رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


نظام غذائي عالمي قائم على الحقوق

نظرا للتوقعات التي تشير إلى أن عدد سكان العالم سيبلغ عشرة مليارات نسمة في القرن المقبل، أصبح السؤال المتعلق بكيفية تحقيق الأمن الغذائي ملحا بشدة. إذ من المؤكد أن النظام الغذائي الحالي لا يرقى إلى مستوى هذه المهمة، فهو لا يضمن تغذية سكان العالم، ويسهم في التدهور البيئي. لقد تأخر الإصلاح الجذري كثيرا في هذا الصدد.
إن ما يقارب 735 مليون شخص عبر العالم عانوا الجوع العام الماضي. وعانى 828 مليون شخص تقريبا سوء التغذية، وأصيب نحو 148 مليون طفل دون سن الخامسة بداء التقزم. وأدى نقص الوصول إلى الأغذية الطازجة والمغذية أيضا، إلى ارتفاع معدلات السمنة في عديد من المجتمعات، حيث اضطر الناس إلى اللجوء إلى الأطعمة غير الصحية. وترفع البدانة من خطر الإصابة بأمراض مزمنة، مثل السكري من النوع الثاني، وأمراض القلب، والسكتات الدماغية، والسرطان، وارتفاع ضغط الدم.
إن سوء التغذية بجميع أشكالها "نقص الوزن، زيادة الوزن، نقص المغذيات الدقيقة" يزيد من خطر الإصابة بالعدوى، ما يغذي دورة ضارة من الحصائل الصحية السلبية. وفي الوقت نفسه، يؤثر الكفاح المستمر لتأمين ما يكفي من الغذاء -بل لتجنب المجاعة- في الصحة النفسية، ما يؤدي إلى القلق، والتوتر، والاكتئاب، وغير ذلك. ويشير تقرير الأمم المتحدة الأخير، إلى أن حق الغذاء وحق الصحة مرتبطان ارتباطا وثيقا.
يتسبب النظام الغذائي الحالي أيضا في أضرار بيئية شديدة. إذ يمثل نحو ربع الانبعاثات العالمية من غاز الدفيئة، ما يجعله عاملا رئيسا في تغير المناخ. وفضلا على ذلك، تشغل الزراعة ما يقرب من نصف الأراضي الصالحة للسكن في العالم. وأزيلت مناطق كانت توجد فيها غابات كثيفة وتضاريس برية أخرى -بما في ذلك مساحات كبيرة من غابات الأمازون المطيرة، التي تعد ضرورية لصحة الكوكب- لتفسح المجال للزراعة، وكانت العواقب مدمرة فيما يتعلق بالتنوع البيولوجي.
تتفاقم المشكلة بسبب الاستخدام واسع النطاق للمبيدات، التي ترتبط -حتى عند مستويات تعرض منخفضة نسبيا- بعدة عواقب صحية وبيئية سلبية تمس العمال الزراعيين، والمجتمعات المحلية، والنظم البيئية. فقد أدى تلوث نهر الباسيون في جواتيمالا بالمالاثيون، وهو مبيد حشري يستخدم في مزارع زيت النخيل، إلى موت آلاف من الأسماك، ما حرم نحو 12 ألف شخص من مصدرهم الرئيس للغذاء ودعامة سبل رزقهم.
يتحمل الفقراء والمهمشون عبء عواقب فشل النظام الغذائي بصورة غير متناسبة مع غيرهم، خاصة في الجنوب العالمي. إذ ينتشر سوء التغذية -على وجه الخصوص- في السياقات منخفضة الدخل أو بين الأفراد الذين يعيشون في الفقر. وفي الدول ذات الدخل المرتفع مثل أستراليا، يكون خطر الإصابة بالسمنة بين السكان الأصليين أعلى بقدر 1.5 مقارنة بالسكان غير الأصليين في المناطق المماثلة.
ما يفاقم المشكلة هو أن نسبة 60 في المائة من السوق العالمية للبذور تتحكم فيها أربع شركات للمواد الكيميائية الزراعية مقرها في دول ذات دخل مرتفع. وغالبا ما تكون البذور التي توفرها هذه الشركات -التي يعتمد عليها المزارعون في الدول ذات الدخل المنخفض- تنتج محاصيل ليست متنوعة غذائيا أو لا تلبي الاحتياجات الغذائية للمجتمعات المحلية.
من الواضح أن النظام الحالي غير ملائم للغرض المنشود. لكن الجهود المبذولة لتحسينه تعد أساسا غير كافية، حيث لا تأخذ في الحسبان الروابط العميقة بين الغذاء والصحة والبيئة. وبدلا من التعامل مع كل قضية على حدة، ينبغي أن يكون النهج الأفضل مبنيا على حقوق الإنسان. فالاعتراف بأن حقوق الصحة والغذاء والبيئة النظيفة لا تتجزأ، وأنها مترابطة فيما بينها، سيدفع قدما بجميع المجالات الثلاثة بالترادف مع بعضها بعضا. ويؤكد العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أن جميع الأشخاص يستحقون الوصول ليس فقط إلى المرافق الصحية، لكن أيضا إلى المقومات الأساسية للصحة، مثل الأغذية المغذية والبيئة المستدامة.
تتمثل الخطوة الأولى في معاهدة شاملة للأمم المتحدة بشأن النظم الغذائية التي تراعي جميع الحقوق والفاعلين ذوي الصلة، وتخفف من الأضرار الصحية والبيئية التي تترتب على جميع مراحل سلسلة القيمة الغذائية. ويجب أن تستجيب هذه المعاهدة لاحتياجات الدول ذات الدخل المنخفض والفئات المستضعفة ولأولوياتها، مثل الأشخاص الذين يعانون الفقر، والنازحين، والنساء والأطفال. ويجب أن تتضمن المعرفة المحلية بخصوص النظام الغذائي بأكمله، بما في ذلك الإنتاج، والمعالجة، والتعبئة، والتغليف، والترويج، والتوزيع، والبيع، والاستهلاك. وفيما يتعلق بإشراك المجتمعات المحلية، يمكن أن يقدم إطار سياسات التغذية الذي وضعه صندوق الأبحاث الدولي لمكافحة السرطان، دروسا قيمة في هذا السياق.
مع ارتفاع أسعار الغذاء الذي أدى إلى إدراج مسألة الجوع في مقدمة جدول الأعمال العالمي، يمتلك العالم فرصة ذهبية لاعتماد نهج قائم على حقوق الإنسان فيما يتعلق بالغذاء، ووضع الأساس لمستقبل أكثر صحة وعدالة واستدامة.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2023.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي