رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


الدولار والتخلص من العملة الوطنية!

يلقب كثير من الأرجنتينيين الرئيس الأرجنتيني المنتخب بالمجنون بسبب آرائه السياسية والاقتصادية المتطرفة غير التقليدية، التي تجد قبولا شعبيا لدى فئات كثيرة من الشعب الأرجنتيني، ولا سيما من خلال ما ينشر عنه في سائل التواصل الاجتماعي وما يجرى معه من مقابلات إعلامية صارخة. أحد القرارات غير التقليدية التي يسعى إلى تطبيقها خافيير ميلي قرار جعل الدولار العملة الرسمية للبلاد، وهو القرار الذي يتطلب موافقة البرلمان ومن غير الواضح أنه يستطيع القيام بذلك، وإن تم ذلك فستنضم الأرجنتين إلى مجموعة صغيرة من الدول التي تعتمد على عملة دولة أخرى بدلا من قيامها بإصدار وإدارة عملة خاصة بها، وهي دول مثل السلفادور وبنما والإكوادور وزيمبابوي.
من التحديات التي قد تحول دون تحقيقه كثيرا من الخطط الاقتصادية التي يؤمن بها، مثل التخلص من البنك المركزي وإلغاء العملة الوطنية واستخدام الدولار الأمريكي بديلا عنها، إلى جانب سداد المديونيات الضخمة الداخلية والخارجية، هناك صعوبة تطبيق بعض القرارات في بلد منهك اقتصاديا وماليا، وهناك صعوبات تتعلق بالدائنين الخارجيين على وجه الخصوص البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وغيرهما من مستثمرين خارجيين، حيث قد يعترض هؤلاء على بعض قراراته، ولا سيما أن حزبه السياسي ضعيف ولا يمتلك العدد الكافي من المشرعين في البرلمان الأرجنتيني، ما يسمى الكونجرس الوطني.
الصعوبات المالية والاقتصادية التي تعانيها الأرجنتين ليست جديدة ولا طارئة، بل إن الدولة تعاني موجات تضخم الأسعار وديونا خارجية منذ عشرات الأعوام، إلا أنها لم تشهد تضخما في الأسعار بالحدة التي تشهدها البلاد منذ عدة أشهر، حيث تصل نسبة التضخم السنوية إلى نحو 150 في المائة، ما جعل البنك المركزي يقوم برفع معدل الفائدة الرسمي إلى 133 في المائة، لكي يكون هناك عائد حقيقي موجب تماشيا مع الاتفاقيات التي أبرمتها الأرجنتين مع صندوق النقد الدولي، الذي طرقت الأرجنتين بابه نحو 21 مرة، منها قروض بأكثر من 50 مليار دولار في 2018.
السبب الرئيس في تدهور عملة الأرجنتين ما أرجعه صندوق النقد الدولي إلى العجوزات السنوية المستمرة في الميزانية والتي يتم تمويلها بالاقتراض المحلي ومن ثم يقوم البنك المركزي بشرائها، ونتيجة لتلك الطباعة النهمة لعملة البيسو ارتفع المعروض النقدي نحو عشرة أضعاف خلال الأعوام الخمسة الأخيرة فقط، وتدهور سعر صرف العملة الرسمي في الفترة ذاتها من 26 إلى 355 بيسو للدولار، أما في السوق السوداء فيصل سعر الصرف إلى نحو ألف بيسو للدولار.
هل ستستفيد الأرجنتين من فكرة التحول إلى الدولار الأمريكي كعملة رسمية؟ من المعروف أن هناك دولا عديدة يعد الدولار عملتها التجارية وليس العملة الرسمية، مثل ما يحصل في دول عديدة مثل كندا والمكسيك وكثير من الدول السياحية الصغيرة ودول أخرى مثل لبنان في الوطن العربي، وبالطبع الأرجنتين ذاتها حيث فقد الناس الثقة بالعملة الوطنية من عدة أعوام، فأصبح الدولار الملاذ الآمن للحفاظ على قيمة العملة، تماما كالذهب وبعض الأصول الصلبة الأخرى. إلا أن التحول الكامل للدولار يعني إلغاء العملة الوطنية والاستغناء عن دور البنك المركزي في السياسة النقدية وقبول السياسة النقدية الأمريكية، فهل ذلك يناسب دولة مثل الأرجنتين؟
تنجح عملية التحول الكامل إلى عملة دولة أخرى في حالة كانت هناك علاقات تجارية كبيرة بين البلدين، وهذا لا ينطبق تماما على الأرجنتين التي إلى أعوام قليلة ماضية كانت تمارس الحمائية وعدم الانفتاح على الخارج، وتعتمد في صادراتها على المنتجات الزراعية وقليل من صناعة المركبات وبعض الخدمات، وتستورد قطع غيار المركبات والنفط والغاز. الأرجنتين تعتمد في صادراتها ووارداتها على البرازيل أولا ثم الصين وأمريكا والهند وتشيلي والباراجواي وألمانيا، لذا لا يوجد هناك نشاط تجاري استثنائي مع أمريكا بشكل يجعل التحول الكامل إلى الدولار مبررا.
في استفتاء تم قبل نحو شهرين أفاد أغلبية رجال الأعمال في الأرجنتين أنهم يعارضون أو لا يرغبون في التحول الكامل إلى الدولار، ونحو ثلثي رجال الأعمال يؤيدون نموذج العمل بعملتين في آن واحد. ومع ذلك فإن التجارب السابقة في عدد من الدول تشير إلى أن التحول إلى الدولار مفيد في الاقتصادات التي يوجد فيها تضخم مفرط، كما هي الحالة الآن في الأرجنتين بنسبة تضخم تصل إلى 150 في المائة، والسبب أن التحول إلى الدولار يعني أن التضخم في الأرجنتين سيتماشى مع التضخم في أمريكا لكون العملة واحدة. كما أن انتفاء الحاجة إلى ممارسة أي عمليات متعلقة بالسياسة النقدية يعني أن البنك المركزي، أو ما يتبقى منه بعد التحول إلى الدولار، لن يضطر إلى استنفاد موارده من الأصول الأجنبية للدفاع عن العملة الوطنية، وسيتخلص من تكاليف إصدار العملة وصيانتها، ولكن بالطبع سيخسر خاصية طباعة النقود المفيدة للحكومة في تخفيف الديون والتحكم بالسيولة النقدية المؤثرة في النشاطات الاقتصادية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي