لا مفر من طغيان الرؤساء السيئين
تخيل أنك في أوائل العشرينيات من عمرك متجها إلى حفل مقام في عملك ثم ينتهي بك الأمر معلقا على رافعة بالمقلوب دون قميص. ثم تخيل بعد ذلك أن ينضم رئيسك إلى لعبة المرح ويضربك على صدرك باستمرار.
يقول شاب يدعى إلياس الخراز إن هذا ما حدث له عندما كان نجارا متدربا في شركة تركيب زجاج في مدينة ميلبورن الأسترالية في 2020. عندما عرض برنامج تلفزيوني مقطعا للحادثة، تصدرت العناوين حول العالم.
أقر ستيفن يوسف، رئيسه سابقا، بالذنب الأسبوع الماضي في المحكمة لفشله في توفير بيئة عمل آمنة بعد أن وجه له أحد المنظمين تهمة "السلوك المتنمر المتكرر وغير المعقول".
كانت أول وظيفة لي في ميلبورن وقد كان لي رؤساء مريبون عندما كنت في عمر قريب من عمر الخراز.
لا زلت أتذكر تثبيت جيتار على مقبض باب مقصورتي في قارب صيد في كوينزلاند بعد أن نصحتني زميلتي من أفراد الطاقم بأن هذا الحاجز سيفيد في إبعاد القبطان، وقد نجح ذلك.
لكن إن كان حدث أي شيء مثل حادثة الرافعة تلك فلا أتذكر أني قد سمعت به، ما يثير سؤالين: ما مدى انتشار الرؤساء السيئين وكيف يفلتون بتصرفاتهم الرهيبة لفترة طويلة.
يعتمد انتشار الرؤساء السيئين على كيفية قياس المشكلة.
يقول أكثر من ثلثي العمال الأمريكيين إنهم قد تعاملوا مع رئيس سيئ، ويعتقد 31 في المائة أنهم يعملون تحت إدارة أحدهم حاليا، كما أظهر تقرير من شركة هاريس بول الشهر الماضي.
استندت تلك النتائج إلى سؤال 1233 موظفا عما إذا كان مشرفهم قد تصرف بسلوكيات مثل التدقيق في الإدارة، والتفضيل، والتوقعات غير المعقولة، وعدم المهنية.
لكن الأكاديميين الذين درسوا 28 ألف عامل أوروبي وجدوا نتائج مختلفة في 2018 باستخدام طريقة أكثر تفصيلا قيمت أمورا مثل مدى تقديم المشرف للثناء أو المساعدة.
قدروا أن 13 في المائة من الموظفين كان لديهم رئيس سيئ، والمشكلة كانت أسوأ في قطاع النقل. لكن موظفي الياقات البيضاء ليسوا استثناء من ذلك.
خذ على سبيل المثال راي داليو، الملياردير المؤسس لشركة بريدجووتر أسوشيتس، أكبر صندوق تحوط في العالم.
كان معروفا منذ وقت طويل أن داليو، الذي تنحى عن الإدارة اليومية، أدار شركته بطريقة غير تقليدية للغاية.
كانت اجتماعات الموظفين مسجلة وكان متوقعا منهم أن يحاسبوا بعضهم باتباع مجموعة من القواعد الصعبة التي تسمى "المبادئ" وثقافة "الشفافية المطلقة".
أبهر نظام داليو خبراء القيادة والإدارة، بما في ذلك فكرته أنه لا يحق لأي شخص أن يكون لديه رأي ناقد في العمل ولا يتحدث عنه.
"إنه متطرف للغاية، لكنه استفزازي وذلك يعجبني"، كما قالت إيمي إدمينسون، أستاذة في كلية هارفارد للأعمال. كتب أساتذة آخرون من جامعات رابطة آيفي (جامعات النخبة) مستحسنين نظام داليو في كتبهم. أنشأ آدم جرانت من كلية وارتون اختبار تحليل للشخصية استخدم فيه رؤى الملياردير للمساعدة على "فهم نفسك والآخرين أكثر".
لكن يلقي كتاب جديد بعنوان "الصندوق"، للصحافي روب كوبلاند، ضوءا على إدارة داليو في بريدجووتر. تملأ صفحاته حكايات عن الانهيارات والدموع والمراقبة.
"أنت حثالة حمقاء"، كما قيل إن داليو أخبر امرأة في اجتماع جماعي لمناقشة سبب تأخرها عن جدول مشروع ما. كتب كوبلاند أنها انهارت بالبكاء وركضت خارج الغرفة. ثم تمت مشاركة تسجيل لذلك مع الموظفين الآخرين. قيل لي إن استخدام مصطلح "حثالة حمقاء" شائع في الشركة، وحتى داليو يقوله لنفسه، ومعناه الشخص الذي لا يعرف معلومات بالقدر الذي من المفترض أن يعرفه.
مرض رجل عين ليصبح رئيسا تنفيذيا وجافى النوم عينيه و"أصبح شاحبا مكسورا لا يتحدث في الغالب" بعد تعرضه لصراحة شديدة. ثم استقال بعد أقل من ستة أشهر.
احتوت الصفحة التي لا يمكنني نسيانها على عبارة مليئة بكلمات بذيئة رددها داليو في عمل أمام موظفين غالبيتهم نساء. لكن ربما الصادم أكثر هو ما يزعم عن الصندوق أيضا أنه زور نظام تصنيف الموظفين لإبقاء داليو في الأعلى.
هذا مجرد جزء من الجو المتشدد الذي يستشهد به كوبلاند في الكتاب، الذي وصفه داليو بأنه "مثير وغير دقيق".
حتى إن كان عشر ذلك صحيحا، من الواضح أن داليو كان قائدا مثيرا للقلق. لكنه استمر مع ذلك، كما يفعل كثيرون. العاملان اللذان ساعداه هما أنه مؤسس ملياردير، وأن موظفيه تلقوا على الأقل رواتب سخية. لكن كتاب كوبلاند هو تذكير بأن أكثر أهوال مكان العمل استثنائية يمكن أن تحدث في أي نوع من الشركات.