تناقض الأزياء الفاخرة .. المكانة يبرزها السعر لا المظهر
إن الاتجاه العصري المتمثل في إضفاء طابع غير رسمي على الملابس الفاخرة قديم جدا. لاحظ ثورستين فيبلين، الاقتصادي والعالم في المجال الاجتماعي الأمريكي، في مطلع القرن الـ20 أن على ملابس الطبقات المرفهة أن تبدي الثروة والذوق، وفي الوقت نفسه، ألا يرى مرتديها على أنه بذل قصارى جهده للخروج بهذا المظهر أبدا، وإلا فإنه يخاطر بإبطال تأثيره. يجب أن تكون الرسالة هي الراحة دائما. حل هذا التوتر نفسه بنفسه، على فترات متقطعة، على مدى عقود.
لكن ربما قد وصل ذلك الاتجاه الآن إلى مستوى التمجيد، أو ربما مجرد طريق مسدود. على نحو متزايد، لم يعد بالإمكان تمييز الملابس الفاخرة عن الملابس غير الرسمية التي تقلدها، الملابس الرياضية وملابس العمل. لا تزال السلع الفاخرة تخدم غرضها الأساسي المتمثل في فصل الأغنياء عن الفقراء، والطبقة العليا عن الدنيا، والتميز عن العاميين. لكن لتحقيق ذلك، عليهم أن يعتمدوا أكثر فأكثر على السعر وحده.
لنشهد مثلا ظاهرة الأحذية الرياضية غير الرسمية، إذ يمكنك شراء زوج منها بقيمة تقارب الألف دولار من "لورو بيانا" أو "لوي فيتون" أو "ذا رو" أو "برونو كوشينيلي" أو "زيجنا". إلى جانب أسعارها، فإن القاسم المشترك بينها جميعا هو أنها ليست ذات مظهر أفضل، أو أحسن، أو أريح، أو أمتن من زوج جميل من أحذية "نايكي" سيكلفك أقل من مائة دولار "أدت تكنولوجيا التصنيع إلى تراجع التكلفة الحقيقية للأحذية الرياضية الجيدة كثيرا في الأعوام الأخيرة". لكن الأحذية الرياضية الفاخرة توحي بنجاح إلى مجموعة مختارة من الأشخاص بأنك غني.
المشكلة هي أنه لمجموعة مختارة مختلفة من الأشخاص، فإنها توحي بأنك أحمق. التزمت بضرورة ارتداء ملابس غير رسمية إلى أقصى حد ممكن، إلى درجة أنها تشكل تناقضا مثيرا للضحك مع ضرورة التميز بالسعر.
الأمر لا يتعلق فقط بالأحذية الرياضية. فلديك مجال واسع للاختيار بين القمصان القطنية بقيمة 500 دولار، والسترات الثقيلة بقيمة ألف دولار، وهكذا دواليك. إن أفضل جهد تبذله الصناعة لتبرير هذه الأسعار هو صناعة ألبسة تجمع بين النمط الرياضي وغير الرسمي -مثل المعاطف المنتفخة، وأحذية الركض، وغيرها- المصنوعة من الكشمير والوبر. وربما يحافظ الوبر على جودته فترة أطول قليلا، أو يبدو أجمل قليلا، أو أنعم عند اللمس. لكن هذا ليس هو المقصد. الخامات باهظة الثمن مستخدمة لتبدي تناقضا بدأ يتضح للأذكياء وضوحا شديدا لدرجة لا يطيقونه، مهما كانوا مختالين.
لا أصر على أن جميع الألبسة باهظة الثمن مثيرة للضحك. فالأشياء المصنوعة يدويا أو التي وضعت اللمسات النهائية عليها يدويا تستلزم عمالة كثيرة ماهرة ومكلفة. إن البدلة أو الفستان المصمم حسب الطلب بسعر خمسة آلاف دولار منطقية اقتصاديا أكثر بكثير من قميص بقيمة 500 دولار. وما إذا كان التصميم حسب الطلب يستحق هذا الثمن فهو موضوع سؤال آخر "سؤال لن أتمكن، أنا الذي أعيش على راتب صحافي، من الإجابة عنه أبدا". عموما، إن الخياطة الجيدة تكلف كثيرا. وفي الوقت نفسه، التصميم الجيد جميل، والمصممون البارعون يستحقون أن يحصلوا على علاوة مقابل عملهم. لكن من الواضح تماما أن أسعار السلع الفاخرة تجاوزت ما يمكن أن تبرره ثرثرة العلامات التجارية حول المظهر والجودة.
أنا لا أقول إننا يجب أن نتوقف فحسب عن القلق بشأن المكانة والمظهر الذي يدل عليها. هذا مثل قول إننا يجب أيضا أن نتخلى عن المشي على قدمين ونعود إلى الركض على أربع. إن البحث عن المكانة مرتبط بنا بالطريقة نفسها التي نرتبط بها باللغة. والذين يصرون على أنهم لا يهتمون مطلقا بالمكانة ورموزها يعانون دائما قلقا جراء الطبقية المجتمعية أكثر من غيرهم، ويصبحون ساخطين جدا بسبب ما يصدر من إهانات وتصرفات غير مقصودة تشكل الحياة اليومية. سأقول ما يتجاوز ذلك، الملابس وغيرها من الأمور المتعلقة بالذوق هي وسيلة حميدة نسبيا للإشارة إلى المكانة والاحتفاء بها، وهي مفضلة كثيرا على التكبر على أساس الحزب السياسي أو النسب، مثلا.
ما أقوله هو أنه، كخطوة في لعبة المكانة، قد يدور اتجاه اللباس غير الرسمي مرات عديدة فقط على مدار أعوام عديدة، وكما هي الحال مع رأسمالية ماركس، القائل "الرأسمالية تحمل بذور فنائها"، لا بد أن التناقضات التي تحملها قاتلة في النهاية. وفي النهاية، يصبح المرء ما يقلده، أي شخص يرتدي ملابسه من غير اكتراث، ثم يفقد الاستعراض هدفه، إن لم يفقد ثمنه.
ماذا يعني لو كان الأمر كذلك؟ هذا يعني أن الادعاءات البلهاء المتمثلة في "الألبسة المرموقة التي تجمع بين النمط الرياضي وغير الرسمي" و"الفخامة غير الزاهية" هي، كنماذج أعمال، لم يبق لها وقت طويل. ويعني أيضا أن توجيه رسائل اجتماعية من خلال الملابس غير الرسمية سيصبح أصعب وأكثر خطورة، لأنه لم يعد بإمكان الشخص الاعتماد على مجرد الدفع مقابل علامات تجارية معينة لتؤدي هذا الغرض. وربما علينا فقط إيجاد وسيلة جديدة للتباهي.
والنتيجة الأكثر ترجيحا هي أن أيا من كان على استعداد لدفع ألف دولار مقابل زوج من الأحذية الرياضية سيستمر في الدفع مقابلها. ولو كان لديهم القدرة على إنفاق أموالهم في شيء آخر، لفعلوا ذلك أصلا. الأحكام المبنية على الذوق غامضة وقابلة للتغيير وتتطور مع التاريخ. أما الغرور، من ناحية أخرى، فهو قوي وغبي، ويشق طريقه إلى الأمام بقوة.