وفاة السيطرة على منحنى العائد في اليابان .. ماذا يعني ذلك للأسواق؟
منذ أن شرع بنك اليابان في تجربة سوق السندات الضخمة عام 2016، كان أحد أكبر الأسئلة المطروحة بين المستثمرين هو كيف ستنتهي هذه التجربة؟
لقد استخدمت البنوك المركزية حول العالم برامج شراء السندات المعروفة باسم التيسير الكمي لدعم الاقتصادات لأكثر من عقد من الزمن. لكن قبل سبعة أعوام ذهب بنك اليابان إلى أبعد من ذلك، حيث وضع حدا صارما لعوائد السندات الحكومية اليابانية لأجل عشرة أعوام.
وفي هذا الأسبوع، اتخذ بنك اليابان أكبر خطوة حتى الآن نحو تفكيك السياسة، معلنا للمرة الأولى أن الحد الأقصى 1 في المائة على عوائد السندات لأجل عشرة أعوام سيفهم الآن على أنه معدل مرجعي.
كان رد فعل المستثمرين الصامت على قراره بمنزلة راحة للبنك المركزي، الذي يتعين عليه تخفيف قبضته على السندات تدريجيا لتجنب التسبب في اضطرابات في سوق دولية تبلغ قيمتها تريليونات الدولارات.
لكن لا يزال هناك طريق طويل لنقطعه قبل أن يتخلى بنك اليابان عن سياسة أخرى تعد الآن خروجا عن المألوف: أسعار الفائدة السلبية، التي تجعله آخر بنك مركزي كبير لا يزال متمسكا بأحد مبادئ سياسته النقدية شديدة التساهل.
هل ماتت السيطرة على منحنى العائد؟
يقول المستثمرون إن القرار الأخير بإزالة السقف الصارم لعوائد سندات الحكومة اليابانية لأجل عشرة أعوام يعني في الواقع وفاة السيطرة على منحنى العائد.
وقال كازويا ساتو، الخبير الاستراتيجي في شركة دايوا، إن "النهاية الرسمية للسيطرة على منحنى العائد ستكون بمنزلة احتفال"، مضيفا أن الخروج قد يأتي في ديسمبر. "أعتقد أن بنك اليابان تمكن من بدء مسار تدريجي نحو التطبيع دون إحداث تأثير كبير في السوق".
ومع ذلك، فإن التغيير الأخير في السيطرة على منحنى العائد لا يعني نهاية إجراءات التيسير الكمي التي يتبعها بنك اليابان، لأنه سيستمر في إجراء عمليات شراء السندات "بقيمة ثابتة"، وإن لم يكن بسعر ثابت قدره 1 في المائة، حسبما قال كريس جيفري، رئيس أسعار الفائدة واستراتيجية التضخم في شركة إدارة الاستثمارات القانونية والعامة.
متى ستنهي اليابان سياسة أسعار الفائدة السلبية؟
الآن بعد أن ألغى بنك اليابان فعليا سياسته المتمثلة في وضع سقف صارم على عوائد السندات، يركز المستثمرون على الموعد الذي سيرفع فيه البنك المركزي سعر الفائدة، الذي يبلغ سالب 0.1 في المائة. ويتوقع بنك يو بي إس أن يرفع بنك اليابان أسعار الفائدة السلبية في أبريل، بينما يتوقع بنك جولدمان ساكس حدوث التغيير في أكتوبر.
وفقا لمحاكاة أجرتها شركة دايوا، من المتوقع أن يصل العائد على سندات الحكومة اليابانية لأجل عشرة أعوام إلى نحو 1.15 في المائة عندما يرفع بنك اليابان السيطرة على منحنى العائد وينهي أسعار الفائدة السلبية - ما يشير إلى أن العائد قد لا يرتفع بشكل كبير للغاية حتى لو تمت إزالة السقف بالكامل.
وقال ستيف دونزي، نائب رئيس الاستثمار والمنتجات في شركة بيكتيت أسيت منجمنت متوقعا أول رفع لأسعار الفائدة قصيرة الأجل في يناير: "على مدى الأشهر الثلاثة الماضية، لم تضع السوق توقعاتها للخروج من أسعار الفائدة السلبية فحسب، بل لرفع أسعار الفائدة بالكامل في العام المقبل".
ومع ذلك، بينما سيقوم البنك بإزالة السقف الرسمي، لا يزال من المتوقع أن يقوم بعمليات شراء السندات إذا شعر أنه يفقد السيطرة. وقال أحد المتداولين في طوكيو إن هذا بمنزلة "خرقة حمراء أمام ثور" بالنسبة إلى حراس السندات الذين سيختبرون الآن أين تقع عتبات بنك اليابان.
