عرض زائد وطلب ناقص .. المزارعون يتجرعون الخسائر من الذرة
انخفض سعر الذرة إلى أدنى مستوى له منذ ثلاثة أعوام مع زيادة الإمدادات من الولايات المتحدة والبرازيل بينما يركد الطلب، الأمر الذي ساعد على تهدئة تضخم أسعار المواد الغذائية لكنه زاد الضغط على المزارعين الذين كانوا يتوقعون استمرار ارتفاع الأسعار.
تم تداول الذرة، التي تستخدم في الغالب في علف الحيوانات وإنتاج الإيثانول، بأقل من 4.50 دولار للمكيال في شيكاغو في الأيام الأخيرة، وهو أدنى مستوى لها منذ ديسمبر 2020. وكان يتم تداولها فوق ثمانية دولارات للمكيال في مايو من العام الماضي.
إن انخفاض الأسعار، الذي جاء بعد أن وسع المزارعون الأمريكيون مساحات محاصيلهم في العام الماضي استجابة لارتفاع الأسعار، في الوقت الذي انخفض فيه الطلب، يثبت أنه بمنزلة نعمة لصناديق التحوط، التي كانت تزيد رهاناتها على انخفاض الأسعار.
قال مايكل ماجدوفيتز، كبير محللي السلع في رابوبنك: "لقد زادت الإمدادات بشكل كبير نتيجة لتلك المساحة المرتفعة لكن الطلب ظل بطيئا". وأضاف أن ذلك ألقى بظلاله على الذرة.
ويأتي انخفاض الأسعار مع انخفاض السلع الزراعية الرئيسة الأخرى كالقمح من أعلى مستوياتها العام الماضي، في انعكاس لاتجاهات الأسعار التي أدت إلى ارتفاع حاد في تكاليف الغذاء بالنسبة إلى المستهلكين. ويميل العلف الحيواني الأرخص إلى خفض التكاليف لمنتجي اللحوم والألبان وخفض أسعار المنتجات للمستهلكين.
أدت الحرب الروسية الأوكرانية، أوكرانيا هي واحدة من أكبر مصدري الحبوب في العالم، إلى ارتفاع أسعار الذرة والحبوب الأخرى في العام الماضي. كما أدى الجفاف في أجزاء من أمريكا الجنوبية نتيجة لظاهرة لا نينيا الجوية إلى إعاقة محاصيل الحبوب، ما دعم السوق.
استجابة لارتفاع الأسعار، انخفض الطلب على الذرة العام الماضي للمرة الأولى منذ عقد - حيث تقلص نحو 3 في المائة بين 2022 و2023.
في الوقت نفسه، كان المزارعون يحاولون الاستفادة من ارتفاع أسعار السوق عبر زراعة مزيد من الذرة. وفي وقت سابق من هذا الشهر، أظهرت توقعات الحكومة الأمريكية بشأن إنتاج السلع الزراعية أن ستة ملايين فدان إضافية تمت زراعتها في حزام الذرة في الغرب الأوسط - الذي يشمل ولايات مثل ميزوري وكنتاكي - بينما كانت الغلة أعلى من المتوقع.
أدى الارتفاع الناتج في العرض وانخفاض الطلب إلى انخفاض الأسعار هذا العام وترك كثير من المزارعين يواجهون خسائر.
قال ماجدوفيتز: "سيبيع المزارع العادي في أمريكا اليوم الذرة بخسارة"، مضيفا أن الأسعار أقل من تكاليف المدخلات.
وزادت الإمدادات أيضا مع استئناف أوكرانيا تصدير الحبوب عبر موانئها على البحر الأسود، هذه الصادرات تعثرت بعد انسحاب روسيا من اتفاق توسطت فيه الأمم المتحدة في يوليو. وأعطى هذا المستوردين الكبار، خاصة الصين، مصدرا بديلا للحبوب، وفقا لأرغوز أغري ماركتس، وهي خدمة تقارير وتحليلات للأسعار.
قوبلت الإمدادات الوفيرة بثبات الطلب. شهد منتجو الأعلاف الحيوانية، الذين يشترون جزءا كبيرا من الذرة في العالم، أسواقهم تتقلص عندما اضطر مربو الماشية في الولايات المتحدة إلى تقليل أعداد قطعانهم بعد أعوام من الجفاف. ربما تضطر الصين أيضا إلى تقليص قطعان الخنازير وسط تباطؤ النمو الاقتصادي، وفقا للمحللين.
كما أن منتجي الأعلاف الحيوانية المركبة - المصنوعة من مزيج من المكونات - لديهم أيضا مزيد من الخيارات بسبب انخفاض أسعار القمح. في حين أن مجموعة متنوعة من الذرة المستخدمة في علف الحيوانات لا يأكلها البشر عادة، فإن القمح يستخدم لكليهما ولكن في المقام الأول للبشر، ما يعني أنه يتم تداوله بسعر أعلى. كما انخفضت أسعار هذه الحبوب أخيرا، ما جعلها أقرب إلى سعر الذرة. وهذا يجعلها أكثر جاذبية لمنتجي الأعلاف في آسيا وأوروبا، حيث تحظى بشعبية كبيرة بين المزارعين.
تزيد صناديق التحوط مراكزها المكشوفة - الرهانات على انخفاض الأسعار - وتقلص مراكزها الدائنة مع انخفاض الأسعار. ارتفع صافي مراكزها المكشوفة الآن إلى أعلى مستوى منذ يونيو 2020، وفقا لأحدث الأرقام الصادرة عن سي إم إي، أكبر بورصة للعقود الآجلة في العالم.
كما زاد عدد المتداولين المضاربين الذين يشترون عقود خيارات الذرة، وفقا لتريستان فليتشر، الرئيس التنفيذي لـسي إتش إيه آي، وهي شركة تتنبأ بأسعار السلع الأساسية باستخدام الذكاء الاصطناعي. وأضاف أن هذه "إشارة هبوطية قوية" على المدى القصير.
أفسحت ظاهرة لا نينيا المجال لظاهرة إل نينيو، والجفاف والحرارة الشديدة أخرا زراعة فول الصويا في الجزء الغربي الأوسط من البرازيل. وسيكون لهذا تأثير غير مباشر في المحصول الشتوي للذرة، حيث لا يستطيع المزارعون زرع كل ما لديهم من الذرة حتى انتهاء حصاد الصويا، وفقا لما ذكرته "أرغوز".
ويمكن للمزارعين الذين يواجهون خسائر أن يعيقوا الإمدادات المستقبلية. قالت "أرغوز" إن منتجي الذرة في البرازيل يرفضون البيع بالأسعار الحالية.
قال ماجدوفيتز إن نظراءهم الأمريكيين في الوقت نفسه يستعدون للتخلي عن الذرة لمصلحة محاصيل أكثر ربحية، مثل فول الصويا. "لقد زرع الفلاحون كثيرا من الذرة دون قيود، والآن يتخلون عنها."