هل حانت نقطة التحول لأسعار الفائدة؟

هل حانت نقطة التحول لأسعار الفائدة؟

استمتع محافظو البنوك المركزية في منطقة اليورو بليلة رقص على أنغام أغنية زوربا اليوناني بعد أن اجتمعوا في أثينا أكتوبر الماضي واتفقوا بالإجماع على وقف رفع أسعار الفائدة للمرة الأولى منذ 15 شهرا.
ويمكننا أن نغفر لمحددي أسعار الفائدة استرخاءهم بعد الاجتماع المتناغم بشكل مثير للدهشة. حتى أكثر أعضاء مجلس محافظي البنك المركزي الأوروبي تشددا وافقوا على قرار التخلي عن زيادة أخرى في تكاليف الاقتراض، في أعقاب الانخفاض الحاد في التضخم في منطقة العملة الموحدة.
يتذكر يانيس ستورناراس، محافظ البنك المركزي اليوناني، الذي استضاف الاجتماع: "لقد كانت أهدأ مناقشة نجريها منذ عدة أشهر. من الواضح أننا شددنا السياسة النقدية بما فيه الكفاية".
لم يكن البنك المركزي الأوروبي وحده الذي اختار التجميد. حيث أبقى الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، وبنك كندا، وبنك إنجلترا، سياساتها دون تغيير في الأيام الأخيرة، منضمة بذلك إلى البنوك المركزية في دول تراوح من جمهورية التشيك إلى نيوزيلندا. وتنخرط البنوك المركزية في بعض الأسواق الناشئة بما في ذلك البرازيل وبولندا في تخفيضات صريحة.
وأثار توقف دورة رفع أسعار الفائدة موجة من التفاؤل بين مستثمري سوق السندات بأن الاقتصادات الرائدة تقترب من التغلب على الارتفاع التضخمي، بعد انخفاض نمو الأسعار الاستهلاكية بأكثر من النصف عن أعلى مستوياته في الاقتصادات بما في ذلك الولايات المتحدة ومنطقة اليورو. يقول جاري ستين، كبير الاقتصاديين الأوروبيين في بنك جولدمان ساكس، إن هناك "وجهة نظر متزايدة مفادها أن مشكلة التضخم أصبحت الآن تحت السيطرة - وأعتقد أن ذلك صحيح".
لكن ذلك الجو الاحتفالي كان غائبا بشكل ملحوظ بين محافظي البنوك المركزية أنفسهم - تاركين جانبا الاحتفالات في أثينا. ففي الأيام الأخيرة، استمرت كريستين لاجارد رئيسة البنك المركزي الأوروبي، وجاي باول رئيس الفيدرالي، وأندرو بيلي من بنك إنجلترا، في الإصرار على بقاء مزيد من الزيادات في أسعار الفائدة مطروحة على الطاولة رغم الدلائل التي تشير إلى تراجع تضخم الأسعار الاستهلاكية.
ويعكس هذا جزئيا الرغبة في التصدي للمستثمرين الذين قد يعمدون بخلاف ذلك إلى خفض العوائد وتخفيف الشروط المالية، ما يقوض الحملة الرامية إلى سحق نمو الأسعار. كما يعكس أيضا حالة عدم يقين حقيقية بشأن ما إذا كانت البيانات الأخيرة تمثل نقطة تحول حاسمة، خاصة في ضوء إخفاقات البنوك المركزية في التنبؤ بالماضي والمخاوف من أن تؤدي البيئة الجيوسياسية المتقلبة إلى إحداث صدمات أسعار جديدة.
يقول جوزيف جانيون، أحد كبار الموظفين السابقين في الاحتياطي الفيدرالي الذي يعمل الآن في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، إن البنوك المركزية الآن عند "نقطة انعطاف" وأن هذه نقطة الحد الأدنى - وليس الحد الأقصى - من الثقة بالتوقعات.
يقول: "عندما تعلم أنك متخلف عن المنحنى ومن الأفضل أن ترفع أسعار الفائدة بسرعة للحاق بالركب، يكون لديك ثقة كبيرة بأنك تفعل الشيء الصحيح. لكن بعدئذ عندما تقترب من حيث تعتقد أنك قد فعلت ما فيه الكفاية، فإنك تصبح أقل ثقة بشأن الخطوة التالية. هذا هو المكان الذي هم فيه".

