السعودية .. التزام بالمناصرة والإغاثة
تمتلك المملكة العربية السعودية سجلا تاريخيا ناصعا في مناصرة شعوب العالم كافة، خاصة الأمتين الإسلامية والعربية، والوقوف من أجل استرداد الحقوق، ودعم استقرارها الدائم من خلال دعم مواقف، وطرح مبادرات سلمية ودبلوماسية، ودعم مادي ومعنوي.
الحملة الشعبية لإغاثة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، التي أطلقتها القيادة العليا في المملكة، تندرج ضمن سلسلة لا تتوقف من حملات مشابهة أطلقتها السعودية على مدى عقود، خصوصا في الأوقات العصيبة، إلى جانب الدعم المستمر في كل الأوقات للفلسطينيين، وعلى مختلف الأصعدة الاقتصادية والسياسية والإنسانية. الأزمة التي يمر بها الأشقاء في قطاع غزة صعبة وخطيرة، ولا سيما في ظل تدهور الأوضاع الإنسانية، والنقص الشديد لإمدادات الدواء والغذاء، وانقطاع المياه وشح غير مسبوق للوقود، فضلا عن فقدانهم المأوى.
هذه الحملة التي تأتي في توقيت مهم ومدروس مع بدء السماح بعبور المساعدات للقطاع، تم تدشينها بتبرع من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بـ30 مليون ريال، وتبرع من ولي عهده رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بـ20 مليون ريال، تهدف أساسا إلى تخفيف معاناة الفلسطينيين في ظل هذه الظروف الصعبة والخطيرة، وتؤكد مدى حرص الشعب السعودي على أن تكون له مساهمته في إغاثة أشقائه. فقد فعلها في السابق، ومستعد لأن يقوم بها في أي وقت يستوجب ذلك. والحق أن مثل هذا التحرك، يندرج ضمن المواقف التاريخية المعهودة للسعودية حيال القضية الفلسطينية.
مواقف دعمت وساندت وعززت هذه القضية العربية المحورية، منذ حكم الملك عبدالعزيز المؤسس حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز. فالالتزام السعودي بدعم الشعب الفلسطيني ثابت، ويقوم على أساس استعادة حق هذا الشعب، وتمكينه من العيش بسلام ضمن حدود دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
في الواقع تجلى هذا بوضوح في مبادرة السعودية التي تحولت نفسها إلى مبادرة عربية لتبقى أساسا لأي حل مستقبلي للقضية الفلسطينية، وقبلتها كل الدول المؤثرة في الساحة الدولية عموما. والتزام الرياض بهذه القضية بقي ثابتا رغم كل المنعطفات التاريخية التي شهدتها المسألة برمتها. فلا حلول وسط لمفهوم المملكة تجاه حق الفلسطينيين وتمكينهم وتوفير ما يساعدهم في الحصول على حقوقهم.
ومع انفجار الوضع الراهن في السابع من الشهر الماضي، لم تهدأ جهود السعودية على الساحات كلها، من أجل وقف العمليات العسكرية، وإنشاء الممرات الآمنة، وفتح المعبر لمرور الإمدادات الأساسية التي يحتاج إليها الفلسطينيون في القطاع، فالأمير محمد بن سلمان لم يتوقف عن إجراء الاتصالات على المستويات كلها من أجل الوصول إلى صيغة توقف الأعمال العسكرية، والأهم تضمن سلامة وأرواح الفلسطينيين الذين تعرضوا لنزوح هائل ضمن أراضيهم. وفتح القنوات الدبلوماسية كلها على مصاريعها من أجل تحقيق الهدف الأهم في المرحلة الأولى وهو حماية سكان القطاع، وتوفير ما يلزم لهم في هذه الفترة العصيبة التي يمرون بها. وشكلت هذه الاتصالات أهمية كبيرة، خصوصا مع تمسك المملكة بالجانب الإنساني الذي تعده الأهم، وبعد ذلك يمكن البحث في بقية الأمور العالقة.
من هنا، يأتي تأكيد موقف السعودية على الملف الإنساني، مع ضرورة رفع الحصار المفروض على غزة في أقرب وقت، لتأمين مستلزمات الحياة التي غابت بالفعل عن الساحة في القطاع. كل هذا يأتي مع إصرار المملكة على رفضها القاطع لمحاولات التهجير القسري للفلسطينيين، وتوسيع نطاق هذا التهجير إلى خارج غزة. فالرياض لن تقبل بهذا على الإطلاق، وتشدد في اتصالاتها على المستويات كلها على أنها ستواصل بقوة وقوفها ضد هذه المحاولات. ولن يهدأ حراكها السياسي والدبلوماسي في هذه الساحة، قبل أن تكون هناك ضمانات حقيقية لمستقبل قطاع غزة وفق هويته الوطنية الخالصة.
كما أن السعودية تسهم منذ عقود سياسيا وماليا في دعم الفلسطينيين وقضيتهم العادلة، فهي تعد أكبر داعم لهم بمساعدات بلغت خمسة مليارات دولار خلال ثلاثة عقود.
قضية فلسطين رسخت في قلوب السعوديين، حكومة وشعبا، وظلت من الثوابت الرئيسة لسياسة السعودية، وقدمت من أجل ذلك الدعم العسكري والمادي والسياسي منذ بدء المشكلة، كما طرحت مبادرات لحل القضية الفلسطينية، كل هذا يأتي ضمن وقفاتها التي يعرفها الجميع في نصرة الحق العربي والفلسطيني خصوصا، وفي رفع المعاناة وتضميد الجراح، وبالطبع العمل على الإعمار من أجل مستقبل أفضل.
والسعودية تتحرك، وفق ما ألزمت به نفسها تجاه أشقائها العرب، إذ أسهمت مباشرة في الحروب التي مرت على المنطقة عبر مشاركة أبنائها فيها، منذ حرب 1948، إلى صد العدوان الثلاثي على مصر في 1956، وحرب 1967، مرورا بحرب الاستنزاف، وحرب أكتوبر في 1973. وهي مستعدة دائما لمواصلة العمل من أجل مصلحة القضايا العربية كلها، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.