القهوة تتحول .. إنها استدامة مربحة
القهوة مشروب متعدد الاستخدامات: فهو منبه، ومحفز اجتماعي، ومصدر لنقاش لا نهاية له حول التحميص والبيئة الطبيعية للزراعة لمحبي القهوة. لكن في كولومبيا، ثالث أكبر منتج في العالم، وجدت استخداما آخر: استخدامها كإحدى مواد البناء.
وبفضل شركة البناء وودبيكر ومقرها بوغوتا، التي تحول القشور المتبقية من إنتاج القهوة إلى ألواح بناء، يعيش الآن نحو 70 ألف شخص أو يدرسون داخل منازل ومدارس مصنوعة من نفايات القهوة.
شركة وودبيكر ليست الوحيدة التي تحاول الاستفادة من إمكانات المنتجات الثانوية لأحد المشروبات المفضلة في العالم. مع ارتفاع مستويات الكافيين العالمية من مستويات مرتفعة إلى هائلة، تقترح الشركات الناشئة حول العالم حلولا لمشكلة النفايات المتزايدة في هذا القطاع.
يتم شرب نحو ثلاثة مليارات فنجان من القهوة حول العالم يوميا ويتزايد الطلب عليها. وقد تضاعف الاستهلاك منذ تسعينيات القرن الماضي، حيث ضاعفت الطبقات المتوسطة المزدهرة في دول مثل الهند وإندونيسيا من استهلاكها. وقد كان لدى الصين متجر واحد لستاربكس عام 1999، والآن هي في طريقها للوصول إلى تسعة آلاف متجر بحلول 2025.
هذا يولد كثيرا من النفايات: ففي كل عام، تذهب ملايين الأطنان من بقايا القهوة المولدة للميثان إلى مكب النفايات، إلى جانب كثير من الأكواب التي تستخدم لمرة واحدة والتي تستخدمها متاجر القهوة. علاوة على ذلك، في سلسلة التوريد، تؤدي معالجة ثمرة القهوة لتصبح حبوب البن إلى نفايات زراعية - في شكل قشور، ولب ومياه ملوثة.
الطرق الجديدة لتعبئة القهوة - مثل عبوات الألمنيوم التي ساعدت على تحويلها من سلعة إلى منتج فاخر في الدول الغنية - لا تؤدي إلا إلى إيجاد مصادر جديدة من النفايات. عززت جائحة كوفيد - 19 مبيعات كبسولات نسبريسو من شركة نستله، لكن بينما تشجع الشركة إعادة التدوير، تقول أيضا إن هذا يحدث لنحو ثلث الكبسولات التي تنتجها فقط.
في هذا العام، طرحت شركة نسبريسو كبسولات قابلة للتحلل في فرنسا وسويسرا، رغم أن جيوم لو كونف، الرئيس التنفيذي لشركة صناعة القهوة، يصر على أن كل من الإصدارات المصنوعة من الألمنيوم والقابلة للتحلل الحيوي "مستدامة تماما".
ويقول: "كلما زاد عدد الخيارات التي نوفرها، زادت فرصة تبني إعادة التدوير"، مضيفا أن الطرق الأخرى لصنع القهوة، كما هي الحالة في الكافيتيريات، في الأغلب ما تستخدم الماء والحبوب المطحونة بشكل أقل دقة من كبسولات الآلات، ما يؤدي إلى زيادة التلوث - نقطة تدعمها دراسة حديثة.
لو كونف ليس الوحيد الذي يؤكد على إعادة التدوير. حيث تدفع أزمات المناخ والتنوع البيولوجي - والضغوط المرتبطة بها من جانب المستثمرين للوفاء بمعايير حوكمة بيئية، واجتماعية ومؤسسية أكثر صرامة - تدفع الصناعات حول العالم لاستكشاف مبادئ الاقتصاد الدائري، التي تهدف إلى القضاء على النفايات الناجمة عن النظم الاقتصادية.
وفي سبتمبر، أعلنت منظمة القهوة الدولية، وهي هيئة نقابية، عن إنشاء مركز للاقتصاد الدائري في القهوة. يقع مقر الشركة في تورينو، وهدفها هو "تسريع التحول الدائري في سلسلة توريد القهوة". تقول فانوسيا نوجيرا، المديرة التنفيذية لمنظمة القهوة الدولية، إن "تعزيز حلول الاقتصاد القائم على إعادة التدوير سيساعد على تحويل النفايات إلى فرص عمل ودخل جديدة".
وفي حالة شركة وودبيكر، تتمثل الفرصة في صنع مادة خفيفة الوزن، وسهلة النقل ويمكن استخدامها في البناء في المناطق النائية في كولومبيا - لتلبية الطلب على الإسكان الاجتماعي. وبعد تجربة أنواع مختلفة من الألياف الطبيعية، استقرت على مزيج من قشور القهوة - التي تتوافر بكثرة في كولومبيا - والبلاستيك، حيث توفر هذه الصفات التي تسعى إليها.
"قشور القهوة تمنحك القوة بينما يمنحك البلاستيك المتانة"، كما يوضح الرئيس التنفيذي أليخاندرو فرانكو. ويضيف أن المنازل الملونة للشركة معتمدة على أنها مقاومة للزلازل. "كلما كان البناء أخف وزنا، زاد اهتزازه مع الزلزال".
وتبدأ شركات أخرى من الطرف الآخر من دورة حياة القهوة: مع بقايا القهوة المستهلكة.
في العاصمة الألمانية، برلين، على سبيل المثال، تتخذ شركة كافيفورم نهجا أنيقا لإعادة التدوير، حيث تحول بقايا القهوة إلى أكواب قابلة لإعادة الاستخدام. وفقا للرئيس التنفيذي والمؤسس، جوليان ناشتيجال-ليخنر، فإن المقاهي - التي تدفع عادة رسوما للتخلص من نفايات القهوة - سعيدة بتسليمها بدلا من ذلك إلى أسطول كافيفورم من راكبي الدراجات، الذين ينقلونها إلى مركز معالجة في وسط المدينة.
وهناك، يتم تحويلها إلى منتجات جديدة - بما في ذلك الأكواب التي ينتهي بها الأمر مرة أخرى في المقاهي نفسها التي توفر المواد الخام. إنها "قصة جيدة" يمكن أن تحكيها المقاهي العصرية في برلين لعملائها، كما تقول ناشتيجال-ليخنر.
ومع ذلك، فإن تحديات الاستدامة التي تواجهها صناعة القهوة تمتد إلى ما هو أبعد من النفايات. فمن المتوقع أن يتضاعف استهلاك القهوة بحلول 2050، مع نمو قوي بشكل خاص في آسيا وإفريقيا. لكن ارتفاع درجات الحرارة يؤدي إلى انخفاض المحاصيل ويهدد بجعل ما يصل إلى نصف الأراضي الزراعية الحالية للبن في العالم غير صالحة للاستعمال. يكافح المزارعون، الذين يعيش كثير منهم في الدول الفقيرة من أجل كسب لقمة العيش. ولا يبقى سوى 10 في المائة من 200 مليار دولار تولدها الصناعة سنويا في الدول المنتجة.
وفي الوقت نفسه، يؤدي إنتاج القهوة إلى إزالة الغابات. وهي واحدة من السلع التي تستهدفها قواعد الاتحاد الأوروبي الجديدة التي تحظر استيراد المنتجات المرتبطة بإزالة الغابات بدءا من نهاية العام المقبل.
كل هذا يلقي بظلال من الشك على ما إذا كان القطاع قادرا على تلبية الطلب المتزايد. يقول كول شيبارد، مؤسس شركة جرين كوفي الناشئة في الولايات المتحدة، إن نموذج سلسلة التوريد الحالي يجب إصلاحه لإنشاء نظام مستدام ومربح.
بينما يعتمد معظم المنتجين على خليط من أصحاب الحيازات الصغيرة عبر الوسطاء، فإن شركة جرين كوفي، التي تعمل في كولومبيا، تسيطر على سلسلة التوريد بأكملها، ما يسمح لها بدفع مزيد من المال للمزارعين وتبني نموذج الاقتصاد الدائري الذي، كما تقول، يولد أرباحا أكبر.
تعمل الشركة، التي أنهت جولة لجمع الأموال لأسهم السلسلة سي بقيمة 25 مليون دولار في يونيو، على تطوير طرق لتحويل اللب الناتج عن معالجة القهوة إلى مجموعة من المنتجات، بما في ذلك الأسمدة والدقيق. كما أنها ستخمر اللب لإنتاج الإيثانول.
تتم زراعة معظم أنواع القهوة من قبل مزارعين يملكون أقل من هكتار واحد، لذا فإن محاولة جمع اللب منهم ستكون عملية طويلة ومرهقة - وليس هذا ما يحتاجه إنتاج الإيثانول على نطاق واسع. وعلى هذا فإن شركة جرين كوفي، التي تصف نفسها بأنها أكبر منتج في كولومبيا، تمتلك الآن نحو أربعة آلاف هكتار ولديها نحو 14 مليون شجرة، ما يمكنها من مركزة هذه العملية.
ضخت الشركة الناشئة ثمانية ملايين دولار لبناء معمل تقطير، الذي سيحقق عائدا على الاستثمار يكفي مدة 18 شهرا، كما يقول الرئيس التنفيذي بوريس فولنر. ويقول إنه بمجرد تشغيله، ستنتج الشركة 12 ألف لتر من الإيثانول النقي يوميا.
تحاول شركة جرين كوفي دائما معرفة "كيف يمكننا أخذ القمامة من المزرعة" واستخدامها "لتحقيق الربح" لرد الجميل للمستثمرين، كما يقول فولنر. "هذا هو نهجنا في الاقتصاد القائم على إعادة التدوير".