بيتكوين .. هل العقوبات التنظيمية الأكثر صرامة مرت؟
تزدهر عملة بيتكوين مرة أخرى، بعد أسابيع فقط من سقوط اثنين من أكبر الأسماء في الصناعة. ويأمل المتفائلون أن تضع الملاحقات القضائية حدا للماضي المضطرب للقطاع وأن تسمح له باستغلال مليارات الدولارات من الأموال من وول ستريت.
ارتفع سعر العملة المشفرة الأكثر تداولا بنحو 160 في المائة هذا العام ليصل إلى أعلى مستوى له منذ 20 شهرا عند 44 ألف دولار، ما أدى إلى ارتفاع أسعار العملات الرقمية مع تلاشي المشاعر القاتمة التي خيمت على السوق وعودة المتداولين بكثرة.
ويأتي ذلك بعد أسابيع فقط من نجاح الولايات المتحدة في تأمين الملاحقات الجنائية ضد تشانج بينج تشاو وسام بانكمان فرايد، الرئيسين السابقين لبورصتي باينانس وإف تي إكس على التوالي واثنين من أكبر الأسماء المرتبطة بسوق الفقاعة لعام 2020-2021.
يراهن المضاربون الآن على أن العقوبات التنظيمية الأكثر صرامة قد مرت وأن بيتكوين سيتم تبنيها من قبل مديري الصناديق العالمية الكبرى والبنوك الاستثمارية.
حيث قال إد هندي، كبير مسؤولي الاستثمار في شركة تاير كابيتال لإدارة الاستثمارات: "أنت تنظر إلى أكبر رجلين في مجال العملات المشفرة، ومن المحتمل أن يذهب كلاهما إلى السجن ومع ذلك يستمر عمل العملات المشفرة.. هناك تحول كبير في الصناعة."
"لقد تم رمي كل شيء على عملة بيتكوين وصمدت، سواء أأعجبك ذلك أم لا، فسوف تحتل مكانا في المحافظ".
يأتي الارتفاع في عملة بيتكوين، إلى جانب العملات المشفرة الأخرى، في الوقت الذي يراهن فيه المستثمرون على أسهم النمو والأصول الأكثر خطورة ترقبا لبدء خفض البنوك المركزية أسعار الفائدة في العام المقبل.
وقال سي كيه تشينج، المؤسس المشارك وكبير مسؤولي الاستثمارات في صندوق التحوط زد إكس سكويرد كابيتال للعملات المشفرة، إن تخفيضات أسعار الفائدة الفيدرالية مجرد "إضافة جيدة على شيء جيد. فأساسيات سعر بيتكوين مدفوعة بإدخال شركات شديدة التنظيم إلى السوق. وأضاف أن وول ستريت تتجه لتبني العملات المشفرة".
تشهد سوق العملات المشفرة، المعروفة بفترات الازدهار والكساد، انتعاشا خاصا بعد 20 شهرا من العناوين السلبية والانخفاضات المؤلمة. فمن ذروة تزيد قليلا عن 69 ألف دولار في نوفمبر 2021، انخفضت قيمة عملة بيتكوين بمقدار ثلاثة أرباع إلى 16 ألف دولار فقط في بداية هذا العام.
لقد اكتسب انتعاشها المطرد هذا العام زخما في نوفمبر، خاصة بعد أن فرضت السلطات الأمريكية غرامة قدرها 4.3 مليار دولار على بورصة باينانس بسبب انتهاكها لعقوبات غسل الأموال والعقوبات المالية. والأهم من ذلك، لم تغلق بورصة العملات المشفرة الأكثر تأثيرا في العالم.
وقد ساعد هذا القرار في جذب المتفائلين في ارتفاع العملات المشفرة. فهذا الأسبوع، نشر رئيس السلفادور الاستبدادي ناييب بوكيلي، الذي أصبحت عملة بيتكوين تحت حكمه عملة قانونية في عام 2021، بشكل منتصر على موقع التواصل الاجتماعي X أن ممتلكات البلد من العملة الرقمية عادت إلى الربح.
وفي الوقت نفسه، قال بريان أرمسترونج، الرئيس التنفيذي لبورصة كوينبيس الأمريكية، إنه كان يفكر في الكيفية التي قد تكون بها عملة بيتكوين "المفتاح لتوسيع الحضارة الغربية".
حتى أن البعض يرى بداية دورة خارقة جديدة. حيث توقع بيرنشتاين، البنك الاستثماري الأمريكي، الشهر الماضي أن تزيد قيمة بيتكوين بأكثر من ثلاثة أضعاف لتصل إلى 150 ألف دولار بحلول عام 2025.
إن مفتاح التفاؤل هو موافقة هيئة الأوراق المالية والبورصة على الصناديق المتداولة في البورصة التي تستثمر مباشرة في العملة المشفرة.
لطالما نظرت السوق إلى صناديق بيتكوين المتداولة في البورصة كوسيلة للاستفادة من مستثمري التجزئة الأمريكيين، عبر منتج استثماري رخيص لكنه آمن ومنظم. فعلى مدار عقد، قاومت هيئة الأوراق المالية والبورصة جميع الطلبات، بحجة أن أسعار بيتكوين يتم تحديدها في بورصات غير خاضعة للتنظيم، وبالتالي لا يمكنها توفير الحماية الكافية للمستثمرين.
