مستثمرو الصناديق العقارية سحبوا أموالهم .. لقد نفد صبرهم
شهد المستثمرون في الصناديق العقارية في المملكة المتحدة أوقاتا جيدة وسيئة منذ التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. والآن بدأوا يفقدون صبرهم.
في الأسبوع الماضي، أعلن بنك إم أند جي لإدارة الصناديق خططا لإغلاق صندوقه العقاري الذي تبلغ قيمته 565 مليون جنيه استرليني وإعادة الأموال إلى العملاء، مشيرا إلى تراجع الاهتمام من مستثمري التجزئة (المستثمرين الأفراد). وفي اليوم التالي، علقت شركة سانت جيمس بليس التداول في وحدتها العقارية التي تبلغ قيمتها 829.5 مليون جنيه استرليني بعد زيادة طلبات الاسترداد.
وقد أعلن صندوق عقاري ثالث، تديره شركة كندا لايف أسيت منجمنت، في بداية الشهر خططا لإغلاقه للسبب نفسه. قال مايكل وايت، رئيس قسم العقارات البريطانية في شركة كندا لايف أسيت منجمنت: "بعد طلبات الاسترداد الأخيرة التي قدمها المستثمرون، توصلنا إلى ما يلي: الصندوق لن يكون مجديا تجاريا".
وهذه ليست المرة الأولى التي يمر فيها المستثمرون البريطانيون بهذه التجربة. لقد عانت الصناديق العقارية حالات اندفاع للخروج والإغلاقات المؤقتة بين الفينة والأخرى منذ 2016.
لكن أسعار الفائدة المرتفعة تسببت في تحول ملحوظ في الاستثمار بعيدا عن هذه الصناديق، التي تأتي مع مخاوف بشأن ارتفاع تكاليف الديون والمكاتب الفارغة بعد الجائحة، ونحو الدخل الثابت والمنتجات النقدية التي تبدو أكثر جاذبية وأكثر أمانا.
أشار ماكس نيمو، المحلل العقاري في شركة نوميس للوساطة المالية، إلى المشكلات الخاصة التي تواجه صناديق العقارات "المفتوحة"، التي تسمح بالتعامل اليومي عندما يكون الأصل الأساسي غير سائل بطبيعته.
وقال: "بعد عمليات عدة من تجميد استردادات الاستثمارات في الصناديق في الأعوام الأخيرة، استمرت الثقة بالأدوات ذات الرأسمال غير المحدد في التضاؤل. إننا مندهشون أن السوق استغرقت كل هذا الوقت لتقبل هذا".
كانت عمليات الاسترداد من الصناديق العقارية في المملكة المتحدة مرتفعة باستمرار خلال العام الماضي، حيث تم سحب ما بين 50 و190 مليون جنيه استرليني على أساس صافي كل شهر، وفقا لشركة مورنينج ستار.
وخرج نحو 1.4 مليار جنيه استرليني من السوق في تلك الفترة، ما خفض قيمتها الإجمالية إلى 10.4 مليار جنيه استرليني في نهاية سبتمبر، مقارنة بذروة بلغت 35 مليار جنيه استرليني في أبريل 2016.
قال أولي كريسي، رئيس قسم أبحاث العقارات في مجموعة إدارة الاستثمار كويلتر شيفيوت، إن هذه "الحركة البطيئة" لعمليات الاسترداد المستمرة تجعل من الصعب على مديري الصناديق تلبية الطلبات مع تقلص النقد الموجود في الصندوق.
وقال: "إذا باعت الصناديق عقارات سائلة ومرغوبة، فإنك تبدأ البحث في القائمة عن العقارات التي قد يستغرق بيعها ستة أشهر". ويشمل ذلك مراكز التسوق والمباني المكتبية الكبيرة، التي يكون المشترون فيها قليلين ومتباعدين.
وقد أدت الأشهر القليلة الماضية إلى مزيد من الركود في سوق العقارات التجارية. وقال محافظو البنوك المركزية العالمية إنه حتى إذا لم يتم رفع أسعار الفائدة أكثر، فمن المرجح أن تظل مرتفعة لبعض الوقت.
وقال كيث بريسلاور، العضو المنتدب لشركة باترون كابيتال لإدارة الصناديق العقارية، إنه بالنسبة إلى أصحاب العقارات "فهذا يعني ضمنا أنه سيتعين عليهم التعامل مع تكلفة الديون المرتفعة لفترة طويلة، وإذا كان لديك تكلفة عالية للاقتراض، فستنخفض التقييمات".
