المياه والثمن الباهظ على الاقتصادات الرديئة «2 من 2»
تعد الأراضي الرطبة والغابات مخازن الكربون الأكبر في العالم، وهي تعتمد على دورة مياه مستقرة وتنوع بيولوجي مزدهر. حيث تمتص بالوعات الكربون الأرضية نحو 25 في المائة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. ودونها قد يصل مستوى ثاني أكسيد الكربون إلى 500 جزء في المليون بدلا من 420 مليون جزء في المليون، وهو المستوى الحالي.
فحتى لو تمكنا من إزالة الكربون من الاقتصاد غدا، فلن يكون مستقبلنا مستداما قبل أن نتخذ خطوات للحفاظ على أنظمة المياه والموائل الطبيعية. يظهر العلم الآن أن خسارة الطبيعة في حد ذاته قد يدفعنا بقوة إلى اختراق الحاجز المتمثل في هدف اتفاق باريس للمناخ الذي يلزمنا بالحد من الزيادة في درجات الحرارة العالمية نتيجة للانحباس الحراري الكوكبي بما لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة، وهذا ينذر بعالم حيث لا يتمكن ملايين البشر الذين يعيشون في بيئات معرضة للخطر من الاستمرار في التكيف.
من الأهمية بمكان إعطاء الأولوية لحماية الموارد المائية والتنوع البيولوجي إلى جانب إزالة الكربون بينما ننتقل إلى اقتصاد يعمل ضمن حدود كوكبية آمنة. وسيرا على خطى مراجعة ستيرن المعنية باقتصادات تغير المناخ ومراجعة داسجوبتا المعنية باقتصادات التنوع البيولوجي، تحث اللجنة العالمية لاقتصادات المياه على تحول مماثل بشأن قضية المياه.
يستند هذا الفكر الجديد إلى ثلاث ركائز. أولا، يتعين علينا أن نتعامل مع دورة المياه العالمية بوصفها منفعة مشتركة تدار بشكل جماعي وتخدم مصالح الجميع. الحق أن قضية المياه لا تتشابك على نحو متزايد مع قضايا مثل تغير المناخ واستنفاد رأس المال الطبيعي لكوكب الأرض فحسب، بل تشكل أيضا مصدرا رئيسا لا يحظى بالقدر اللازم من التقدير للاتكالية المتبادلة بين البلدان.
ثانيا، يتعين علينا أن نتجاوز النهج التفاعلي القائم على إصلاح السوق، لننتقل نحو نهج استباقي قائم على تشكيل السوق يعمل على تحفيز الاستثمار في المياه وتسعير العوامل الخارجية السلبية على النحو المناسب. ولن يتسنى للحكومات تقدير وإدارة وتمويل المياه على النحو الذي يدفع التحول الذي نحتاج إليه إلا بالاستعانة بعقلية اقتصادية جديدة.
ثالثا، تتطلب معالجة التحديات المترابطة التي تواجهنا "مزيجا من السياسات" الشاملة التي تخضع لها كل القطاعات والموجهة نحو تحقيق النتائج، بدلا من التدخلات المعزولة والمنعزلة التي اتسمت بها عملية صنع السياسات الاقتصادية حتى وقتنا هذا. الواقع أن الاستراتيجيات الاقتصادية الموجهة نحو إنجاز مهام بعينها من الممكن أن تعمل على حشد الوزارات، والقطاعات، وأصحاب المصلحة كافة حول أهداف محددة مرتبطة بالمياه، وبوسع الأدوات الموجهة نحو تحقيق النتائج أن تساعدنا على تحقيق هذه الأهداف.
يعرض مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ "مؤتمر الأطراف 28" المنعقد في دبي الفرصة لتحقيق إنجاز ضخم في هذا الصدد. تشكل الأدلة العلمية المتنامية التي تثبت اضطلاعنا في زعزعة استقرار دورة المياه العالمية التي نعتمد عليها جميعا مؤشرا صارخا لقصور جهودنا الجماعية، حتى بعد ثلاثة عقود من مفاوضات المناخ في إطار منظمة الأمم المتحدة، وعشرة أعوام من تأسيس المنتدى الحكومي الدولي المعني بخدمات الحفاظ على التنوع البيولوجي والأنظمة البيئية.
لم يعد من الممكن تجاهل القضايا المتصلة بالمياه. فإذا لم نسارع إلى التصدي لها إلى جانب التحديات المترابطة الأخرى، فسيذهب أي تقدم نحرزه في مجالات أخرى إدراج الرياح.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2023.