توقعات الفائدة .. الرؤية لا تزال ضبابية

توقعات الفائدة .. الرؤية لا تزال ضبابية

تعد لحظات الاتفاق الواضحة في الأسواق نادرة وعادة ما تكون عابرة. ربما شهد الأسبوع الماضي إحداها عندما أقنعت بيانات التضخم الأمريكية الضعيفة المستثمرين بأن الاحتياطي الفيدرالي لن يرفع أسعار الفائدة في ديسمبر.
إن أي إجماع حول التوقعات خلال الأسابيع الماضية من العام الذي يتسم بالتقلب هو مصدر ارتياح حقيقي. ويمكن للمستثمرين الاستمتاع به - ما دام مستمرا. كما رسمت أرقام التضخم الصادرة الأسبوع الماضي صورة أفضل من المتوقع مع انخفاض المعدل الأساسي إلى أدنى مستوى له في عامين عند 4 في المائة في أكتوبر.
قال محللون مازحين إن بإمكانهم الآن التخطيط لحفلات العطلات خلال الأسبوع الذي يعقد فيه اجتماع الاحتياطي الفيدرالي في ديسمبر. وابتهجت الأسواق على الفور، حيث تمتع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بأفضل يوم له منذ أكثر من ستة أشهر، بينما تراجعت عوائد سندات الخزانة لأجل عامين نحو 0.25 نقطة مئوية.
عكست أسواق العقود الآجلة قبل أسبوعين تقريبا التوقعات باحتمال يعادل الثلث لارتفاع سعر الفائدة بحلول نهاية العام. وحاليا، تحتسب السوق احتمال 100 في المائة أن يتم تثبيت أسعار الفائدة القياسية في اجتماع الفيدرالي الشهر المقبل عند النطاق المستهدف الحالي الذي يراوح بين 5.25 و5.5 في المائة، وفقا لأداة فيد ووتش التابعة لبورصة شيكاغو التجارية.
لم هذا اليقين في حين كنا في هذا الوضع من قبل؟ في دورة أسعار الفائدة هذه وحدها، فإن هذه هي المرة السابعة التي يتوقع فيها المستثمرون أن يتحول موقف الاحتياطي الفيدرالي إلى حمائمي، وفقا لمحللي دويتشه بنك.
كانت آخر مرة، في مارس، مرتبطة بالمخاوف من انتشار الاضطرابات المصرفية في الولايات المتحدة، وقبل ذلك، في سبتمبر من العام الماضي، مرتبطة بالمخاوف من أن الاضطرابات في سوق السندات الحكومية البريطانية ستكون لها تداعيات أوسع نطاقا.
كانت ثلاث حالات سابقة في 2022، مع بدء رفع أسعار الفائدة، نتيجة مخاوف من أن الاقتصاد الأمريكي لم يكن قويا بما يكفي للتعامل مع الظروف النقدية الأكثر تشددا، خاصة مع بدء الحرب في أوكرانيا.
خلال معظم المرات التي راهن فيها المستثمرون على أن أسعار الفائدة قد بلغت ذروتها، ارتفعت الأسهم بقوة على أمل أن الظروف الأسهل ستعزز النمو. وفي هذه المرة، ساعدت عدة أجزاء من البيانات على دعم الاعتقاد بأن هذه المرة ستكون فعلا نقطة التحول.
ارتفعت نسبة البطالة في الولايات المتحدة إلى 3.9 في المائة، وتباطأ نمو مبيعات التجزئة، وضعفت الاستطلاعات حول التصنيع. كل هذا من شأنه أن يساعد على إقناع الاحتياطي الفيدرالي بأن الاقتصاد بدأ يتباطأ. قبل أكثر من أسبوعين، وصف جاي باول رئيس الاحتياطي الفيدرالي بنفسه موقف البنك المركزي أنه "يسير قدما بحذر" "في ضوء الشكوك والمخاطر، والمدى الذي وصلنا إليه".
لكن الخطر بالنسبة إلى المستثمرين يأتي مع تجاوز الأسواق لأي توقف مؤقت لتوقع تخفيضات سريعة في الفائدة. وتشير أداة فيد ووتش إلى أن هناك احتمالا بنسبة الثلثين أن تنخفض الفائدة بمقدار نقطة مئوية كاملة بحلول نهاية العام المقبل، على أن يأتي أول تخفيض في يونيو.
من الممكن أن أسواق العقود الآجلة في الواقع تعكس وجهات نظر منقسمة للغاية - حيث يعتقد بعض المستثمرين أن مكافحة التضخم ستقتضي أن يبقي الفيدرالي الفائدة أعلى لفترة أطول، بينما يراهن آخرون على أن التأثير الكامل لدورة رفع الفائدة الأكثر قسوة في التاريخ الحديث، ستؤدي إلى تراجع الاقتصاد وانخفاض الفائدة انخفاضا حادا عما قريب.
من شأن ذلك أن يساعد على تفسير سبب احتفاظ مديري الصناديق في الوقت الحالي بمركز أثقل وزنا في السندات منذ أعقاب الأزمة المالية لعام 2008، كما تم الكشف عن ذلك الأسبوع الماضي في الاستطلاع الشهري لبنك أوف أمريكا. ومن المحتمل أن يستفيد حملة السندات من العوائد المرتفعة المعروضة وكذلك مكاسب الأسعار، إذا بدأت الفائدة في الانخفاض، وهو ما يؤدي إلى انخفاض العوائد.
كما أن هناك توقعات بأن الاحتياطي الفيدرالي سيخفض الفائدة بسرعة. في 2019، أبقى ذروة الفائدة عند 2.25 في المائة لمدة سبعة أشهر فقط قبل خفضها. وقبل أزمة 2008، بلغت أسعار الفائدة ذروتها عند 5.25 في المائة لمدة 15 شهرا على نحو غير اعتيادي قبل أن يخفضها مع انتشار الاضطرابات.
ولكن ماذا لو تبين أن الأعوام المقبلة ستكون أقل شبها بنمط الذروات التي تعقبها انعكاسات حادة والتي كانت هي القاعدة في الماضي القريب، وأكثر شبها بمنتصف التسعينيات؟ آنذاك، أدت سلسلة سريعة من زيادات أسعار الفائدة في 1994 إلى رفع هدف الاحتياطي الفيدرالي من 3 إلى 6 في المائة بحلول أوائل 1995. وأعقبت ذلك ثلاثة تخفيضات اتسمت بالحذر بمقدار ربع نقطة فقط قبل رفعها مرة أخرى في 1997. وتكرر هذا النمط حتى انفجرت فقاعة الدوت كوم في 2001.
يقول مارك جيانوني، كبير الاقتصاديين الأمريكيين في باركليز، الذي يتوقع تخفيضا وحيدا لسعر الفائدة من الفيدرالي في 2024: "شعورنا يخبرنا بأن التسعينيات هي في الواقع نموذج جيد جدا لما قد يفعله الفيدرالي. قد يتحركون صعودا وهبوطا قليلا بينما يعيدون تقييم مدى تقييد موقفهم السياسي. إذا ضعف الاقتصاد، لكن التضخم توقف، لنقل، عند مستوى 3 في المائة أو أكثر. لا أعتقد أن الفيدرالي سيكون قادرا على تخفيف سياسته النقدية".
إن حالة عدم اليقين هذه ليست جيدة لأسواق الأسهم أو الديون، بما يتجاوز البهجة التي شوهدت الأسبوع الماضي. يقول جوليان بريجدين، المؤسس المشارك ورئيس قسم الأبحاث في مؤسسة إم آي2 بارتنرز: "الجميع في حاجة ماسة إلى الارتفاع، لكن ارتفاع الأسهم والسندات على حد سواء يعني أننا خففنا مرة أخرى الظروف المالية وجعلنا مهمة الاحتياطي الفيدرالي أكثر صعوبة. لا يزال معدل البطالة لدينا منخفضا، لذا من أجل تقليص التضخم، نحتاج إلى نمو اسمي أقل - وظروف أشد لتحقيق ذلك".
أثار وصف باول في أغسطس بأن الاحتياطي الفيدرالي "يبحر مهتديا بالنجوم تحت سماء ملبدة بالغيوم" بعض السخرية في ذلك الوقت، ولكن يجدر بنا أن نضع ذلك في الحسبان عندما نواجه موجة أخرى من توقعات الأسواق المشرقة لأسعار الفائدة.

الأكثر قراءة