لقد فقدت الشعور بالخوف .. لماذا يؤسس كبار السن شركات ناشئة؟
أطلق بيرني ماركوس شركة هوم ديبوت عندما كان عمره 50 عاما. وكان دونالد فيشر قد احتفل أخيرا بعيد ميلاده الـ41 عندما شارك في تأسيس شركة جاب مع زوجته البالغة من العمر 38 عاما. وعلى الرغم من أن ستيف جوبز كان يبلغ من العمر 21 عندما كشف النقاب عن أول تكنولوجيا لشركة أبل، إلا أنه لم يطلق هاتف آيفون حتى بلغ الخمسينيات من عمره، وهو ما حول الشركة إلى واحدة من أكثر الشركات قيمة في العالم.
عندما يتعلق الأمر بتأسيس شركات ناجحة، فمن المفيد أن يكون لديك بعض الشعر الأشيب. وفي العقد الماضي، تسارع الاتجاه لإنشاء وإدارة مشاريع مزدهرة من قبل كبار السن.
منذ 2020، ارتفعت نسبة الشركات التي أسسها أشخاص تراوح أعمارهم بين 55 و64 عاما في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا، وفق المرصد العالمي لريادة الأعمال، وهو مقياس سنوي لنشاط الشركات الناشئة. ويمثل المؤسسون الذين تزيد أعمارهم على 45 عاما الآن ما بين ربع إلى ثلث إجمالي أنشطة ريادة الأعمال الجديدة.
يقول مارك هارت، نائب مدير مركز أبحاث المشاريع في جامعة أستون ومؤلف تقرير المرصد العالمي لريادة الأعمال (جي أي إم)، إن الارتفاع في عدد رواد الأعمال من كبار السن يتعلق بنمو الأصول الغنية في هذه الفئة العمرية.
ويرى هارت أنه "لا يوجد نقص في الطموح" بين المؤسسين الأكبر سنا بحيث تمتع عديد منهم بالفعل بمهن ناجحة مع خبرة في مجالات مثل جمع الأموال، ولديهم معارف كافية لجلب داعمين للتمويل الأولي وتوظيف فرق تأسيسية ديناميكية.
عندما تركت كاي ميلر وظيفتها كمديرة مدرسة ابتدائية في عمر الـ57 عاما من أجل تأسيس شركة دين كيت لبيع أطقم مخصصة للأنشطة الخارجية للأطفال، استفادت من عقود من الخبرة وهي تشاهد تلاميذها يستفيدون من اللعب في الخارج.
وأعطتها أعواما من القيادة الثقة لأخذ زمام المبادرة بعد أن بدأت الشركة كعمل جانبي مع صديقة لها، إذ تقول: "لقد كنا معلمتين وأمين، وتلك التجربة الحياتية عززت شغفنا ومعرفتنا".
كما ساعدت تلك التجربة في أوقات الشدائد. حيث نمت دين كيت لتصبح شركة تبلغ إيراداتها مليون جنيه استرليني، ويتم بيع منتجاتها من قبل كبار متاجر التجزئة لكنها واجهت ارتفاع تكاليف المواد الخام، وتراجعت المبيعات حيث أدى التضخم إلى تقليص الإنفاق الاستهلاكي. وبعد الجائحة، غادر اثنان من المديرين وانخفضت القوى العاملة المكونة من 14 شخصا بأكثر من النصف.
تقول ميلر: "لقد تلمسنا طريقنا بإصرار خالص. كانت الشركة، ولا تزال، مربحة. الأمر يعود للدعم الذي تقدمه لنفسك، ربما لأنك... مررت بمواقف صعبة من قبل".
يواجه المؤسسون الأكبر سنا بعض العقبات الإضافية. فبحسب مطلعون، فإن المزاج السائد بين أصحاب رأس المال الاستثماري، خاصة في مجال التكنولوجيا، هو أن القدرة على ريادة الأعمال تبلغ ذروتها في الثلاثينيات من عمر الشخص. ويقول بنيامين جونز، أستاذ الاستراتيجية في كلية كيلوج للإدارة في جامعة نورث وسترن: "هناك فكرة مفادها أن الشباب في الأغلب ما يملكون أفكارا أكثر قيمة".
ومع ذلك، ما زال كبار السن مستمرين في تحدي الصور النمطية - خاصة منذ أن قلبت جائحة كوفيد- 19 أنماط العمل وزادت الضغوط المالية على البعض. ويوضح هارت أن إرغام الناس على العمل من المنزل لفترات طويلة جعل كثيرين يتساءلون عما إذا كان بمقدورهم تأسيس عمل تجاري.
وأسس الزوجان ريكاردو ومارينا لارودي علامتهما التجارية للأحذية التي تحمل اسميهما ومقرها نيويورك بعمر 42 و41 عاما على التوالي، بعد تسريحهما من وظيفتيهما في مجال التمويل والأزياء في أوائل 2020.
بعد أن هاجرا إلى الولايات المتحدة من البرازيل، علقا في المنزل مع طفلين صغيرين وعلى مسافة بعيدة من الوطن. لكن ما كان لديهما هو عبارة عن دفاتر مليئة بالمعارف لجلب الداعمين والعملاء.
وبحلول مايو 2020، قررا إطلاق شركة لارودي. وفي يونيو، كان لديهما أول مجموعة من العينات للمشترين المحتملين.
تقول مارينا، التي انتقلت من محررة مختصة في السوق في مجلة "فوج" البرازيلية إلى مناصب في شركات كوندي ناست وبارنيز ومجلة "تين فوج" في نيويورك: "كنت محظوظة بما فيه الكفاية للحصول على عديد من الوظائف التي كنت أحلم بها، ولكنني كنت أحلم أيضا بإنتاج خط أزياء خاص بي قبل الحصول على وظيفتي الأولى في مجال الأزياء".
ويؤكد ريكاردو، الذي عمل محللا في بنك ليمان براذرز وشغل مناصب عليا في شركة أبولو جلوبال مانجمنت وشركة آنهايزر بوش إنبيف، أنه كان يود لو بدأ مشروعا تجاريا في وقت مبكر، لكن خبرته في مجال الاستثمار وكمدير مالي أثبتت أنها لا غنى عنها للمشروع الجديد. ويقول إنه بدونها ربما لم يتخذ الزوجان قرارات تجارية حاسمة - مثل مطالبة العملاء عبر الإنترنت بالدفع قبل التكليف بتنفيذ الطلبيات، بدلا من البحث عن مستثمرين للحصول على رأس المال فقط.
ويضيف: "لقد جمعنا من الأصدقاء والعائلة نحو 700 ألف دولار، لكن هذا لم يكن كافيا للوصول إلى ما نحن عليه الآن. ولكوننا أكثر نضجا بعض الشيء، كان علينا فقط معرفة التعامل مع ذلك. لو كنا أصغر سنا، لربما ذهبنا لجمع عدة ملايين من المستثمرين ثم ندمنا على ذلك".
وفقا للمرصد العالمي لريادة الأعمال، سجلت بريطانيا أكبر قفزة في عدد المؤسسين من كبار السن منذ الجائحة، حيث ارتفعت نسبة الشركات التي بدأها الأشخاص الذين تراوح أعمارهم بين 45 و64 عاما من 25.4 في المائة في 2020 إلى 33.3 في المائة العام الماضي.
ويبلغ متوسط عمر المديرين في شركات التكنولوجيا البريطانية الناشئة الآن 40 عاما، وفقا لشركة بوهيرست لتزويد البيانات عن الشركات الخاصة.
مع ذلك، تعتقد شيري كوتو، رائدة الأعمال والمستثمرة (59 عاما) ومقرها في مركز التكنولوجيا للمملكة المتحدة في كامبريدج، أن هناك مشكلة في مجتمع رأس المال الاستثماري البريطاني.
وتقول: "هناك أغلبية من صناديق رأس المال المغامر الصغيرة التي توظف أشخاصا في العشرينيات من العمر وتفكر في مؤسسين في العشرينيات من العمر. لا أعتقد أنك ستجد ذلك في مجتمع المستثمرين الملائكيين، لكنني أعتقد أن هذا تحيز محتمل موجود في النظام".
