رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


هل الاستثمار في الديون مربح؟

أثار الخبراء الاقتصاديون خلال الفترة الماضية جدلا واسع النطاق وتساؤلات متنوعة، حول ما إذا كانت المشكلة الحقيقة التي تواجه الاقتصاد الأمريكي اليوم ليست فقط في التخمة من الديون، إذن فمن بقي ليشتري؟ بل إنه واستنادا إلى الأرقام المنشورة على موقع وزارة الخزانة الأمريكية تظهر دلائل على انسحاب بعض كبار المستثمرين من سوق السندات الحكومية الأمريكية، حيث انخفضت ملكية اليابان لسندات الخزانة الأمريكية، وهي أكبر حامل أجنبي لها، حيث تمثل 6 في المائة خلال العام حتى أغسطس، وتوقفت عمليات الشراء الصينية، بل انخفضت 14 في المائة في الشهر نفسه.
فمن بقي ليشتري السندات الأمريكية؟ لكن هناك من يقلل من تأثير هذه الاتجاهات ومن مقولة "تخمة الديون"، بالاتكاء على التقارير التي تشير إلى أن الأسر الأمريكية تمتلك الآن 9 في المائة، ومع ارتفاع العوائد قد يتزايد زخم شراء السندات، لكن هذا قد يؤثر في التوازن بين الأسهم والسندات، هناك أيضا صناديق التأمين والصناديق الاجتماعية، وصناديق التقاعد للموظفين الفيدراليين، وغيرها، هذه الصناديق لها قدرات عالية على امتصاص المعروض من الديون الحكومية، فصندوق التأمين الاجتماعي مثلا يحتفظ بنحو 2.7 تريليون دولار، ومع ذلك فإن حجم الدين الأمريكي الضخم مع عدم وجود ما يشير إلى أن الحكومة الأمريكية قادرة على إيقاف النمو في العجز، فإن الأسئلة حول مقدرة المشترين على الاستفادة من حجم الديون المعروضة هي أمر يستدعي كثيرا من الدراسات، فعلى الرغم من حجم العوائد المتاحة، إلا أن دولتين مثل الصين واليابان قد بدأتا بالفعل تخفيف حمولتهما من هذه الديون، وهذا يشير إلى أن مفاهيم اقتصادية راسخة مثل العائد الخالي من المخاطر، هي من السحر القديم ذاته، ولم تعد بذاتها جاذبة للمستثمرين، إذا كان هذا صحيحا من جانب المقرضين الأجانب، فإنه لا يلبث أن يجد طريقه للمستثمر الأمريكي نفسه، الذي سيجد في المستقبل كميات مهولة من السندات، وبأسعار تاريخية، ومع ذلك ليس له الرغبة في أن يحمل شيئا منها.
وعلى هذا وفي تقرير نشرته صحيفة "الاقتصادية" أخيرا فإن سندات الخزانة الأمريكية تواجه تراجعا تاريخيا للأسعار، ما دفع عوائدها إلى أعلى مستوى منذ الأزمة المالية العالمية، وبشكل تتحرك فيه أسعار السندات في الاتجاه المعاكس لعوائدها في تلك السندات المعروف بالصفرية، حيث لا يتم تحديد سعر فائدة منتظمة، فالفوائد صفرية، وبدلا من ذلك يتم تداول تلك الأسهم بخصم كبير عن القيمة في تاريخ الاستحقاق، ما يحقق للمشتري ربحا عند الاستحقاق، ذلك أنه يتم في كل الأحوال استرداد السند بقيمته الاسمية الكاملة، ولذلك قد يكون هذا التراجع الكبير في أسعار السندات مشجعا للاستثمار فيها، لكن المشكلة أن العكس هو الصحيح، فالأسعار تتراجع لأن هناك تخمة في المعروض من هذه السندات، والسبب يعود إلى العجز الهائل في الميزانية، مع عدم وجود علامات تذكر على رغبة سياسية لكبح جماح الإنفاق الحكومي، ووفقا لصندوق النقد الدولي، فإن عجز ميزانية الحكومة الأمريكية على وشك تجاوز 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلد هذا العام، بعد أن كان يبلغ في المتوسط 3.6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي طوال حقبة طويلة بين 1973 و2022، ومع ذلك فقد أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية في أغسطس الماضي، أنها ستصدر سندات بقيمة تصل إلى تريليون دولار في الأشهر الثلاثة حتى أكتوبر، ما أثار مخاوف مباشرة حول من سيشتريها.
والملاحظ هنا أنه قد يكون هذا السؤال محل تعجب، فالعوائد كبيرة والسندات مضمونة ومع ذلك فإن هناك شكا في رغبة المستثمرين في الشراء، ولفهم ذلك تجب الإشارة إلى أنه في نهاية 2022، وصل إجمالي دين الحكومة الأمريكية إلى ما يقرب من 31.4 تريليون دولار، ومن هذا المبلغ، كان نحو 24.5 تريليون دولار، أو 78 في المائة، عبارة عن ديون مملوكة للجمهور، وهو ما يمثل النقد للمقترض من المستثمرين المحليين والأجانب. وإذا كان العجز قد بلغ 8 في المائة من الناتج المحلي فإن حجم الدين الأمريكي هو المقياس الأكثر أهمية للديون، لأنه يعكس المبلغ الذي اقترضته وزارة الخزانة من المقرضين من خلال الأسواق المالية لدعم الأنشطة الحكومية، وتشير تقارير منشورة إلى أنه في ديسمبر 2022، بلغت قيمة الدين الحكومي 24.5 تريليون دولار، أو 98 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وشكلت الملكية الأجنبية للديون الأمريكية 7.3 تريليون دولار، أو 30 في المائة من الدين. "54 في المائة لحكومات أجنبية بينما امتلك مستثمرون من القطاع الخاص النسبة المتبقية البالغة 46 في المائة". ويمتلك المستثمرون في اليابان والصين حصصا كبيرة من الدين العام الأمريكي، وتمثل حصتهم معا ما يقرب من تريليوني دولار، أو نحو 8 في المائة منه.
خلاصة الأمر، أن هذه الأرقام تشير بوضوح إلى معنى عبارة "التخمة من الديون الأمريكية"، ومهما قيل عن أن سندات الخزانة الأمريكية تمثل الملاذ الأساس الذي يدعم الاقتصاد العالمي، ولذلك سيكون هناك دائما طلب عليها، لكن مع هذه التخمة في الديون فماذا يبقى للشراء، وبأي ثمن؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي