العلم حليفا وليس عدوا في الأزمات

العلم حليفا وليس عدوا في الأزمات

من يحتاج إلى مسلسل سكسيشن عندما يكون تحقيق المملكة المتحدة بشأن كوفيد موجودا على يوتيوب؟ هذه الدراما المتقلبة الواقعية، التي كان فيها جلسات استماع عامة، رفعت الحجاب عن كيفية اتخاذ القرارات في المملكة المتحدة أثناء الجائحة.
تتأرجح القصة التي تشكلت في الأسابيع الأخيرة عبر شهادة موظفي الخدمة المدنية والمستشارين العلميين بين الهزلية والمروعة. وفي مركز شبكة صنع القرار، كان يوجد رئيس وزراء غير حاسم و"مخدوع" يعاني مع الأرقام، وفقا للمذكرات التي يحتفظ بها رئيس مستشاريه العلميين، سير باتريك فالانس.
وشهدت موظفة مدنية أن المحيطين به كانوا من كارهي النساء المدفوعين بالأنانية مع "الغياب الجماعي للإنسانية". وكان من بين هؤلاء المتواطئين وزير صحة كان حريصا على تحديد المواطنين الذين سيعيشون أو يموتون، ومستشار يلقب بدكتور الموت (دكتور ديث) لمقاومته إجراءات الحد من العدوى. وفي حبكة قد يشيد بها منشئو مسلسل سكسيشن جيسي أرمسترونج، أصبح دكتور ديث، المعروف أيضا باسم ريشي سوناك، رئيسا للوزراء، والسيدة أنجيلا ماكلين، العالمة التي صاغت اللقب، هي رئيسة مستشاريه العلميين.
رغم أن جلسات الاستماع كانت منفسا، إلا أن القيمة الحقيقية لهذا التحقيق العام تكمن في تحسين عملية صنع القرار في الأزمات المستقبلية. ونظرا إلى أن عصرنا سيتسم بالتحديات العلمية والتكنولوجية، مثل حالة الطوارئ المناخية والذكاء الاصطناعي، فإن إرثا واحدا يشكل أهمية بالغة: لا بد أن يكون هذا هو الجيل الأخير من الساسة الذين لا يستطيعون فهم العلم. إن الوجود المستمر في الحكومة لثقافتين من العلوم والإنسانيات لا يمكن التوفيق بينهما على ما يبدو ـ الذي تجسد في رئيس وزراء سابق قادر على كتابة سيرة شكسبير في أوقات فراغه ولكنه لا يفهم النسب المئوية والاحتمالات عندما تعتمد أرواح الناس عليها ـ ينبغي أن ننظر إليه كعلامة عار، وليس وسام شرف.
وكما أقر فالانس، يجب أن يتمتع المستشارون بصلاحيات واضحة وأن يعملوا بشكل أفضل في إيصال المعلومات المتعلقة بالعلوم، فضلا عن خيارات السياسات، إلى الوزراء. لكن هذا الحوار يتطلب خبرة غير متوافرة، سواء بين الساسة أو في الخدمة المدنية. ففي 2018، كان واحد فقط من كل عشرة من الموهوبين المعينين في الخدمة المدنية لديه خلفية في العلوم أو التكنولوجيا أو الهندسة أو الرياضيات؛ والهدف الآن هو 50 في المائة. إننا بحاجة إلى موظفين حكوميين يمكنهم تحديد البيانات ذات الصلة وتحليلها وتفسيرها - والتكليف بها إذا كانت مفقودة.
ويجب أن يكونوا قادرين على تقييم السياسات التي تهدف إلى تنفيذ استراتيجية الحكومة بثقة، بمجرد أن يحدد الوزراء أهدافهم الاستراتيجية بوضوح، وأن يشعروا بالارتياح عند شرح المفاهيم الرياضية مثل "الرفع الأسي". وإذا تضاعف عدد الإصابات مرتين أو ثلاث مرات كل أسبوع، فهذا يعني أن تأخير القرار عادة ما يؤدي إلى تفاقم المحصلة بشكل كبير. وينبغي للوزراء ألا "يتبعوا العلم" بخنوع، بل أن يحاولوا فهم الأدلة، وأن يتحملوا مسؤولية قراراتهم أمام عامة الناس.
يمكن أن تكون الرسوم البيانية التي تحدد متغيرا مقابل آخر، نقطة شائكة أخرى في سلسلة نقل النصائح. عرضت ماكلين على التحقيق رسما بيانيا رسمته في وقت مبكر من الجائحة يوضح عدد الإصابات مقابل الزمن، لتخمين متى قد يتم تجاوز المستشفيات سعتها. ووضحت بأسى أن الرسم البياني فشل في تحريك الوزراء. في الواقع، يسمح تصور البيانات للسياسات بالكشف عن نفسها. فقد كشفت "الخريطة النقطية" الإبداعية التي وضعها عالم الأوبئة جون سنو لحالات الكوليرا في سوهو في خمسينيات القرن الـ19، عن مضخة مياه مشتركة في صلب اللغز - وعن طريق واضح لإنهاء تفشي المرض.
لن تكون إدارة الأزمات الحديثة بسيطة كإغلاق مضخة مياه. قد يتطلب الأمر مقايضات. فقد تجاوزت معالجة كوفيد اختصاص وكالة الأمن الصحي في المملكة المتحدة، نظرا إلى التوتر الواضح بين إنقاذ صحة الأمة وحماية الاقتصاد. ولكن أين كانت النصيحة الاقتصادية ـ وما الدليل على أن الصحة والثروة يتعارضان؟
تشير الملاحظة التجريبية - وهي طريقة علمية لقول "النظر حولنا" - إلى أن الدول التي سيطرت على العدوى كان أداؤها الاقتصادي جيدا نسبيا. فهل كان من الممكن مثلا، أن تسمح سياسة المملكة المتحدة للأجور المرضية القانونية أن يبقى جزء كبير من الاقتصاد مفتوحا، عبر تشجيع المصابين على البقاء في منازلهم؟ سنحتاج إلى إطار للأزمات المستقبلية ينظر إلى هذه الخيارات من خلال عدسة أوسع، تستنير بالاعتبارات الصحية والاقتصادية والأمنية.
وكما يظهر التحقيق، من الصعب وضع سياسة جيدة دون دراسة متأنية، لكن العلم يهدف إلى المساعدة. إنه طريقة تفكير منفتحة للفضوليين، وليس صندوقا مليئا بالحقائق الثابتة للمبتدئين فقط. فهو يطرح أسئلة ويتحدى الافتراضات ويسمح للمعرفة بالتطور. فقد أعطانا اللقاحات والأدوية التي عالجت الجائحة.
في الأزمات يكون العلم حليفا وليس عدوا. 

الأكثر قراءة