هل بدأت مرونة المستهلك تتصدع؟

هل بدأت مرونة المستهلك تتصدع؟

عززت بيانات الإنفاق القوية بشكل غير متوقع الأسبوع الماضي الآمال في أن يواصل الأمريكيون التسوق في مواجهة الضغوط الاقتصادية، لكن أرباح بعض أكبر تجار التجزئة في البلاد تشير إلى أن التصدعات بدأت تظهر على صورة مرونة المستهلك.
قال مكتب الإحصاءات الأربعاء الماضي: إن مبيعات التجزئة انخفضت 0.1 في المائة الشهر الماضي، أي أقل من الانخفاض الذي توقعه الاقتصاديون عند 0.3 في المائة.
أدى ذلك إلى توسع اتجاه ساد هذا العام، حيث لم يتأثر الأمريكيون بالتضخم المرتفع للغاية وارتفاع أسعار الفائدة وإفلاس البنوك الإقليمية، إذ واصلوا فتح محافظهم، ليس فقط للمشتريات اليومية ولكن أيضا للسفر والترفيه والسلع باهظة الثمن.
لكن الآن، مع تباطؤ سوق العمل بشكل ملحوظ، واعتدال نمو الأجور، وبدء نفاد المدخرات التي تراكمت خلال الجائحة، فإن السؤال الذي يطارد المسؤولين هو إلى متى يمكن للمستهلك الأمريكي أن يحتفظ بهذه المرونة؟
عند الإعلان عن أرباحهم الفصلية الأخيرة بعد موسم إنفاق صيفي كبير، لاحظ تجار التجزئة الأسبوع الماضي أن الإنفاق على السلع الكمالية كالأثاث والملابس والأجهزة لا يزال ضعيفا، حيث يعطي المتسوقون الأولوية لمواد البقالة ومنتجات الصحة والرفاهية.
قال كوري تارلو، محلل في بنك جيفريز: "إن الفكرة بشكل عام، هي أن المستهلكين مرنين لكننا بدأنا نرى نوعا من التمدد. لقد بدأت الاتجاهات تصبح أكثر إثارة للقلق بعض الشيء".
أشارت شركة هوم ديبو إلى تأخير العملاء المشاريع الكبيرة لتحسين المنازل، والتركيز على المشاريع الصغيرة. قال ويليام باستيك، نائب الرئيس التنفيذي لتسويق السلع في الشركة، للمحللين: إن المعاملات التي تزيد قيمتها عن ألف دولار انخفضت 5.2 في المائة على أساس سنوي، حيث استثمر عدد أقل من المستهلكين في الأرضيات الجديدة والأسطح والخزائن.
وحذرت شركة وول مارت، أكبر متاجر التجزئة في الولايات المتحدة، من أن نمو الإيرادات الإجمالية سيكون معتدلا في الربع الذي تتخلله العطلات، بعد أن شهدت تراجع المبيعات في النصف الثاني من أكتوبر، بما في ذلك نمو أبطأ من المتوقع في مبيعات السلع المستخدمة في الهالوين.
انخفضت مبيعات البضائع العامة للمجموعة التي يقع مقرها في أركنسو انخفاضا طفيفا في الربع الثالث، حتى مع تعزز الطلب في فئات البقالة والصحة والرفاهية.
أشار جون ديفيد ريني، المدير المالي لـوول مارت، إلى الدور الذي تلعبه التخفيضات، قائلا لـ"فاينانشال تايمز": إن المبيعات خلال الفترات بين العروض الترويجية كانت أبطأ. "المستهلكون فطنون: إنهم ينتظرون المناسبات الترويجية كي يخرجوا ويشتروا هذه السلع باهظة الثمن".
من جهتها، قالت سارة وولف، الخبيرة الاقتصادية في مورجان ستانلي: إن التناقض بين بيانات الإنفاق الرسمية والرسالة الواردة من تجار التجزئة ينبع من التأثير غير المتناسب لأغنى 20 في المائة من السكان على الإنفاق الإجمالي.
وأشارت وولف إلى أن أصحاب الدخل المرتفع زادوا حصتهم من الإنفاق الاستهلاكي من 39 في المائة إلى 45 في المائة خلال العامين الماضيين، عندما راكموا "كمية هائلة من المدخرات الفائضة".
كما أشار تجار التجزئة الذين يعتمدون على نطاق أوسع من مجموعات الدخل إلى ضعف الإنفاق على السلع الكمالية، حيث أبلغت كل من تارجت وميسيز وهوم ديبو عن انخفاضات مشابهة في المبيعات في الربع الأخير.
"لا يزال المستهلكون ينفقون، لكن الضغوط مثل ارتفاع أسعار الفائدة واستئناف سداد القروض الطلابية وزيادة ديون بطاقات الائتمان وانخفاض معدلات الادخار، تركتهم بدخل تقديري أقل، ما أجبرهم على إجراء مقايضات في ميزانيات أسرهم"، وفقا للرئيس التنفيذي لتارجت بريان كورنيل.
في الوقت نفسه، استفاد تجار التجزئة المعروفون بتقديم أسعار مبنية على القيمة أو صفقات أخرى من الضغط الذي فرضه التضخم على المستهلكين ذوي الميزانيات المحدودة. أبلغت كل من وول مارت وشركتي السلع المخفضة تي جيه إكس وروس ستور عن زيادة طفيفة في حركة العملاء ونمو مشابه في المبيعات.
قال تارلو من جيفريز: إن المستهلكين الأمريكيين بدأوا يركزون الإنفاق على فترات التخفيضات مثل "ديلز فور ديز" لوول مارت و"برايم داي" لأمازون، وأصبحت احتمالية زيارة متجر لشراء الأشياء بسعرها قبل التخفيضات أقل.
من جانبه، قال جريج بورتيل، شريك رئيس في شركة كيرني الاستشارية: "إن سوق التخفيضات الملحوظة لا تزال قوية. فإذا كان لديك مستهلكون من الطبقة المتوسطة ينتقلون إلى التخفيضات، فهذه أموال جديدة تغير الديناميكية التنافسية".
حدد المحللون في بنك أوف أمريكا بعض الاختلافات بين الأجيال وراء أرقام الإنفاق الرئيسة، ووجدوا أن الأثرياء "جيل الطفرة السكانية" و"التقليديين" زادوا من استهلاكهم، بينما انخفض الإنفاق وارتفعت معدلات التعثر في سداد ديون بطاقات الائتمان في أوساط الأجيال الشابة، التي شهدت عقبات كبيرة من أسعار الفائدة العالية.
قال أوسونج كوون، استراتيجي الأسهم في بنك أوف أمريكا: "أظهرت بيانات بطاقات بنك أوف أمريكا أن جيل الطفرة السكانية يسرعون إنفاقهم، بينما تنفق جميع المجموعات الأخرى أقل بالدولار"، مضيفا أن الطفرة في قطاعات الخدمات، مثل السفر والضيافة، بدأت تصبح طبيعية.
ويضيف بورتيل من كيرني: "أنت ترى انقساما بين المستهلكين. فلا يزال المستهلكون في الطرف الأعلى من الدخل أقوياء للغاية. وفي الطرف الآخر مستهلكون أكثر حساسية تجاه السعر، ويبحثون عن المزيج المناسب من السعر والقيمة".
في الوقت نفسه، أبلغ تجار السلع الفاخرة عن تباطؤ، حيث خفض العملاء الطموحون إنفاقهم. على الرغم من أن شركتي تيبستري ورالف لورين الفاخرتين في الولايات المتحدة أعلنتا عن نمو في إيراداتهما في الربع الأخير، فإنهما أشارتا إلى ضعف الطلب في أمريكا الشمالية.
"لن تسقط الأسر ذات الدخل المرتفع من الهاوية، لكنها ستبدأ في أن تكون أكثر حذرا"، حسبما قالت وولف من مورجان ستانلي.
كان الإنفاق حتى هذا العام مدفوعا إلى حد كبير بالطلب المكبوت، ولكن الآن بعد تلبية الطلب، سيتراجع أصحاب الدخل الأعلى عن الإنفاق. "لا أستطيع أن أرى أي اتجاه إيجابي للمستهلكين في العام المقبل"، كما تتوقع ولف.

الأكثر قراءة