التعامل بحذر

إن هذا الحذر مفهوم بعد أن وضع محافظو البنوك المركزية في موقف صعب بسبب التضخم قبل عامين. وقد ساعد الارتداد السريع للإنفاق الاستهلاكي في أعقاب عمليات الإغلاق، إلى جانب الآثار المتبقية، النقص الذي تسببت فيه سلاسل التوريد، والتحفيز المالي الأمريكي الضخم، وصدمات أسعار الطاقة الناجمة عن حرب أوكرانيا، على إشعال أسوأ تفجر للتضخم منذ عقود بين الاقتصادات الكبرى.
لقد كان تفشيا فشلت البنوك المركزية في الاعتراف به سريعا إلى أن أدركت أنه يخاطر بفصل توقعات التضخم عن أهدافها المنشودة البالغة 2 في المائة.
وقد شرع صناع السياسات في الاحتياطي الفيدرالي، والبنك المركزي الأوروبي، وبنك إنجلترا، والبنوك المركزية الأخرى، في سلسلة محمومة من زيادات أسعار الفائدة التي بدأت قبل عامين تقريبا ما ترك تكاليف الاقتراض في أوروبا والولايات المتحدة عند أعلى مستوياتها منذ ما قبل الأزمة المالية.
وفي الولايات المتحدة، ساعدت هذه المجموعة القاسية من زيادات أسعار الفائدة على الحد من تضخم مؤشر الأسعار الاستهلاكية إلى 3.7 في المائة، وهو أقل بكثير من الذروة التي اقتربت من 10 في المائة. لكن الاحتياطي الفيدرالي لا يزال يتعامل مع اقتصاد مزدهر على نحو مدهش، سجل نموا سنويا بلغ 4.9 في المائة في الربع الأخير.
ورغم الأسعار المرتفعة وتقلص احتياطيات الادخار، فإن الإنفاق الاستهلاكي لم يتباطأ بشكل ملموس بعد. ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى سوق العمل القوية، رغم أن تقرير الوظائف لأكتوبر الذي جاء أضعف من المتوقع الجمعة يشير إلى أن بعض الاعتدال ينتظرنا.
وفي حديثه في مؤتمر صحافي هذا الأسبوع بعد قرار الاحتياطي الفيدرالي بالتخلي عن رفع سعر الفائدة في اجتماعه الثاني على التوالي، كان باول مصرا على أنه لم يغلق الباب أمام مزيد من التشديد النقدي. وقال ردا على سؤال حول ما إذا كانت أسعار الفائدة الآن مقيدة بما فيه الكفاية: "لسنا واثقين في هذا الوقت بأننا وصلنا إلى مثل هذا الموقف".
لكن باول لم يعلم الأسواق بشكل رسمي بأن أي تشديد وشيك، ما دفع المستثمرين إلى استخلاص استنتاجاتهم الخاصة، حيث تحولوا إلى التكهن حول مدى قرب تخفيض أسعار الفائدة.
أصر باول على أن الاحتياطي الفيدرالي لم يكن مهتما حتى بفكرة متى يخفض أسعار الفائدة. لكن الزيادات في أسعار الفائدة طويلة الأجل خلال الأسابيع الأخيرة، مدفوعة بعوامل من بينها المخاوف بشأن الاقتراض الحكومي الضخم، ساعدت على تشديد الأوضاع المالية بشكل كبير، ما عزز الحجة القائلة إن الاحتياطي الفيدرالي يمكن أن يظل ثابتا في الوقت الحالي.
واعترف رئيس الاحتياطي الفيدرالي بأن هذا قد يغني عن حاجة البنك المركزي إلى اتخاذ خطوات إضافية لتقييد الطلب الاقتصادي، رغم أن الكثير سيعتمد على مدى استمرار تحركات السوق.
وبعد أن تعرض لانتقادات واسعة النطاق بسبب بطئه الشديد في الاستجابة لأكبر ارتفاع للتضخم منذ جيل في العام الماضي، فإن البنك المركزي الأوروبي أيضا - مثل الاحتياطي الفيدرالي - متردد بشدة في إعلان النصر على التضخم قبل الأوان. يقول فريدريك دوكروزيت، رئيس أبحاث الاقتصاد الكلي في شركة بيكتيت ويلث منجمنت: "آخر شيء يريد البنك المركزي الأوروبي القيام به هو ارتكاب الخطأ نفسه عبر التقليل من شأن التضخم للمرة الثانية خلال عامين".
لكن الحجة التي تؤكد أن أسعار الفائدة الأوروبية بلغت ذروتها، إن وجدت، هي أقوى حتى من نظيرتها في الولايات المتحدة. فقد انكمش اقتصاد منطقة اليورو بنسبة 0.1 في المائة في الربع الثالث، بينما انخفض التضخم في كتلة العملة الموحدة أيضا إلى أقل من 3 في المائة للمرة الأولى منذ أكثر من عامين.
وحذرت إيزابيل شنابل عضوة مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي، في خطاب ألقته الخميس من أن "الميل الأخير" من عملية تقليص التضخم "سيكون أكثر غموضا، وأبطأ وأكثر وعورة" وعرضة لخطر زعزعة الاستقرار بسبب "صدمات جانب العرض" مثل الصراع بين إسرائيل وحماس. وقالت: "لا يمكننا أن نغلق الباب أمام المزيد من رفع أسعار الفائدة".

