التوصيل يخسر .. التسوق التقليدي يكسب
يبدو واضحا، أن العادات المعروفة المتبعة في شراء سلع البقالة مباشرة من قبل المستهلكين ظلت متماسكة ومنتشرة، على الرغم من الخدمات الموازية التي توفرها شركات ضخمة، ولا سيما تلك المتخصصة في التوصيل.
ومع أن الأعوام الماضية شهدت توسعا على صعيد هذه الشركات، إلا أنها أظهرت تراجعا كبيرا في عوائدها المالية السنوية، ما يعزز حقيقة أن المتسوق العادي ما زال يرغب في الذهاب إلى محال السوبر ماركت لشراء احتياجاته مباشرة دون وسيط. وباستثناء فترة الحظر - التي فرضت حول العالم بسبب جائحة كورونا، حيث شهدت خدمات توصيل السلع إلى المستهلكين قفزات كبيرة - فإن التسوق التقليدي عاد من جديد إلى الساحة، ما رفع من مؤشرات الخطر على الشركات الكبرى والصغرى التي توفر خدمات التوصيل والتسوق، فضلا عن المؤسسات التي ترفد هذا القطاع بالابتكارات التكنولوجية المختلفة.
المشكلة على الساحة الأمريكية، التي يصل فيها حجم سوق البقالة تحديدا إلى 1.5 تريليون دولار سنويا، هي أن بعض الشركات المختصة بتوصيل المشتريات لم تتراجع عوائدها فحسب، بل تعرضت لخسائر، في مقدمتها شركة إنستاكارت التي أعلنت أخيرا خسائر بلغت ملياري دولار. واللافت أن هذه الشركة التي أدرجت بقيمة وصلت إلى 39 مليار دولار وقت إطلاقها، صارت قيمتها الحالية في حدود سبعة مليارات دولار.
بعض المحللين يعتقدون أن السبب الرئيس وراء تراجع أداء شركات التوصيل هذه، لا يعود فقط إلى أن المستهلك لا يزال متمسكا بالطريقة التقليدية للتسوق، بل لأن الشركات المشار إليها لم تقدم خدمات تدفعه إلى تغيير عاداته على نطاق واسع. علما بأن سلع البقالة تستحوذ على الإنفاق الأكبر لدى المستهلك حول العالم. وأحجام أسواق البقالة كبيرة بالفعل. ففي الاتحاد الأوروبي تصل قيمة السوق إلى 1.8 تريليون يورو، وفي المملكة المتحدة تبلغ أكثر من 208 مليارات جنيه استرليني، وفي كندا 114 مليار دولار. وهذه الأسواق تعد الهدف الأول لشركات التوصيل المختلفة بكل أحجامها. ووفق الإحصاءات الأمريكية الأخيرة، فإن شراء البقالة من قبل المستهلك عبر الإنترنت لا يزال ضعيفا، رغم الوصول السهل إلى الشبكة الدولية من جانب كل شرائح المستهلكين.
المشهد ليس سيئا تماما بالنسبة إلى شركات التوصيل الأمريكية وغيرها، إذ لا تزال هناك مؤسسات تشهد نموا مقبولا في خدماتها، وتتوقع أن تواصل النمو في المرحلة المقبلة. غير أن الضمانات الأهم لتأمين هذا النمو تبقى مرتبطة بالقدرة على إقناع المستهلك بتغيير سلوكه الشرائي، وتقدم خدمات مغرية له، سواء من حيث الأسعار، أو من جهة نوعية هذه الخدمات التي ينبغي ألا تكون تقليدية هي الأخرى.
ولا شك في أن الانتشار المتزايد للذكاء الاصطناعي سيخدم في النهاية شركات التوصيل هذه، إلا أن بعضها سيمر بمصاعب وربما يخرج من السوق لحساب شركات التزمت بعمليات تطوير مستمرة لخدماتها. لكن لا يمكن استبعاد التكاليف التي تفرضها هذه الشركات على من يطلب خدماتها. فرغم بعض العروض التي تعد مغرية من قبل بعضها، إلا أن بعضها الآخر يفرض رسوما عالية بالفعل.
إنها عملية ليست معقدة، بقدر ما هي مرتبطة بالتكاليف وبالقدرة على جذب مزيد من المستهلكين إلى النطاق الإلكتروني، كما أن العامل الجغرافي يشكل أهمية كبيرة. فإذا كان هذا المستهلك يعيش بعيدا عن مراكز التسوق ومحال السوبر ماركت، ولا يملك وسيلة نقل خاصة به، لا شك أنه سيلجأ إلى خدمات التوصيل. وفي النهاية، لا تزال شركات التوصيل في مرحلة الكفاح من أجل الوصول إلى أهدافها، خصوصا أن حصتها من السوق لا تزال دون المستوى المأمول.