تنحوا جانبا .. أمريكا تريد كتابة قواعد الذكاء الاصطناعي

تنحوا جانبا .. أمريكا تريد كتابة قواعد الذكاء الاصطناعي

حصلت كامالا هاريس على درجات عالية في الصدق رغم أنها لم تتخرج بأعلى مرتبة في الدبلوماسية. وعندما وقفت إلى جانب الرئيس الأمريكي جو بايدن قبل توقيعه على المرسوم التنفيذي حول تنظيم الذكاء الاصطناعي، أوضحت نائبة الرئيس أن بلادها عازمة على أن تظل الدولة التكنولوجية المهيمنة في العالم وكتابة قواعدها الخاصة للعبة.
وقالت هاريس بوضوح: "لنكن واضحين: عندما يتعلق الأمر بالذكاء الاصطناعي، فإن أمريكا رائدة عالمية. إن الشركات الأمريكية هي التي تقود العالم في مجال الابتكار للذكاء الاصطناعي. إن أمريكا هي التي تستطيع تحفيز العمل العالمي وبناء توافق عالمي بطريقة لا تستطيعها أي دولة أخرى". وبعد ذلك، سافرت إلى قمة بليتشلي بارك التي عقدتها حكومة المملكة المتحدة حول أمن الذكاء الاصطناعي.
يشمل المرسوم التنفيذي، الذي يركز على الأضرار الحالية مثل الخصوصية والأمن والتمييز والمعلومات المضللة، أكثر من 25 وكالة حكومية. وهو المحاولة الأشمل حتى الآن لتنظيم أكبر شركات الذكاء الاصطناعي في العالم. وسيثبت أنه أكثر أهمية بكثير من إعلان بليتشلي الجدير بالاهتمام، ولكن معدوم الفاعلية، الذي وافقت عليه هذا الأسبوع 28 دولة والاتحاد الأوروبي.
كتب جاري ماركوس، الرئيس التنفيذي لمركز النهوض بالذكاء الاصطناعي الجدير بالثقة، أن هذا المرسوم التنفيذي كان " غير مثالي، لكنه يقترب كثيرا من وضع سياسة حقيقية".
من الصعب المبالغة في تقدير هيمنة أمريكا على الأبحاث والتطوير في الذكاء الاصطناعي. فوفقا لتقرير حالة الذكاء الاصطناعي لـ2023، أنتجت الولايات المتحدة أكثر من 70 في المائة من الأوراق البحثية الأكثر استشهادا بها في مجال الذكاء الاصطناعي على مدى الأعوام الثلاثة الماضية، تليها في ذلك الصين والمملكة المتحدة. وبقيادة جوجل وميتا ومايكروسوفت، تمثل الشركات والجامعات التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها، تسعة من أفضل عشر مؤسسات بحثية. والاستثناء الوحيد هو شركة ديب مايند ومقرها لندن، اشترتها شركة جوجل في 2014.
لا تزال ثروة وقوة وطموح عمالقة التكنولوجيا الأمريكيين الثلاثة لا مثيل لها. ففي 2022، حقق ثلاثي الشركات إيرادات تقارب 600 مليار دولار، وتبلغ قيمتها السوقية مجتمعة خمسة تريليونات دولار، أي أكثر من ضعف قيمة أكبر 100 شركة مدرجة في المملكة المتحدة (2.4 تريليون دولار). وتقع أهم الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي أيضا على الساحل الغربي، ولا سيما شركة أوبن أيه آي، التي أطلقت تشات جي بي تي العام الماضي، وشركة أنثروبيك.
في الوقت الحالي، هناك قيود قليلة على كيفية تطوير الذكاء الاصطناعي، بخلاف ميثاق الأخلاق الخاص بها. لكن رئيس وزراء المملكة المتحدة ريشي سوناك، قال إن معاهد السلامة الدولية ستختبر الآن النماذج الرائدة. وأكدت الولايات المتحدة أنها ستحاكي النموذج البريطاني من خلال إنشاء معهد سلامة خاص بها.
وفي حديثها في السفارة الأمريكية في لندن، أوضحت هاريس، التي أخذت زمام المبادرة في صياغة سياسة الإدارة للذكاء الاصطناعي، كيف ستقوم واشنطن بالتدقيق على الشركات الكبرى بشكل أكثر تدخلا.
قالت: "لقد أظهر التاريخ أنه في غياب التنظيم والرقابة الحكومية القوية، تختار بعض شركات التكنولوجيا إعطاء الأولوية للربح على رفاهية عملائها، وسلامة مجتمعاتهم واستقرار ديمقراطياتنا".
ومع ذلك، ستجد الإدارة صعوبة في تحويل مرسومها التنفيذي إلى تشريع، نظرا إلى الانقسام الحزبي في واشنطن. من ناحية أخرى، تتبنى الصين والاتحاد الأوروبي تشريعات كاملة خاصة بهما.
ومع ذلك، أشاد عديد من المشاركين بقمة بليتشلي بوصفها ناجحة، مع تركيزها على المخاطر الشديدة التي يواجهها الذكاء الاصطناعي. فقد قامت حكومة المملكة المتحدة بعمل رائع في جمع عديد من كبار الباحثين في العالم إلى جانب القادة السياسيين. وتقاسم المسؤولون الأمريكيون والصينيون المنصة.
وكان الهدف الرئيس للقمة هو بدء مناقشة عالمية حول نماذج الذكاء الاصطناعي الرائدة: وهنا نجحت القمة بالتأكيد. وفي حين لم يكن أي سياسي يتحدث كثيرا عن الذكاء الاصطناعي قبل بضعة أعوام، فمن الصعب الآن إسكاتهم عن هذا الموضوع. وتحرص المملكة المتحدة على أن تترك قمة بليتشلي إرثا دائما. ومن المقرر أن تعقد كوريا الجنوبية وفرنسا قمتين حول الأمن خلال العام المقبل.
ومع ذلك، كان السؤال الأكبر الذي لم تتم الإجابة عنه في مؤتمر بليتشلي هو ما إذا كانت الشركات الساعية للربح هي أفضل المنظمات للسعي إلى بناء الذكاء العام الاصطناعي، وذلك عندما تحل أجهزة الحاسوب ذات يوم محل الذكاء البشري في كل مجال. ولمتابعة هذه المهمة، دعا بعض الخبراء إلى إنشاء وكالة أبحاث دولية تعاونية شبيهة بمنظمة سيرن.
وكان من اللافت للنظر أن ديميس هاسابيس، المؤسس المشارك لشركة ديب مايند، أعرب عن شكوكه حول ما إذا كانت أخلاقيات وادي السيليكون، التي يجسدها شعار "تحرك بسرعة وحطم الأشياء"، هي أفضل نهج. حيث قال لـ"بي بي سي": "أود أن أقول إن الذكاء الاصطناعي تكنولوجيا مهمة للغاية، وهي تكنولوجيا تحويلية للغاية بحيث لا يمكن القيام بذلك بهذه الطريقة. يجب أن ننظر إلى المنهج العلمي".
ينبغي أن يبدأ جدول أعمال قمة أمن الذكاء الاصطناعي المقبلة بهذه المسألة.

الأكثر قراءة