طموحات محلقة .. على "أوبن أيه آي" تضييق أهدافها
مع عودة سام ألتمان إلى منصب الرئيس التنفيذي لشركة أوبن أيه آي بعد خمسة أيام اتسمت بالفوضى، قد يبدو من الطبيعي أن نتوقع عودة الأمور إلى ما كانت عليه. سيكون ذلك خطأ. كان تقييم أوبن أيه آي يتجه بسرعة نحو 100 مليار دولار، ما يجعلها الشركة الناشئة الأكثر شعبية في وادي السيليكون. لكن أمورا كثيرة محيطة بالشركة أصبحت الآن موضع تساؤل.
تتمثل المهمة الأولى لمجلس الإدارة الجديد في حل مشكلة فوضى الحوكمة التي ورثوها وإيجاد طريقة لتعزيز مهمة الشركة الأساسية المتمثلة في جعل الذكاء الاصطناعي آمنا للعالم. ولكن يتعين عليهم أيضا أن يعطوا معنى للشركة التي كانت معرضة لتحمل ما هو فوق طاقتها، مع إبعاد أقرب عملائها وشركائها.
تضمن الإصدار الأول من العمل التجاري لأوبن أيه آي - الشركة التي كان ألتمان يبنيها منذ أن اجتاح تشات جي بي تي عالم التكنولوجيا قبل عام - سباقا في جميع الاتجاهات في وقت واحد. أما الآن، يتعين أن يكون الإصدار الثاني أكثر تركيزا إذا أرادت تحقيق إمكاناتها بوصفها الشركة الجديدة الأكثر أهمية في عصر الذكاء الاصطناعي وتجنب الصدوع التي بدأت تظهر بالفعل.
يظهر مثالان حديثان كيف يمكن لخطة عمل ألتمان الطموحة أن تخاطر بنتائج عكسية، وسبب وجود حاجة إلى مجموعة أضيق من الأهداف.
الأول كان الإعلان في نوفمبر عن أن الشركة ستمنح المطورين القدرة على إنشاء روبوتات دردشة مخصصة ووكلاء أذكياء، أو GPTs، وإطلاقهم عبر سوق جديدة لأوبن أيه آي، مثل متجر لتطبيقات الذكاء الاصطناعي.
أذهلت هذه الخطوة فئة كاملة من الشركات التي ظهرت لبناء خدمات على نماذج أوبن أيه آي. وبضربة واحدة، ألغى ألتمان وساطة هذه الشركات، ووضع شركته في وسط سوق جديدة مدعومة بالذكاء الاصطناعي، حيث يمكن أن تحصل على شريحة من أي إيرادات.
يدعي منافسو أوبن أيه آي أن هذا أدى إلى موجة مفاجئة من الاهتمام من الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي التي كانت تعتمد على أوبن أيه آي وترغب الآن في تقليل اعتمادها.
المثال الثاني هو محاولة أوبن أيه آي أن تصبح شركة برمجيات مؤسسية، حيث توفر للعملاء الكبار مزيدا من الأدوات اللازمة لبناء خدمتها عليها. وهذا ما وضعها على مسار تصادمي مع شريكتها المقربة، مايكروسوفت. كما يتطلب أيضا ثقافة مختلفة تماما، نظرا إلى المستوى العالي من المبيعات ودعم العملاء المطلوب في عالم تكنولوجيا المعلومات الخاص بالمؤسسات.
يبحث أكبر مشتري التكنولوجيا عن شيء واحد في مورديهم قبل كل شيء: القدرة على التنبؤ في المدى الطويل. فهم يريدون الاطمئنان ليس فقط على أن هذه الشركات مستقرة ماليا وتدار إدارة جيدة، بل إنها على مسار تكنولوجي واضح يبرر صرف الأموال على منتجاتها. أدت الفوضى التي شهدتها في الأيام الأخيرة إلى إلحاق ضرر شديد بقدرة الشركة على تلبية هذه التوقعات.
يوضح هذان المثالان كيف ترك إرث الفترة الأولى التي قضاها ألتمان رئيسا تنفيذيا كثيرا من الأسئلة حول الاتجاهات العديدة المختلفة للشركة. في الواقع، لم يكن من الواضح بالضبط ما نوع الشركة التي كان يحاول بناءها. ويبدو أن إطلاق تشات جي بي تي قد منحها فرصة لتصبح شركة الإنترنت الاستهلاكية الكبرى التالية، حيث كانت خدمتها أول منافس جدي لشركة جوجل منذ أعوام. لكن المديرين التنفيذيين لشركة أوبن أيه آي أصروا بدلا من ذلك على أنهم يريدون أن تكون شركة تعمل في الخلفية لدعم كثير من الشركات الأخرى التي تعتمد على نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بها.
إلى جانب اتجاهات جديدة كبرمجيات المؤسسات والسوق، أصبح من الصعب رؤية أين تنتهي طموحات الشركة وأين ستركز اهتمامها. علاوة على ذلك، كان ألتمان يستكشف طرقا للدخول في مجال الأجهزة، صنع أجهزة تعمل بالذكاء الاصطناعي قد تحل يوما ما محل الحاجة إلى حمل هاتف ذكي، وبهذا، تصبح واحدة من الشركات الرائدة في إنتاج أشباه الموصلات. ويبدو الأمر كما لو أنه قرر أن يتحدى أقوى شركات التكنولوجيا في العالم، من ضمنها جوجل وأبل وإنفيديا وتي إس إم سي.
أخبر ألتمان أخيرا مادوميتا مورجيا من "فاينانشال تايمز" أن هناك استراتيجية متماسكة وراء ذلك، وأن "المنتج الوحيد" لشركة أوبن أيه آي هو "الذكاء، ذكاء سحري لا حدود لها".
لكن ذكاء أوبن أيه آي يشبه إلى حد كبير مكونا ما، مدخلا متعدد الأغراض يمكن استخدامه لإنشاء أي عدد من المنتجات - ويبدو أن ألتمان عازم على محاولة بناء كثير منها بنفسه. في الوقت نفسه، لقد تم كل هذا على حساب مؤسسة لم يكن هدفها الأساسي تجاريا، بل كان إجراء أبحاث في مجال الذكاء الاصطناعي المتقدم.
يبدو أن ألتمان قد عاد على الأقل إلى منصبه رئيسا تنفيذيا. وما إذا كان مجلس الإدارة الجديد الذي يتبعه سيعزز كل طموحاته فهذا موضوع آخر.