هل سيغير المستثمرون اليابانيون ممتلكاتهم من السندات؟
إن المستثمرين اليابانيين في الوقت الحاضر هم أكبر المالكين الأجانب لسندات الخزانة الأمريكية ويمتلكون نسبة عالية من الديون الأسترالية والفرنسية أيضا. ويتوقع المستثمرون أنه مع بدء عودة السياسة في اليابان إلى طبيعتها، ستصبح المؤسسات اليابانية محفزة بشكل متزايد للاستثمار في الداخل، وهو اتجاه من المتوقع أن يتسارع عندما تبدأ أسعار الفائدة في الارتفاع.
لقد قام كبار المستثمرين اليابانيين الذين يتحوطون من تعرضهم للعملة، مثل شركات التأمين، بإبطاء ملكية السندات الخارجية بالفعل حيث أصبحت تكلفة التحوط باهظة الثمن بشكل فاحش، ما أدى إلى إلغاء فجوة العائد المتزايدة بين اليابان والاقتصادات الأخرى وجعل سوق السندات ذات العائد المنخفض في اليابان تظهر جذابة نسبيا.
وقالت إيلا هوكسا، رئيسة الدخل الثابت في شركة نيوتن إنفسمنت منجمنت: "يهيئ بنك اليابان بيئة مواتية حقا للمستثمرين المحليين لإعادة الأموال إلى الوطن ونشرها فيه. إذا كنت مستثمرا يابانيا، فلا يمكنك الاستثمار في سندات الخزانة الأمريكية إلا إذا كنت تتحمل مخاطر العملة - فيما يتعلق بالدخل الثابت، فإن السوق الجذابة الوحيدة هي سوقهم المحلية".
ومن المرجح أن يكون التأثير محسوسا أيضا في سوق سندات اليورو والدولار رغم أن المستثمرين اليابانيين لم يقوموا بتحولات كبيرة في الوقت الحالي.
وقال فنسنت مورتييه، كبير مسؤولي الاستثمار في أموندي: "إذا ارتفعت العوائد طويلة الأجل في اليابان بينما ظلت تكاليف التحوط مرتفعة... قد يكون التأثير السلبي في الطلب على سندات اليورو والدولار كبيرا، حيث قد نشهد عودة قوية للاستثمارات إلى اليابان".
وقال الاقتصاديون إن الهدف النهائي لبنك اليابان هو تحويل بعض الحيازات الضخمة من سندات الحكومة اليابانية في ميزانيته العمومية إلى القطاع الخاص، خاصة البنوك الإقليمية. والسؤال الكبير خلال الأسابيع والأشهر المقبلة هو ما إذا كان المستوى الحالي لعوائد سندات الحكومة اليابانية لأجل عشرة أعوام مرتفعا بما يكفي ليكون جذابا لعشرات البنوك اليابانية الإقليمية لبدء الشراء.
ما هو التأثير في الين؟
حتى الآن، كان رد الفعل معتدلا. وفي المراحل المبكرة من الخروج التدريجي لبنك اليابان من السيطرة على منحنى العائد، وفرت سوق العملات مكانا مباشرا نسبيا للصناديق لوضع رهانات كبيرة على تأثير سياسات بنك اليابان.
وكان بوسعهم، في ظل ما عدوه مخاطرة منخفضة نسبيا، أن يراهنوا على أن الفرق في أسعار الفائدة بين الاحتياطي الفيدرالي المتشدد وبنك اليابان الذي يتسم بالتيسير الشديد بشكل دائم من شأنه أن يوجد ضغطا هبوطيا مستمرا على الين.
يقول المتداولون الآن إن هذا الرهان أصبح مزدحما وأكثر خطورة قليلا من ذي قبل: يبدو الاحتياطي الفيدرالي قريبا من نهاية دورة التشديد وإمكانية تدخل اليابان في العملة مطروحة على الطاولة.
وكان المشاركون في السوق يظنون في السابق أن السلطات المالية قد رسمت خطا في الرمال عند نحو 150 ين مقابل الدولار، لكن التداولات الأخيرة أظهرت أن الحكومة اليابانية تبدو مستعدة للسماح للين بالانخفاض إلى ما دون هذا المستوى. ويعتقد بعض محللي العملات أنه إذا لم يكن انخفاض الين سريعا للغاية وغير منظم للغاية، فقد تسمح الحكومة له بالانخفاض إلى 153 ين.
وقال الخبراء الاستراتيجيون في بنك مورجان ستانلي إن الاتجاه الصعودي للدولار ينبغي أن يكون محدودا بخطر التدخل، متوقعين أن يظل الين عند 150 ين تقريبا مقابل الدولار ما لم يكن هناك تغيير كبير في البيانات الاقتصادية الأمريكية.