وتوضح إيلين بوربيدج، الشريكة في صندوق باشن كابيتال لتمويل شركات التكنولوجيا في المراحل المبكرة، أن المستثمرين يعتقدون أن الشباب الأصغر سنا أكثر استعدادا لقبول رواتب أقل لحين أن يصبح المشروع مربحا، وأكثر قدرة على التعامل مع الإخفاقات لأن لديهم القليل ليخسروه.
وتقول بوربيدج (52 عاما): "تفيد الحكمة التقليدية بأنه بمجرد أن يتحمل شخص ما مسؤوليات مثل الرهن العقاري أو الشريك أو الأطفال، فقد يكون أقل احتمالا لاتخاذ خطوة مدفوعة بالإيمان".
لقد أثبتت تعقيدات منتصف العمر أنها تمثل تحديا كبيرا بالنسبة إلى الورا هارنيت، التي أسست علامة سيب Seep التجارية للتنظيف عندما كان عمرها 42 عاما، وذلك بعد 20 عاما من العمل في مجال الاستشارات والمناصب التنفيذية العليا في سلسلة متاجر سيلفريدجز.
وبعد ثلاثة أعوام، بدأت الشركة في تحقيق إيرادات سنوية بقيمة مليون جنيه استرليني، وتوظف خمسة أشخاص ويتم تخزين منتجاتها من قبل منافذ البيع ومن بينها متاجر هول فودز وشركة أمازون. لكن هارتنت تعترف بأنها تكافح من أجل التوفيق بين مسؤوليات الأسرة وبين بناء الشركة والاعتناء بنفسها.
تقول هارتنت: "في العشرينيات من العمر، في الأغلب لا يكون معك أي شخص آخر سوى نفسك. إن أولوياتي هي شركتي وأطفالي أولا. وهذا يعني أنني جئت في المرتبة الثالثة المتأخرة نوعا ما وزوجي في المرتبة الرابعة".
كما أنها تحصل على الدعم من موقع لينكد إن، حيث يتابعها أقرانها من العمر نفسه الذين يراقبون النجاحات والإخفاقات في حياة الشركات الناشئة عن بعد.
وتقول هارتنت: "سيقولون إنني شجاعة جدا. فهم يعيشون تجربتي من خلالي. من الأسهل بكثير المخاطرة في العشرينيات أو الثلاثينيات من العمر. لدي عدد قليل من الأصدقاء الذين يرغبون في القيام بذلك، ولكن الحقيقة هي أنهم لا يستطيعون ذلك".
وفي حين أن المؤسسين الأكبر سنا لديهم الكثير ليخسروه، إلا أن هناك بعض الأدلة على أن مغامرتهم من المرجح أن تؤتي ثمارها.
وفقا لدراسة أجراها المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية لعام 2018، كان احتمال نجاح رجل الأعمال البالغ من العمر 50 عاما تقريبا ضعف احتمال تحقيق نجاح باهر لشخص يبلغ من العمر 30 عاما. ووجدت الدراسة أن الخبرة في العمل في صناعة ما كانت واحدة من أفضل المؤشرات على ما إذا كان الشخص سيؤسس شركة عالية النمو.
يقول جونز، أحد مؤلفي التقرير: "الناس يخلطون بين حقيقة أن شخصا ما لديه فكرة ناجحة وبين أن يكونوا شبابا. بعض الناس جيدون في ريادة الأعمال، حتى وهم في سن الشباب. ما وجدناه هو أنهم يتحسنون أيضا مع تقدمهم في العمر".
وعلى الرغم من أن تحديات العمر قد تكون صعبة بالنسبة إلى هارتنت، إلا أن خبراتها ساعدتها على اتخاذ القرار بالمخاطرة.
وشعرت أنها "أصبحت ديناصورا (من الطراز القديم)" في وظيفتها المرموقة في شركة سيلفريدجز. وتأهل زوجها للعمل كجراح، لذلك لم تعد هي المعيل الرئيس للأسرة. وقد أعطاها الخوف من سرطان الثدي منظورا جديدا للحياة وإمكاناتها. وتقول: "لقد فقدت الشعور بالخوف".