رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


استثمارات خطرة وتسويق مضلل

رغم المخاطر الاستثمارية وأيضا عدم وجود تشريعات مالية مقننة لتداول أسواق العملات المشفرة، حيث جاء هذا الاستثمار الجديد خلال وقت قصير لأسباب متعددة لا يمكن الجزم بأي منها، لكن ذلك الأمر جعل العملات تصنف ضمن الأصول ذات المخاطر العالية. وعلى سبيل المثال ففي 2019 تم إطلاق عملة مشفرة جديدة سميت LUNA وفي مايو 2022، انخفضت قيمة هذه العملة بنسبة 96 في المائة وفي يوم واحد، ثم انخفضت إلى لا شيء تقريبا (0.00001675 دولار)، وانهار معها أحد صناديق تحوط العملات المشفرة، الذي كان يمتلك ما يقرب من نصف مليار دولار في LUNA، وذلك وفقا لتقارير منشورة، وفي العام نفسه انخفضت قيمة عملة البيتكوين الشهيرة من نطاق 40 إلى 30 ألف دولار ثم تراجعت حتى أقل من 20 ألفا بعد أن كانت عند أعلى مستوى لها على الإطلاق وهو 68 ألف دولار، وفقدت نحو 70 في المائة من هذه القيمة، ثم انهارت منصة العملات الرقمية FTX مع فقدانها ما يقرب من 662 مليون دولار من العملات الرقمية في 24 ساعة، ورغم هذه الانهيارات المحزنة والخسائر الضخمة تشير التقارير إلى أنه لا يزال هناك من يستثمر في هذه العملات، ويعد مثل هذا التراجع فرصة، وتؤكد تقارير بأنه من المتوقع أن تزيد المؤسسات المالية التي تقبل العملة المشفرة شكلا من أشكال الدفع، وأعلنت جوجل ذراعها الجديدة للتعامل مع العملات المشفرة بالتعاون مع Coinbase، ما يسمح للعملاء بالدفع مقابل بعض الخدمات السحابية باستخدام العملة المشفرة.
وأمام هذه التقلبات والمخاطر والتوقعات، فإن دور الحكومات والجهات التشريعية لم يزل غامضا، لكن حراكا بدأ قريبا في المملكة المتحدة قد يعير تشكيل العلاقات التنظيمية لهذه العملات اهتماما، وقد يشكل مرحلة من الصراع أيضا، فالفكرة الأساسية للعملات المشفرة قائمة على اللامركزية، وعدم سيطرة الجهات التنظيمية عليها، فتلك المخاطر الجديدة تجعل من الصعوبة أن تظل الحكومات تراقب فقط. ورغم الانهيارات يظهر بحث أجرته هيئة مراقبة السلوكيات المالية في بريطانيا أن ملكية العملات المشفرة المقدرة قد تضاعفت من 2021 إلى 2022، حيث ذكر 10 في المائة من ألفي شخص شملهم الاستطلاع أنهم يمتلكون عملات مشفرة. وفي هذا الشأن، قال المدير التنفيذي للمستهلكين والمنافسة في هيئة مراقبة السلوكيات المالية في بريطانيا إن الأمر متروك للناس ليقرروا ما إذا كانوا سيشترون العملات المشفرة أم لا، لكن الأبحاث تظهر أن كثيرين يندمون على اتخاذ قرار متسرع، وأمام هذه الحقائق فإنه لا بد من ضمان بأن أولئك الذين يشترون العملات المشفرة يدركون المخاطر الكامنة فيها وأن يظل المستهلكون على دراية بأن العملات المشفرة لا تزال غير منظمة إلى حد كبير وشديدة المخاطر، كما يجب على أولئك الذين يستثمرون فيها أن يكونوا مستعدين لخسارة كل أموالهم، وهذا أقل ما يمكن عمله الآن. لتحقيق ذلك اتجهت هيئة مراقبة السلوكيات المالية في بريطانيا لإصدار قواعد جديدة لمعالجة الإعلانات المالية المضللة للاستثمارات عالية المخاطر، ومكافحة الاحتيال الذي أصبح سمة في العملات المشفرة، فالقواعد تسعى إلى وضع واختبار معايير أعلى تعزز المنافسة والتغيير الإيجابي، وتقدم إرشادات للشركات، التي تعلن العملات المشفرة للمستهلكين في المملكة المتحدة وحظر مكافآت "إحالة صديق" من تلك التدابير المصممة لضمان فهم أولئك الذين يشترون العملات المشفرة للمخاطر، فالقواعد الجديدة تريد ضمانات للتأكد من أن الأشخاص لديهم المعرفة والخبرة المناسبة للاستثمار في العملات المشفرة ووضع تحذيرات واضحة بشأن المخاطر، والتأكد من أن الإعلانات واضحة وعادلة وغير مضللة، كما حذرت الهيئة جميع المستهلكين من الشركات التي تقدم أصول العملات المشفرة دون تصريح تنظيمي، بعد أن أصبحت الصناعة تحت الإشراف التنظيمي للهيئة في الثامن من أكتوبر الماضي.
ورغم وجاهة هذه الفكرة التي أطلقتها هيئة مراقبة السلوكيات المالية، فهناك من يعارض هذا التوجه على أساس أن صناعة العملات المشفرة ليست جاهزة لمثل هذا التغيير المهم، لكن هذه الفئة من المعارضين تطلب وقتا إضافيا قبل أن تصبح هذه القواعد ملزمة، فليس هناك معارضة من حيث المبدأ لكن الاختلاف في التوقيت، وخاصة بعد أن أصدرت الهيئة 146 تنبيها يتعلق بسوء الممارسة خلال أول يوم كامل من التنظيم. بعض من يحذر من هذا التوجه يوحي للمجتمع بأن هذه الاستثمارات قد أصبحت فعلا منظمة، ما يجعل المستثمرين غير المتأكدين يطمئنون لمزيد من الاستثمارات، بينما المخاطر ما زالت كامنة، فليست المشكلة في الإعلانات فقط، فالاحتيال كان "سمة، وليس خللا" في جزء كبير من قطاع العملات المشفرة.
وهنا من يرى أن الهدف ليس التنظيم بقدر ما تعمل المملكة المتحدة لتعزيز إمكاناتها كمركز عالمي لتكنولوجيات العملات المشفرة. وهو ما يعده البعض تسرعا، فهيئة السلوك المالي -وفقا لبعض التصريحات- غير مجهزة جيدا لتوفير ذلك، وإن الأمر يتطلب استثمارا أكثر، وأشخاصا أكثر في هيئة السلوك المالي.
وخلاصة القول، إن المأمول من الجهات المعنية وضع تنظيمات صارمة لمحاصرة أسوأ أساليب الترويج والتسويق المضلل لهذه العملات المشفرة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي