رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


آفات في النظام الاقتصادي

رغم ما يوحي به العنوان، فإن كتاب "اقتصاديات الغضب" يدور حول ما هو أكثر من الغضب والاقتصاد. وهو في واقع الأمر يتألف من ثلاثة موضوعات مترابطة، هي: تاريخ الرأسمالية على مدار الـ150 عاما الماضية، وتحليل السخط "الغضب" في الوقت الراهن، ومجموعة من الاقتراحات للمستقبل.
هذا الكتاب عبارة عن سلسلة من القصص القصيرة و"الحوارات الأفلاطونية" المشوقة. وإذ يستهدف الكتاب الجمهور الأوسع نطاقا، فإنه يرتكز على البحوث الأكاديمية التي أجراها عديد من المؤلفين في مجالات كثيرة، بما في ذلك بحوث ميشال كاليتسكي وجون كينز الخبيرين الاقتصاديين، وكارل بولاني المؤرخ، وآرون بيك الطبيب النفساني، ومارثا نوسبوم الفيلسوفة. يحتاج المؤلفان إلى كل قطرة من ينبوع الطاقة الفكرية هذا لمواصلة السعي لتحقيق هدفهما الطموح، وهو اكتشاف أسباب الغضب الاقتصادي الراهن، واقتراح الأفكار الكفيلة بمعالجته.
يستهل المؤلفان إيريك لونرجان ومارك بلايث كتابهما بالتمييز بين الغضب العام "الجيد" و"السيئ". فما يعرف بالغضب الجيد هو ما ينشأ عن السخط الأخلاقي على منتهكي الأعراف المجتمعية، بينما يعد الغضب السيئ طاقة عشائرية لا تقوم على أساس منطقي يسيء استغلالها السياسيون من الأحزاب الشعبوية لتحقيق مصالحهم السياسية. ووفقا لتقديرات المؤلفين، كانت مشاعر الغضب العام الأخيرة "في معظمها" من النوع الجيد، ونشأت نتيجة الاتجاهات العامة في الاقتصاد الكلي "ركود وتفاوت الأجور، وفقاعات الأصول" والسخط على الاستجابات المتحيزة لمواجهة الأزمة المالية العالمية في العقد الماضي. رغم أن هذا الكتاب كتب قبل تفشي الجائحة العالمية، فإنه يستعرض إطارا لتحليل آثار أزمة كوفيد - 19، تلك التي أدت إلى زيادة تضخيم مسببات الضغط الصغرى، فضلا عن التحديات الكلية.
يرى المؤلفان أن نظام الرأسمالية عبر التاريخ الحديث يمكن مقارنته بنظام الكمبيوتر الذي ينهار بصفة متكررة. لكن على النقيض من الأزمات النظامية السابقة مثل "الكساد الكبير" أو الركود التضخمي في فترة السبعينيات من القرن الماضي، لم تنجح إعادة تشغيل النظام الرأسمالي قط بعد الأزمة المالية العالمية. وهذا يعني أنه رغم نجاح الحكومات في إصلاح النظام الرأسمالي النسخة 1,0 "ما قبل الكساد الكبير" والنظام الرأسمالي النسخة 2,0 "الفترة الكينزية" والنظام الرأسمالي النسخة 3,0 "فترتنا الليبرالية الجديدة الحالية" فإنها لم تتمكن من إعادة ضبط هذا النظام بعد أن تسببت الآفات الإلكترونية في انهياره. لكن ما المقصود بهذه الآفات البرمجية على وجه الدقة؟ إنها ركود الأجور، وفقاعات الأصول، والزيادة المفرطة في الرفع المالي المصرفي، وعدم المساواة. وبينما يبرز الكتاب هذا الأمر على نحو جيد فقد كان من الممكن أيضا أن يتعمق أكثر في مسألة الاقتصاد السياسي المتغير، نظرا لأن مثل تلك المحصلات هي نتاج النظام الاقتصادي في حد ذاته، إلى جانب تبعات بعض الأحداث التي غيرت المشهد السياسي.
أما القسم الأخير من الكتاب فهو مخصص للمقترحات، بما في ذلك "أموال المروحيات"، وأسعار الفائدة المزدوجة، ومجالس الموازنة، وتعبئة الأموال عن طريق إصدار التراخيص، وصناديق الثروة السيادية، وضرائب الكربون. ولسوء الحظ، فإن معظم هذه الإجراءات سبق اقتراحها من قبل ولها سلبياتها الاقتصادية المعروفة. غير أن رأي الكاتبين الأكثر إثارة للاهتمام هو ما يتعلق بصناديق الثروة السيادية، إذ يقترحان أن تستخدمها الحكومات بقوة أكبر عن طريق تسخير أسعار الفائدة المنخفضة "أو السالبة" على السندات العامة للاستثمار في سوق الأوراق المالية. وتمثل أزمة كوفيد - 19 فرصة مواتية لهذه الصناديق لأن أسعار الفائدة على الأصول الآمنة أصبحت أكثر انخفاضا كما أن أسعار الأسهم انكمشت.
في المجمل، يوفر كتاب "اقتصاديات الغضب" رؤية سليمة لتفهم الأحداث السياسية الجارية في سياق أوسع. ويتسم كذلك بدرجة عالية من التبصر، نظرا لأنه يرسم ملامح الإطار المفاهيمي لمسببات الضغط الصغرى والكلية، التي قد تسمح لنا قريبا بتفهم انعكاسات أزمة كوفيد - 19 غير المسبوقة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي