كيف عززت جامعة ولاية أريزونا صعود فينيكس كعاصمة للرقائق الأمريكية؟

كيف عززت جامعة ولاية أريزونا صعود فينيكس كعاصمة للرقائق الأمريكية؟

في مطلع الألفية، كانت صناعتا السياحة والعقارات تهيمنان على اقتصاد مدينة فينيكس، وهما المنتجان الثانويان الطبيعيان للشمس على مدار العام.
وقد عكست أكبر جامعة في المنطقة هذا التأثير. لقد اشتهرت ولاية أريزونا بوصفها "جامعة للاحتفالات" حيث كان الطلاب يولون اهتماما بسمرة بشرتهم وبفريق كرة القدم رفيع المستوى أكثر من اهتمامهم بالأكاديميين.
لم يفقد الحرم الجامعي الذي تغمره أشعة الشمس في ضاحية تيمبي، فينيكس، صورته بالكامل كمكان للمتعة في الهواء الطلق. لكن داخل مباني جامعة ولاية أريزونا الحداثية، حدث تحول.
فقد تحول اليوم إلى طبق بيتري للإلكترونيات الدقيقة ـ خلية من البحث والتطوير لصناعة أشباه الموصلات ـ بينما تعمل على ترسيخ نفسها بوصفها الحزام الناقل الرائد للمهندسين في أميركا. وقد أرسى كل هذا الأساس "لوادي الشمس" بوصفه القلب النابض لازدهار صناعة الرقائق في البلد.
يقول مايكل كرو، رئيس جامعة ولاية أريزونا الذي ينسب إليه الفضل على نطاق واسع في التحول الذي شهدته الجامعة: "إننا جامعة من القرن الـ20 وكنا بحاجة إلى أن نصبح جامعة من القرن الـ21 ترسم المسارات لاقتصاد القرن الـ22".
"العالم الذي نبنيه ليس هو العالم الذي نخرج منه. ستصبح الرقائق الدقيقة الآن بمنزلة المكافئ التقريبي للكهرباء - أو الماء".
وأصبحت الجامعة أحد أهم المحركات للمدينة التي وصفها البعض بأنها عاصمة أشباه الموصلات الأمريكية الجديدة. وجاء هذا التحول وسط تدافع في واشنطن لإعادة بناء القدرة المحلية على تصنيع أشباه الموصلات، ما يوفر حوافز بمليارات الدولارات للشركات لبناء مرافق التصنيع.
تفاخر كلية الهندسة في جامعة ولاية أريزونا الآن بأنها تضم 24 ألف طالب داخل الحرم الجامعي - أي أكثر من أي جامعة مستقلة أخرى في البلد - ولديها خطط لزيادة هذا العدد إلى 30 ألفا خلال الأعوام الثلاثة المقبلة. ويدرس ثمانية آلاف طالب إضافي عبر الإنترنت بعد أن قدمت أول درجات علمية معتمدة بالكامل عبر الإنترنت في أمريكا في الهندسة الكهربائية، والبرمجيات والميكانيكية.
رغم أن المناخ الجاف وعدم التعرض للكوارث الطبيعية ساعدا فينيكس على أن تصبح جزءا من أعمال أشباه الموصلات منذ عقود - بدءا من شركة موتورولا في فترة ما بعد الحرب مباشرة - فإن القادة الحكوميين يمنحون الجامعة الفضل في المساعدة على إطلاق نهضة الرقائق في المنطقة.
تقول كيت جاليجو، عمدة مدينة فينيكس: "يمكنني أن أقول إن سلاحنا السري في كل هذا كان جامعة ولاية أريزونا. لقد ساعدتنا على جذب الاستثمار الأجنبي لأنه يمكنها توفير الخريجين من الدرجة الأولى للعمل في هذه الشركات".
تدفقت رؤوس الأموال. وتم إعلان استثمارات تزيد قيمتها على 70 مليار دولار في مقاطعة ماريكوبا - التي تقع فيها فينيكس- منذ 2020، وفقا لبيانات من شركة إف دي أي ماركتس. وبعبارة أخرى: من بين 242 مليار دولار تم استثمارها في صناعة الرقائق الأمريكية في العقدين الماضيين، تدفق أكثر من ربع هذا المبلغ إلى مقاطعة ماريكوبا في الأعوام الأربعة الماضية فقط.
وقبل عامين، وبمساعدة جامعة ولاية أريزونا وكرو، حصلت فينيكس على جائزتها الكبرى: شركة تي إس إم سي، أكبر صانعة في العالم لأشباه الموصلات المتطورة. أعلنت الشركة التايوانية استثمارا بقيمة 12 مليار دولار لبناء مصنع في شمال المدينة عام 2020. وفي ديسمبر الماضي، زادت الشركة التزامها إلى 40 مليار دولار.
يعكس دور جامعة ولاية أريزونا في التنشيط اتجاها أوسع للتنمية الاقتصادية على الصعيد الوطني. ففي المعركة العالمية لتمويل التكنولوجيا الفائقة، يتم الآن توظيف ووضع الجامعات البحثية في الخطوط الأمامية، ما يساعد المدن الأمريكية على جذب أكبر الاستثمارات الرأسمالية مع وعد للقوى العاملة الماهرة التي أصبحت عنصرا أساسيا في قدرة المجموعات التكنولوجية على التوسع.
يقول روس دي فول، رئيس مؤسسة هارتلاند فوروارد البحثية: "ما بدأنا نراه الآن هو إدراك أن جامعات الأبحاث الأمريكية يمكنها أن تلعب دورا أوسع بكثير عبر البلد في تحفيز التنمية الاقتصادية على المستوى المحلي".
وفي بيتسبيرغ، ساعدت جامعة كارنيجي ميلون على تحويل مدينة كانت معروفة ذات يوم بصناعتها الصدئة للصلب إلى مركز للروبوتات والذكاء الاصطناعي. وتمت إعادة تنشيط كليفلاند، جزئيا، عبر جامعة كيس ويسترن ريزيرف.
وفي بعض النواحي، تتبع هذه البلديات النموذج الذي أنشأته جامعة ستانفورد قبل نصف قرن، حيث لعب البحث والإبداع دورا أساسيا في إنشاء وادي السيليكون. ولكن، على عكس كاليفورنيا في سبعينيات القرن الماضي، فإن الدور الأهم الذي تلعبه جامعة ولاية أريزونا وكليات الهندسة المشابهة الآن هو إيجاد قوة عمل ماهرة وسط واحدة من أسواق العمل الضيقة منذ أجيال.
تمتعت مدينة فينيكس بميزة إرثها المتمثل بالشركات المصنعة لأشباه الموصلات للمساعدة في البناء على هذا الأساس في الوقت الذي تولى فيه كرو قيادة جامعة ولاية أريزونا. حيث كان لشركة إنتل وجود في المنطقة منذ أكثر من أربعة عقود، وهي الآن تتوسع بشكل كبير - حيث تضخ 20 مليار دولار في مصنعين جديدين في تشاندلر، في جنوب شرق فينيكس.
لكن وصول المنطقة كقوة عظمى في صناعة الرقائق تم تعزيزه بوساطة شركة تي إس إم سي. ففي شمال غرب المدينة، تنمو مصانعها المزدهرة بسرعة خارج قطعة أرض أكبر من حديقة سنترال بارك في مدينة نيويورك.
وتلوح الرافعات فوق بنى الهياكل العظمية التي ستضم بعض عمليات أشباه الموصلات الأكثر تقدما في أي مكان في العالم. فقبل بضعة أشهر فقط، لم تكن قطعة الأرض أكثر من مجرد أرض للشجيرات.
إن وتيرة هذا التغيير - التي عززتها المعونة البالغة 52 مليار دولار والتي قدمها قانون الرقائق والعلوم الذي تم إقراره العام الماضي - والمطالب التي فرضها على المدينة، جلبت معها تحدياتها الخاصة.
فقد ألقت شركة تي إس إم سي باللوم على نقص العمالة في قرارها القاضي بتأجيل افتتاح مصنعها الأول من العام المقبل إلى 2025. فهي تقوم بإحضار أكثر من 500 عامل من تايوان للمرة الأولى لسد الفجوة - الأمر الذي أثار استياء النقابات المحلية. كما أثارت الصدامات الثقافية المخاوف على المستوى المحلي.
فقد صرح مارك ليو، رئيس تي إس إم سي، للمستثمرين في يوليو: "إننا نواجه بعض التحديات نظرا إلى عدم وجود عدد كاف من العمال المهرة ذوي الخبرة المتخصصة المطلوبة لتركيب المعدات في منشأة من فئة أشباه الموصلات".
وقد أدى ذلك إلى زيادة الضغوط على قادة المدينة لتسريع عملية تحويل القوى العاملة المحلية.
إذ يقول ساثيش كوبوراو، نائب الرئيس لتطوير الأعمال والنمو في شركة أبلايد ماتيريالز التي تزود شركات تصنيع الرقائق بالتكنولوجيا والمعدات - والتي شهدت بالفعل إيرادات سنوية تضاعفت تقريبا في الأعوام الستة الماضية إلى 26 مليار دولار: "إذا قمت فجأة بتنمية كثير من الشركات... فالمشكلة الأولى هي تجمع المواهب".
"لفترة طويلة كان الناس يفكرون:" مهلا، كان التصنيع دائما يخرج من الولايات المتحدة. ويضيف: "لماذا تعد هذه مهنة جيدة بالنسبة لي؟". "إننا نقاتل ضد تلك الأشياء التاريخية. إننا بحاجة إلى تحويل المسار لجذب عدد كاف من الطلاب إلى هذه الصناعة".
تتعاون جامعة ولاية أريزونا مع صانعي الرقائق عبر تكييف المناهج الدراسية وتطوير مبادرات بحثية جديدة وتوسيع قسم الهندسة لديها.
يقول كرو: "هناك ضغط كبير للغاية يدفع من أجل التدريب المتقدم، وتطوير القوى العاملة. كل شيء يتحرك بسرعة، ولكن أعتقد أن تي إس إم سي ترغب في أن تتحرك الأمور بشكل أسرع حتى".
رفضت شركة تي إس إم سي إجراء مقابلة معها، لكنها قالت في بيان إنها "واثقة بأن قوة وتنوع خط المواهب الهندسية من الكليات والجامعات عبر الولايات المتحدة ستزودنا بموظفين متميزين".
وفي الحرم الجامعي، تبدو الجهود المبذولة لجذب الخريجين الموهوبين واضحة. إذ يقول جابرييل آدامز، وهو طالب في الهندسة الكهربائية في جامعة ولاية أريزونا يبلغ من العمر 24 عاما من منطقة جيلبرت القريبة: "إن معرض التوظيف يشبه حديقة الحيوانات. إنني أعتقد أن الوظائف بشكل عام في مقدمة اهتمامات كثير من الناس".
ولا يقتصر الأمر على المهندسين الذين تنتجهم مدينة فينيكس بأعداد كبيرة. ففي كليات المدينة، يتم تقديم دورات لمساعدة العمال ذوي المهارات المنخفضة للحصول على وظائف كفنيي أشباه الموصلات.
تقول تامي روبنسون، رئيسة كلية ميسا المجتمعية: "إنني أشاهد مجتمعنا يتغير - والناس يحتاجون إلى عمال متعلمين بشكل أسرع من قدرتهم على الحصول على التعليم". وإلى جانب كليتين محليتين أخريين، قدمت كلية ميسا دورة مكثفة لمدة أسبوعين للعمال لإعادة تدريبهم كفنيي أشباه الموصلات.
يهدف البرنامج الذي أطلق عليه اسم كويك ستارت- Quick Start الذي تم تطويره بالتعاون مع شركة إنتل - إلى تخريج موظفين جاهزين للصناعة بعد شق طريقهم عبر دورة تدريبية سريعة مدتها عشرة أيام.
وتقول روبنسون: "إن هذه طريقة لتمريرهم من الباب الأمامي، وإخراجهم بسرعة. فالوضع لم يعد يحتمل أن يكون أحد منا سلبيا بعد الآن".

الأكثر قراءة