لكن الضغط يتزايد على هيئة الأوراق المالية والبورصات منذ أن خسرت حكما قضائيا في الصيف الماضي بشأن أسباب حجب طلب للصناديق المتداولة في البورصات من شركة جرايسكيل. ويعد صندوقا بلاك روك وفرانكلين تمبلتون من بين الأسماء المعروفة التي قدمت طلبات، ما يزيد الآمال في أن يتمكنا من جذب أعداد كبيرة من مستثمري التجزئة الأمريكيين إلى العملات المشفرة. وقد يصدر قرار بهذا الشأن من هيئة الأوراق المالية والبورصة في أقرب وقت من الشهر المقبل.
وقال جيمس باترفيل، رئيس قسم الأبحاث في مجموعة كوين شيرز الاستثمارية: "إن مجرد تحسين الوصول إلى الأسواق لا ينبغي أن يؤدي حقا إلى رفع الأسعار، لكنني أعتقد أن ذلك يحدث لأنه إشارة صريحة من هيئة الأوراق المالية والبورصات إلى موافقتها على عملة بيتكوين، على الأقل في بعض النواحي".
لقد اشترى عديد من المستثمرين بالفعل عملات مشفرة تحسبا لاستمرار الطلب في النمو. ووفقا لبيانات من كوين شيرز، فقد كانت هناك عشرة أسابيع متتالية من التدفقات إلى منتجات الأصول الرقمية، وهي موجة من الاستثمار جاءت بعد فترة وجيزة من انتصار جرايسكيل في المحكمة على هيئة الأوراق المالية والبورصة.
يأمل المضاربون أن يؤدي قبول المنظمين الأمريكيين لصناديق الاستثمار المتداولة في بيتكوين إلى توفير دعم أكثر استدامة للأسعار، على عكس ارتفاعات بيتكوين السابقة، مثل 2013 و2017 و2021، عندما ارتفعت الأسعار بسرعة لتنهار بالقدر نفسه من العنف.
وأضاف باترفيل: "ستكون هذه هي المرة الأولى التي يمكن أن يكون هناك اعتراف حقيقي بعملة بيتكوين أعتقد أن هذا يدل على أن الانتعاش هذه المرة سيكون أكثر استدامة".
ويشير المتفائلون أيضا إلى حدوث تغيير فني في إنتاج بيتكوين، سيدعم الطلب كما يقولون. ففي أبريل من العام المقبل سينخفض عدد عملات بيتكوين التي يحصل عليها المعدنون مقابل التحقق من معاملات العملة المشفرة إلى النصف، وذلك بهدف تقليل المعروض من عملات بيتكوين الجديدة في السوق.
قال تيم فروست، الرئيس التنفيذي لتطبيق ييلد آب، وهي منصة عملات مشفرة تقدم للعملاء عوائد على الأصول الرقمية: "سيكون هذا محركا فنيا قويا للغاية لسعر عملة بيتكوين حيث يصبح التعدين أكثر صعوبة وأقل ربحية، وتستمر الندرة في الزيادة".
ورغم الثقة المتجددة، لا تزال هناك بعض الشكوك حول مدى استمرارية ارتفاع عملة بيتكوين. إذ لم يتقدم اثنان من أكبر مزودي صناديق الاستثمار المتداولة في الولايات المتحدة، وهما فانجارد وستيت ستريت، بطلب لإدراج صندوق للتتبع الفوري لعملة بيتكوين. وصرحت ستيت ستريت لصحيفة فاينانشيال نيوز في الصيف بأنه "لا يوجد مبرر للاستثمار في العملات المشفرة".
وقالت السلطات الأمريكية: إن التدقيق في السلوك غير المشروع في القطاعات الفرعية كسوق العملات المستقرة سيستمر في العام المقبل.
لدى هيئة الأوراق المالية والبورصة قضايا معلقة ضد باينانس وكوينبيس المدرجتين في الولايات المتحدة، زاعمة أن كلا السوقين بورصتان غير مسجلتين وباعتا أوراقا مالية غير مسجلة.
إن انتصارات هيئة الأوراق المالية والبورصة قد تجبر عديدا منها على التسجيل لدى الهيئة التنظيمية وفرض مراقبة وشفافية أكثر صرامة على أسواقها.
يشكك بعض المطلعين على الصناعة أيضا في أن هيئة الأوراق المالية والبورصة ستكسر العادة التي استمرت دهرا وتوافق على صندوق استثمار متداول في البورصات يتتبع بيتكوين.
قال ديفيد ميرسر، الرئيس التنفيذي لمجموعة إل إم إيه إكس، وهي مكان لتداول العملات، إن موافقة هيئة الأوراق المالية والبورصات على صناديق الاستثمار المتداولة في البورصات تم تضمينها بالفعل في السوق، لكنه أضاف أن الهدف الأكبر هو تحويل الأصول التقليدية كالأوراق المالية إلى رموز رقمية.
وأضاف: "تتمثل اللعبة النهائية في أن يتم تمكين معظم التمويل التقليدي بواسطة البلوكتشين في العقود المقبلة، لذلك من هذا المنظور، نحن فقط في البداية".
ولكن بعد أشهر من العناوين السلبية ووابل من الإجراءات التنفيذية، يأمل البعض أن يكون الانتعاش مجرد علامة على انفصال عن الماضي، وليس بدء موجة صعود أخرى.
قال مايكل سافاي، المؤسس المشارك لشركة ديكستيريتي كابيتال للتداول: "إننا نركز على الخروج من هذا المدار الذي بقينا فيه في الأشهر الـ18 الماضية بدلا من الارتفاع الفلكي في الأسعار". وأضاف سافاي: "لقد انتهت تلك الأيام، أو ينبغي أن تكون قد انتهت".