين طلاب الجامعات الأمريكية ارتفعت بسرعة ارتفاع مستويات السمنة نفسها منذ الثمانينيات، وكانت تتسارع في العقد الأول من القرن الـ21.
كتبا "ليس إن عدد النرجسيين أكبر من أي وقت مضى فحسب، بل إن الأشخاص غير النرجسيين يتم إغراؤهم بالتركيز المتزايد على الثروة المادية والمظهر الجسدي وعبادة المشاهير والبحث عن الاهتمام".
كان كامبل وتوينج يكتبان هذا قبل أن يكون أول جهاز آيفون مزودا بكاميرا أمامية لالتقاط صور سيلفي ونشرها في كل مكان، وقبل أن يكون زر "أعجبني" شائع الاستخدام وقبل أن يصبح الشخص المؤثر خيارا مهنيا. يبدو أن الإنترنت الحديث مصمم ليلعب دور ميولنا النرجسية. لذلك، قد يعتقد المرء أن مثل هذه السمات كانت ستصل إلى أعلى مستوياتها في العقد الماضي.
لكن البحث يشير إلى أن هذا ليس هو الحال. نشر توينج وكامبل دراسة أحدث أظهرت أن السمات النرجسية بين طلاب الجامعات انخفضت فعليا بعد الركود الكبير في الفترة 2008 - 2009، لتعود إلى المستويات التي شوهدت في الثمانينيات والتسعينيات، ولم ترتفع مرة أخرى عندما انتعش الاقتصاد في 2012 تقريبا. وجدت دراسة أجريت في 2017 أن الأفواج الحديثة من الطلاب لم تكن أكثر نرجسية من الأجيال السابقة.
تخبرني توينج أنه، ربما على نحو غير متوقع، قد يكون لهذا علاقة بظهور وسائل التواصل الاجتماعي وميلها إلى "جعل الناس يشعرون بعدم الكفاءة". ووفقا لها، فإن الفكرة الشائعة القائلة إن النرجسيين غير واثقين بالواقع هي فكرة خاطئة. قالت لي "معظم الأشخاص الذين يتمتعون بسمات شخصية نرجسية هم في الواقع واثقون بأنفسهم. إنهم يسجلون درجات عالية في مقاييس الثقة بالذات، بل ويحرزون درجات عالية في مقاييس احترام الذات اللاوعيي، ما يشير إلى أنهم واثقون حتى من الداخل".
لقد منحنا الإنترنت جميعا إمكانية الوصول إلى كميات هائلة من موارد "الصحة العقلية" التي حولتنا إلى علماء نفس هواة يمكننا تشخيص أنفسنا والآخرين بأي عدد من الاضطرابات.
يمكن أن يكون هذا مفيدا في فهم صراعات معينة قد نواجهها، أو أن يوضح لنا أننا لسنا بالضرورة المشكلة. لكن في بعض الأحيان ينتهي بنا الأمر إلى اعتبار مشكلات طبيعية تماما أمراضا، وأحيانا -أجرؤ على قول ذلك- نحن المشكلة. لا يبدو أنني استمعت إلى أي بودكاست يخبرنا فيه كيف نكون أقل نرجسية. ولا أعرف أي شخص يبحث عن مساعدة مهنية لميوله النرجسية.
قد يكون من المناسب إلقاء اللوم في انهيار العلاقة أو موقف العمل الصعب على حقيقة أن الشخص الآخر سام وغير سليم عقليا. لكن وضع كل شخص لدينا مشكلات معه في خانة "النرجسيين" يعني أنه لا يتعين علينا تحمل مسؤولية الدور الذي لعبناه. هناك شيء نرجسي واضح في ذلك.