التحول نحو المدفوعات الرقمية والعملات المشفرة .. توجه يصعب إيقافه
عندما صعد بالاجي سرينيفاسان إلى المسرح في مؤتمر نتويرك ستيت في أمستردام الأسبوع الماضي، بدا من جميع النواحي كالمدير التنفيذي للشركة - المتواضع بشكل عام الذي يرتدي بدلة داكنة وربطة عنق بسيطة.
لكن هذا لم يكن مؤتمرا ماليا تقليديا. فقد كان مستثمر التكنولوجيا الذي استثمر في شركات ناشئة عدة ورئيس قسم التكنولوجيا السابق في بورصة كوينبيس للعملات المشفرة هنا للترويج لرؤيته في مؤتمر نتويرك ستيت - وهي خطوة تالية يفترض أنها ثورية لقاعدة محبي العملات المشفرة في العالم.
من الواضح أن سرينيفاسان كان يروج لكتابه الذي يحمل الاسم نفسه، ولم يخجل من الدفع بخطة لتحويل الكتاب إلى فيلم أيضا. لكن هذا كان أيضا جزءا من حملة استمرت أعوام من قبل متطرفي العملات المشفرة لإصلاح الهياكل المجتمعية التي تبدو ممتدة بشكل متزايد.
تتمثل فكرة نتويرك ستيت، المدعوم بنظام مالي مشفر، في إعادة تصور كل شيء بدءا من الدول إلى الطب وربط ملايين من الأشخاص من هندوراس إلى هنجاريا بإيمان مشترك بأنظمة بديلة.
من غير الواضح ما إذا كان المؤتمر سيحظى بمزيد من المصداقية أو قوة البقاء مقارنة بغيره من العملات المشفرة. لكن هذا لم يكن مؤتمرا غريب الأطوار - فقد حضره بعض المديرين التنفيذيين العالميين الجادين واجتذب بعض المتحدثين ذوي الأسماء الكبيرة، من فيتاليك بوتيرين، المؤسس المشارك لشركة إيثيريوم، إلى الاقتصادي تايلر كوين. وتعكس الضجة التي أحاطت بهذا الحدث الحماس المزدهر للتغيير القائم على التكنولوجيا، من الذكاء الاصطناعي إلى الحوسبة الكمومية، والاستياء المتزايد إزاء النظام المالي والجيوسياسي القائمين.
تتجلى هذه المشاعر بشكل واضح في تجدد الاهتمام المحموم بعملة بيتكوين، التي تم شطبها من قبل كثيرين قبل بضعة أشهر لكن يتم تداولها الآن بضعفي سعرها في بداية العام. وكانت التكهنات بأن صندوق بلاك روك قد يحصل قريبا على الموافقة على صندوق بيتكوين متداول في البورصة، ما سيدفع العملات المشفرة بشكل أكبر إلى الهيكل المالي، بمنزلة محرك. فضلا عن حقيقة أن فاعلية العملات المشفرة كنظام دفع موثوق به لم يتم إثباتها (باستثناء عمليات الشراء في السوق السوداء أو تمويل الإرهابيين)؛ أظهر الهتاف في نتويرك ستيت تصميم المؤمنين بالعملات المشفرة.
قبل بضعة أعوام فقط، كانت شركات المدفوعات الرقمية السائدة، المرتبطة بالعملات القديمة التقليدية، موضع صيحات الاستهجان. فقد كانت شعبيتها كبيرة لدرجة أنه في 2019، تمكنت المجموعة الفرنسية وورلدلاين من إصدار ديون ذات عائد سلبي - حيث وضع المستثمرون أموالهم عن عمد في سندات تعد آمنة للغاية لدرجة أنهم دفعوا مقابل هذا الامتياز. وانخفضت قيمة أسهم الشركة الآن بـ15 في المائة من أعلى مستوى قياسي سجلته قبل 18 شهرا، بعد أن تراجعت أكثر من 50 في المائة قبل أسبوعين بسبب مخاوف بشأن احتيال العملاء وانخفاض المبيعات. لم تكن رحلة شركات التكنولوجيا المالية للمدفوعات الأحدث أقل وحشية. فقد عانت شركة كاب بيمنتس، التي تعالج مدفوعات الشركات إلى المواقع النائية، انهيارا بلغت نسبته 72 في المائة في قيمتها بعد تحذير بشأن الإيرادات، بعد نحو ثلاثة أشهر فقط من إدراجها في بورصة لندن.
حتى اللاعبين الكبار تضرروا بشدة. حيث انخفضت أسهم شركة أديين، وهي المجموعة الهولندية التي تعالج المدفوعات عبر الإنترنت لشركات الاشتراك العملاقة الكبيرة من نتفليكس إلى سبوتيفاي، بنحو النصف في الصيف، بعد تعثر نموها المطرد الذي دام أعوام. وأقرب منافسيها، التي لا تزال مملوكة للقطاع الخاص، هي شركة سترايب الأيرلندية الأمريكية، التي عانت انخفاض قيمتها إلى النصف عندما جمعت أموالا جديدة في مارس. ويتم تداول إحدى شركات المدفوعات المالية الأصلية، وهي بي بال، بالكاد عند سدس قيمتها في أيام الذروة في 2021.
إن بعض القوى على مستوى السوق تؤثر. فقد تلاشت الضجة حول المدفوعات الرقمية، جزئيا بسبب تراجع الحماس للمبيعات عبر الإنترنت في عصر الجائحة، وجزئيا لأن التضخم أدى إلى خفض الإنفاق الاستهلاكي، وجزئيا لأن تمويل التكنولوجيا المالية أصبح أكثر تكلفة وأقل توافرا بسهولة. اجتذبت شركات التكنولوجيا المالية على نطاق أوسع تقييمات مفرطة بسبب وعدها الطاغي باستخدام التكنولوجيا في إصلاح القطاع المالي العالق في القرن الماضي.
لذا، فإن الانخفاضات السريعة في التقييمات في الأشهر الأخيرة كانت أيضا بمنزلة تصحيح لذلك الحماس الذي تفاقم بسبب سوق مالية متوترة بشكل عام.
مع ذلك، في نهاية المطاف، لا يزال بإمكان قطاع المدفوعات الرقمية المطالبة بنظرة مستقبلية مشرقة بشكل أساسي، مع حالة استخدام في العالم الحقيقي لا يمكن لعشاق العملات المشفرة إلا أن يحلموا بها. إذ تقول مارتينا فايميرت، الرئيسة التنفيذية لمبادرة المدفوعات الأوروبية - وهي مجموعة أنشأها 14 مصرفا كبيرا لبناء مزود مدفوعات إقليمي - إن التحول بعيدا عن النقد والبطاقات نحو المدفوعات الرقمية، التي تعتمد في المقام الأول على الهواتف الذكية، هي عملية طويلة الأجل. وتضيف: "إنه توجه لا يمكن إيقافه"، مشيرة إلى طموح برنامج مبادرة المدفوعات الأوروبية ليكون نظام مدفوعات لا مثيل له عبر الحدود بين البنوك عبر منطقة اليورو.