تمنح الصناديق ذات الرأسمال غير المحدد المستثمرين بالتجزئة خيارات لوضع أموالهم في العقارات التجارية، وهي فئة أصول يصعب الوصول إليها لولا ذلك. يسمح هذا الهيكل للمستثمرين بسهولة الشراء أو البيع خارج الصندوق، لكن هذا يتعارض مع الأشهر التي قد يستغرقها شراء العقارات الأساسية أو بيعها.
تحظى صناديق العقارات ذات الرأسمال غير المحدد بشعبية خاصة في المملكة المتحدة، لذلك يتأثر المستثمرون في المملكة المتحدة بشكل أكبر إذا تم حظر عمليات السحب بسبب اضطرابات السوق والارتفاع المفاجئ في طلبات الاسترداد. لكن الصناديق العقارية في أماكن أخرى تضررت أيضا جراء سحوبات المستثمرين.
وفي نهاية 2022، حد بنك بلاكستون، أكبر مدير للأصول البديلة في العالم، من قدرة المستثمرين على الانسحاب من صندوق الدخل العقاري ذي الرأسمال الثابت الذي تبلغ قيمته 66 مليار دولار بعد تلقي عدد كبير من طلبات الاسترداد، رغم أن الشركة قالت إنه كان هناك تراجع حاد في الطلبات منذ ذلك الحين.
وفي المملكة المتحدة، تتطلب قواعد هيئة السلوك المالي من مديري الصناديق العقارية النظر في تعليق عمل الصناديق خلال ظروف السوق القاسية، وهو ما حدث عام 2016 بعد التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وعام 2020 أثناء الجائحة، وفي نهاية العام الماضي نتيجة "الميزانية المصغرة".
كانت هناك دعوات لمزيد من الإجراءات لحماية مستثمري الصناديق العقارية في المملكة المتحدة، حيث أطلقت هيئة مراقبة السلوكيات المالية استطلاع رأي في أغسطس 2020 حول تقليل احتمالية إلحاق الضرر بالمستثمرين.
وتتمثل إحدى الخطوات التالية في نتيجة استطلاع حكومي منفصل حول كيفية تأثير فترة إشعار للاسترداد تراوح مدته بين 90 و180 يوما، التي اقترحتها مشاورة هيئة الرقابة المالية، على "حسابات التوفير الفردية". ويتعين على حسابات التوفير ذات الكفاءة الضريبية هذه أن تسمح للعملاء بالوصول إلى أموالهم أو تحويلها إلى حساب توفير فردي آخر في غضون 30 يوما من الطلب.
وأخبرت إدارة الإيرادات والجمارك البريطانية، التي تدير استطلاع الرأي بشأن حسابات التوفير الفردية، صحيفة "فاينانشال تايمز" إنها لا تزال تدرس النتائج.
كما حولت الهيئات التنظيمية في أماكن أخرى انتباهها إلى هذه المشكلة. حيث دعا البنك المركزي الأوروبي في أبريل إلى إجراء إصلاحات على صناديق العقارات التجارية لتقليل المخاطر المحتملة على "استقرار مالي أوسع نطاقا"، إذا سارع المستثمرون إلى سحب أموالهم بشكل جماعي.
وقال مجلس الاستقرار المالي والمنظمة الدولية للجان الأوراق المالية في يوليو، إن مديري الصناديق الذين يستثمرون في أصول غير سائلة ينبغي أن يفرضوا رسوما على العملاء مقابل عمليات السحب لثني المستثمرين عن الاندفاع للخروج إذا كان هناك اضطراب في السوق.
لكن كل هذا يأتي بعد فوات الأوان بالنسبة إلى المستثمرين في الصناديق في المملكة المتحدة التي تم وقفها أخيرا.
أخبر بنك إم آند جي العملاء أنه ستكون هناك فترة انتظار لمدة تصل إلى 18 شهرا لاستعادة أموالهم بالكامل. وقال نيل بروكس، الرئيس العالمي للمنتجات والتوزيع في بنك إم أند جي: "لقد درسنا خيارات مختلفة، لكننا نعتقد أن هذا هو القرار الصحيح لمستثمرينا".
وفي الوقت نفسه، قال توم بيل، مدير الاستثمارات في شركة إس جيه بي في بيان سابق، إن الشركة: "عاكفة على تقييم ظروف السوق ومراقبة تقييمات العقارات داخل الصندوق من كثب. ونحن ملتزمون باستئناف التعامل بمجرد اقتناعنا بتوافر الظروف الملائمة".