سوق مفتوحة لكنها معقدة
يعاني الباحثون في الاستثمارات عبر الصناديق المتداولة، إجراءات تصل إلى مستوى التعقيد على الساحة الأوروبية عموما، وارتفاع حدة التعقيدات في ميدان الاتحاد الأوروبي. ورغم أن السوق الأوروبية مفتوحة حقا أمام أي استثمارات تضخ مزيدا من الأموال في شرايين السوق، ولا سيما المالية منها، إلا أن هناك مستثمرين أو أصحاب شركات من الجانب الأمريكي يشتكون من "مصدات" الجانب الأوروبي إن جاز القول، إلى درجة أن وصفت إحدى الشركات الساعية إلى دخول هذه السوق، عبر شركات متطورة وتقوم على أفكار متطورة بالطبع، أن "أوروبا جوزة يصعب اختراقها".
وتقول صاحبة شركة "آرك إنفسمنت مانجمنت" الأمريكية كاثي وود، المعنية بإدارة الاستثمارات، خصوصا في ميادين تعتمد على الابتكار أكثر من تلك التقليدية: إن أوروبا والمملكة المتحدة من المناطق الأكثر تعقيدا على المستوى العالمي.
وتتركز هذه التعقيدات في الواقع في سوق الأوراق المالية، وتحديدا في صعوبة اختراق الصناديق المتداولة في البورصة الأوروبية، التي تبلغ قيمتها 1.5 تريليون دولار، وكذلك الأمر في السوق البريطانية. ومع ذلك، لا تتوقف مساعي الشركات الأمريكية بكل أحجامها للدخول إلى هذه السوق، التي تعدها ساحة يمكن أن توفر العوائد المطلوبة، بل في الإمكان أن تستقطب مزيدا من رؤوس الأموال، في مجالات عدة، بما فيها بالطبع الشركات التي تعمل في مجالات إدارة الاستثمارات والصناديق ذات الصلة.
ومن هنا، يجري التركيز على اختراق سوق الصناديق المتداولة على الساحة الأوروبية، رغم أنها تعد أصغر كثيرا من الصناديق الأمريكية. فهذه الأخيرة ليست كبيرة فحسب، لكنها أعمق وأكثر قدما مقارنة بـنظيراتها الأوروبية عموما. ولكن في النهاية تمثل السوق الأوروبية مجالا واعدا ومضمونا على صعيد هذه الصناديق.
ولا شك في مسألة أن السوق الأوروبية مجزأة، تزيد من مساحة التعقيدات فيها. فالسوق في أوروبا ليست واحدة تماما، ولا يوجد نظام ضريبي واحد، ولا تجمع كل دول الاتحاد الأوروبي عملة واحدة. وهذا يعني أن المسألة ليست سهلة في عملية الاختراق، رغم القوانين الجامعة بين دول اليورو وبين هذه الأخيرة وبقية دول الاتحاد الأوروبي، وهي كثيرة، إلا أنه لا يزال فيها من الثغرات الكثير. لكن في النهاية هناك طلب متعاظم في الساحة الأوروبية للصناديق التي تتبع هذه المؤشرات، وهذا ما يزيد من إصرار المؤسسات الأمريكية على أن تكون لها حصة متزايدة في القارة العجوز، رغم كل التعقيدات التي تعانيها. وهذا ما يعزز مكانة شركات أوروبية متخصصة في هذا المجال، وعلى رأسها تلك التابعة لمجموعة "دوتشيه بنك" الألمانية، وبنك "يو بي إس" في سويسرا.
وبوجود شركات أمريكية تتمتع بقدرات مالية كبيرة، تعزز المنافسة مستقبلا، خصوصا إذا ما حققت تلك الآتية من الولايات المتحدة تحديدا، اختراقات مع ضرورة الإشارة إلى أن المنافسة بين هذه المؤسسات ترتفع إلى مستويات عالية، حتى في ظل الشكاوى من التعقيدات الإجرائية الأوروبية المشار إليها. قد تكون "أوروبا جوزة يصعب اختراقها"، حسب توصيف كاثي وود، لكن الواضح أن أوضاع مؤسسات الصناديق المتداولة الأمريكية أكثر قوة وثباتا، خصوصا في مجالات مبتكرة. فهناك شركات أمريكية من كل الأحجام باتت منذ زمن بعيد متخصصة في انتقاء الأسهم والأوراق المالية المطروحة في البورصات، بدلا من مجرد تتبع المؤشرات. وهذا يعني أنها توفر قيمة مضافة للمستثمرين الذين يمكن أن يستندوا إلى تقييماتها، وليس إلى تقييماتهم فقط.
وفي النهاية ستبقى الفجوات موجودة في هذا المجال الحيوي المتعاظم، بل المتحول من جهة الصناديق المتداولة، بين أهم سوقين في العالم الأمريكية والأوروبية.