اقتصادات متباطئة

ومع ذلك، فإن مناقشات السوق الآن لا تركز على ما إذا كان هناك مزيد من الزيادات في المستقبل، بل على مدى سرعة تنفيذ البنك المركزي الأوروبي التخفيض الأول. ويتوقع الاقتصاديون أن ينتظر محددو أسعار الفائدة الحصول على دليل واضح على أنه تم ترويض التضخم قبل خفض أسعار الفائدة. قد يتوقف هذا على ما إذا كانت اتفاقيات الأجور الجماعية مع النقابات في الربيع المقبل تظهر تراجعا في نمو الأجور - وهي خطوة حيوية لخفض التضخم الأساسي، الذي يستثني الطاقة والغذاء، من مستواه الحالي البالغ 4.3 في المائة.
إذا كان معدل التضخم الرئيس في منطقة اليورو يتجه بشكل مستدام إلى ما دون 3 في المائة، يعتقد ستورناراس أن خفض أسعار الفائدة يمكن أن يأتي "في منتصف العام المقبل".
بالنسبة إلى بنك إنجلترا، فإن المعضلة المقبلة أكثر إثارة للقلق. لقد خفض البنك توقعاته بشأن الإنتاج والعرض في المملكة المتحدة في توقعاته لنوفمبر الخميس، حيث أبقى أسعار الفائدة عند 5.25 في المائة، محذرا من أن ضغوط الأجور لا تزال أكثر مرونة مما توقعه وأن البطالة قد تضطر إلى الارتفاع أكثر من المتوقع لتحمل انخفاض الأسعار.
وكانت توقعاته قاتمة، ما ينذر بثبات النمو، إلى جانب ارتفاع التضخم فوق الهدف حتى أواخر 2025. وقال بيلي إن لجنة أسعار الفائدة التابعة تحتفظ بالحق في رفع أسعار الفائدة مرة أخرى إذا لزم الأمر، لكن كثيرا من المستثمرين يرون أن زيادة أخرى غير مرجحة إلى حد كبير نظرا إلى ضعف الاقتصاد وعلامات تباطؤ سوق العمل.
تقول تيفاني ويلدينج، العضو المنتدب في شركة بيمكو، إنه في حين أن الاتجاهات التضخمية الرئيسة في أوروبا متخلفة بمقدار ربع أو ربعين عن الولايات المتحدة، إلا أن الاقتصادات تسير الآن في الاتجاه الصحيح على جانبي الأطلسي.
لكنها تضيف أن هذا لا يعني بالضرورة أنهم خرجوا من الأزمة تماما، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن الأسباب الرئيسة لانخفاض التضخم هي "تلاشي الآثار المرتبطة بالجائحة" - على سبيل المثال، انتهاء عقبات سلاسل التوريد وانحسار الرياح الخلفية من السياسة المالية.
وتتساءل: "الأمر الذي ما زال يقلق البنوك المركزية بعض الشيء هو أنه بمجرد أن تتلاشى هذه التشوهات المرتبطة بالجائحة بشأن التضخم، أين هو الاتجاه الأساسي في التضخم؟ ما مقدار الألم الذي تحتاج إليه سوق العمل لخفض [التضخم] فعليا؟".
ونظرا إلى البيئة الجيوسياسية المتقلبة التي تهدد بإحداث صدمات جديدة في العرض، واحتمال تفتيت سلاسل الإمداد وسط تصاعد التوترات التجارية، فإن الادعاءات القائلة إن التضخم قد تم كبحه بشكل نهائي قد تبدو بسرعة من قبيل التمني.
يقول سيث كاربنتر، الذي عمل سابقا في وزارة الخزانة والاحتياطي الفيدرالي، ويعمل الآن في بنك مورجان ستانلي: "لا أعتقد أن أيا منهم على استعداد لوضع لافتة تقول: تم إنجاز المهمة".
وأضاف: "أعتقد أن العامين ونصف العام الماضيين أظهرا مدى صعوبة التنبؤ، وأعتقد أن هناك جرعة كافية من التواضع المناسب بين محافظي البنوك المركزية حول مدى صعوبة معرفة إلى أين تتجه الأمور على وجه اليقين".

الأكثر قراءة